الجمعة 2015/04/24

آخر تحديث: 15:07 (بيروت)

"محكمة المستهلك": تعطيل ومن ثم تفعيل.. لمصلحة من؟

الجمعة 2015/04/24
"محكمة المستهلك": تعطيل ومن ثم تفعيل.. لمصلحة من؟
تفعيل "محكمة المستهلك" أو ما يعرف بـ "لجنة حل النزاع"
increase حجم الخط decrease
يحدث أن يحصل تفاوت بين نص القانون وتطبيقه في بعض الأحيان، كأن يصبح القانون خاضعاً لمزاجية ومصلحة من يتولى تطبيقه. تسببت هذه المزاجية في إبقاء "محكمة المستهلك" أو ما يُعرف بـ "لجنة حل النزاع"، وفق ما جاء في نص قانون المستهلك لعام 2005، حبراً على ورق لمدة طويلة، ولم يُبدِ أحد إهتمامه بأمر هذه المحكمة، على الرغم من صدور مراسيم تعيين جميع أعضائها، ما عدا موظفين إثنين، أحدهما كاتب والآخر مستلم للشكاوى. ما يعني أنه تم تقصُّد تعطيل عمل هذه المحكمة، بشكل أو بآخر، من خلال عرقلة إجتماعاتها وعدم تخصيص مقر لها، ما يعزز التساؤل عن سبب عدم إلتئام هذه المحكمة ولو لمرة واحدة، على الرغم من تعيين معظم أعضائها بموجب مراسيم نافذة، لاسيّما أنّ تعيين الكاتب ومستلم الشكاوى تطلّب آنذاك من وزير الإقتصاد رفع إقتراح تعيينهم إلى مجلس الوزراء لإصدار المراسيم بذلك. فمن هو المسؤول إذاً عن تعطيل عمل المحكمة طوال هذه المدة؟ وما هي الغاية من تفعيلها اليوم؟


يُبرر البعض سبب هذا التعطيل، بقيام وزارة الإقتصاد بمعالجة النزاعات من دون تقديمها إلى المحكمة، وبذلك يعتبر المعنيون أن لا حاجة لتفعيلها، في حين تمارس الوزارة مهمة حل الخلافات. ولكن هل تساءل أحد عن مصير تلك الخلافات التي بقيت مجهولة المصير، بعد أن فشل المعنيون في الوزارة بحلّها؟ أو أن حقيقة ما يجري يُرد إلى أن الوزراء الأوصياء ممن تعاقبوا على المديرية هم رجال أعمال، وقد يكونوا مستفيدين من عدم المحاسبة، ولذلك لم يبدوا أي نية لتفعيلها. ومن ثم هل يجوز تبرير تعطيل المحكمة بهذه الحجج؟ وهل تجوز مخالفة ما جاء واضحاً في نص قانون حماية المستهلك؟

ما يجري اليوم يطرح العديد من التساؤلات وعلامات الإستفهام، حول قدرة بعض المسؤولين على تشريع ما هو ضروري ويحقق مصالحهم، على حساب حقوق المواطن والمستهلك. خصوصاً أنّ المحكمة هي بمثابة ضمان لحماية المستهلك من الغش والإحتكارات ومن تلاعب المحترفين (التجار والمصنعين)، فهي ذات إختصاص حصري بتطبيق الأحكام الحمائية للمستهلك، ويمكنها البت في النزاعات التي تتعدى قيمتها ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، أما بالنسبة للنزاعات ما دون تلك القيمة، فإنها تخضع لمرحلة الوساطة بهدف التوفيق بين أطراف النزاع من قبل وزارة الإقتصاد، وفي حال فشلت الوساطة يعرض النزاع على محكمة المستهلك، بغية إيجاد حل شامل أو جزئي. ومن الإجراءات المميزة للتقاضي في هذه المحكمة، هي أن مهل البت في النزاع قصيرة، ولا وجوب للإستعانة بمحام، كما أن الرسوم القضائية المطلوبة قليلة، فضلاً عن تمثيل المستهلك فيها من جانب جمعية حماية المستهلك التي هي عضو فيها.


وجود ممثل عن جمعية المستهلك يشكل ضمانة في وجه أي تعد على حقوق المستهلك، لاسيما أن التجار والصناعيين ممثلون أيضاً في المحكمة، وقد كرس قانون حماية المستهلك حق المحترف (التاجر والمصنع) بتقديم شكوى والإدعاء أمام المحكمة، ما يعني أن هناك إمكانية لفرض سيطرة الطرف الأقوى في مسار المحاكمات، ما يطرح فرضية أن تتحول تلك المحكمة إلى أداة للرشى، عوض أن تكون مكاناً مستقلاً يطرح آليات عمل وحلولاً جديدة تفي حق المستهلك، خصوصاً أنه تم تفعيل المحكمة أخيراً، نتيجة للشكاوى العديدة التي وُجهت للمعنيين بحماية المستهلك من جانب مواطنين تعرضوا للفساد.

وأمام كمّ الفساد الهائل الذي شاع في الآونة الأخيرة، وكخطوة متقدمة في موضوع حماية المستهلك، إتخذ وزير التجارة والإقتصاد ألان حكيم أخيراً قرار تفعيل المحكمة، بدعوة أعضاء المحكمة إلى الإجتماع، وتم تعيين قاض جديد وهو القاضي إلياس شيخاني، وتعيين الكاتب، وهي مراقبة وموظفة في وزارة الإقتصاد وتقوم بمهام الرقابة لدى مديرية المستهلك، ويتم العمل على تسمية من يتولى تسلم الشكاوى. ولكن "آلية عمل المحكمة ما زالت مبهمة، واللجنة ما زالت في مرحلة التأسيس"، وفق ما أكدته لـ"المدن" ممثلة جمعية المستهلك وعضو المحكمة ليلى الحركة، مستبعدة "تحول المحكمة إلى أداة للرشى نظراً لنزاهة القاضي شيخاني".


بالطبع، لا أحد يشكك في نزاهة القضاة، ولكنّ المحاصصة الطائفية الموجودة في لبنان حتّمت تدخل السياسيين في الجسم القضائي باعتراف الجميع. والمحكمة تخضع لسيطرة أهل السلطة والأعمال في آن معاً، ما يؤكد الخشية من تحول مسارها في التطبيق عمّا جاء في نص القانون.

 وبالرغم من ذلك ما زالت المحكمة تشكل بصيص أمل نحو بناء منظومة حقوقية إستهلاكية جديدة. فـ "المحكمة لم تُختبر بعد، ولا يمكن إطلاق أحكام فردية عليها"، وفق ما رآه رئيس جمعية المستهلك، زهير برو.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها