الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 19:08 (بيروت)

الشركات الصغيرة والمتوسطة.. ثروة تتجاهلها المصارف العربية

الخميس 2014/08/21
الشركات الصغيرة والمتوسطة.. ثروة تتجاهلها المصارف العربية
تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة حوالي 90% من مجمل المشروعات العربية
increase حجم الخط decrease

ترتكز الإقتصادات العربية بمعظمها على القطاعات الخدماتية وعلى ثرواتها البترولية، بالتالي على الشركات الكبرى التي تسيطر على هذه القطاعات. الأزمة الإقتصادية عام 2008، بدلت في هذه الصورة، فتقدمت إلى الواجهة الاقتصادية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي بقيت الأقل تأثراً بالأزمة. في هذا السياق، افتتح "اتحاد المصارف العربية"، اليوم، منتدى مصرفيا متخصصا، بعنوان "المشروعات الصغيرة والمتوسطة: الطريق الى التنمية الإقتصادية والعدالة الإجتماعية".

تشكل المشروعات الصغيرة والمتوسطة حوالي 90% من مجمل المشروعات العربية، الأمر الذي يعطيها أهمية خاصة، بحسب الرئيس الفخري للإتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية عدنان القصار. وترتبط هذه الأهمية بشكل أساسي بالدور الذي تلعبه هذه المشروعات في مواجهات المعضلات الإقتصادية، وأولها البطالة التي باتت تقدر نسبتها بين الشباب في البلدان العربية بنحو 25 في المئة، و"هي أعلى نسبة في العالم على الإطلاق" وفق القصار. هذا ويحتاج حل هذه المشكلة، إلى خلق "40 الى 50 مليون فرصة عمل من الآن لغاية 2020".

ويقابل معدلات البطالة المرتفعة، انخفاض مستمر في معدلات النمو الإقتصادي العربي، الذي بلغ 3،8% للعام الحالي، وسيبلغ 3،9% للعام المقبل، وفقاً للنائب الأول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين. لا تلامس هذه المعدلات الحد الأدنى المتوقع لنمو الدول النامية إقتصادياً (4.9 – 5.3%)، ما يظهر حجم الأزمة الإقتصادية التي لا يزال يعاني منها العالم العربي.

 
"رافعة القطاعات الإقتصادية العربية" هو التوصيف الذي يطلقه رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية جوزيف طربيه على القطاع المصرفي في الدول العربية. يشرح طربيه أن "حجم الائتمان الذي ضخته المصارف العربية في الإقتصاد بلغ نهاية الفصل الأول من العام الحالي حوالي 1.67 ترليون دولار أمريكي، وهو ما يوازي 60% من حجم الناتج الإجمالي العربي". لكن "7.6% فقط" من مجموع حقائب الإقراض في العالم العربي، تخصص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفقاً للقصار، ما يعني تركيز التمويل المصرفي بشكل واضح على المشروعات الكبيرة على حساب تلك الصغيرة والمتوسطة.

اذا، بالرغم من الأهمية الكبرى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومن الدور الذي تلعبه في عملية التنمية الإقتصادية، لم تدخل حتى الآن في حسابات "الرافعة الإقتصادية" على أرض الواقع. ويعول المشاركون في المؤتمر على تعديل المسار من خلال دفع المصارف لزيادة الدعم لهذه المؤسسات التي تتحول شيئاً فشيئاً إلى العمود الفقري للإقتصاد.

يبدو لبنان متقدماً في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بالنسبة للدول العربية، لناحية نسبة الإقراض الميسر والمدعوم لها. وتصل نسبة الإقراض لهذه المؤسسات في لبنان، وفق القصار، إلى 16%.

وتجربة لبنان المبكرة في مجال التعاون بين المصارف والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تعود الى مساهمة هذه المؤسسات بـ99% من مجمل الناتج المحلي في لبنان، بالإضافة الى أنها تمثل 90% من عدد مؤسسات القطاع الخاص، وتتكفل بتشغيل 88% من العاملين فيه.

في هذا الإطار، يشرح شرف الدين، دور المصرف المركزي في تعزيز دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في لبنان. "عام 2013 وضعنا، بتصرّف القطاع المصرفي ما يفوق المليار و400 مليون دولار، تم تسليف القسم الأكبر منها  للقطاعات الإنتاجية والقطاع السكني إضافة إلى الأبحاث والتطوير والمشاريع الجديدة". يضيف: "تستمر هذه المبادرة بتخصيص مبلغ إضافي لهذا العام يقارب الـ800 مليون دولار"، سيصرف القسم الأكبر منه في المجالات المذكورة أعلاه.

 ولعل التجربة المحلية في مدينة طرابلس وشمال لبنان قد تصلح مثالاً تطبيقياً لواقع الحال العربي، بدءا من المعوقات على أشكالها، وانتهاءا بمحاولة تحقيق التنمية الإقتصادية والعدالة الإجتماعية بالإرتكاز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فسوء الأوضاع الأمنية الذي تعاني منه طرابلس هو أحد المعوقات الأساسية أمام نمو اقتصادها، مثل ما يتسبب سوء الأوضاع الأمنية في عدد من البلدان العربية بضعف نمو اقتصادها. غير أن "الإنطلاق من الإيجابيات الموجودة" هو الحل للتمكن من القيام بالخطوة الأولى نحو النمو، وفق رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي توفيق دبوسي.  يشرح دبوسي لـ"المدن" أن أهم الإيجابيات هو وجود "قدرات تخصصية وفكرية". تستفيد هذه القدرات الموجودة في طرابلس ولبنان الشمالي من دعم "حاضنة أعمال تقوم بدراسة المشاريع، لتضع على الإثر، بتصرف صاحب المشروع، كل الإمكانيات الممكنة" وفقاً لدبوسي.

 

لا شك أن ضعف التمويل المخصص لهذه المؤسسات، يشكل عقبة أساسية أمام عمل هذه المؤسسات، لكنه ليس العقبة الوحيدة أمامها. فأمام الواقع الذي يظهر تركيز المصارف على تمويل المشاريع الكبيرة لما توفره من حيز مالي آمن، بالإضافة إلى كون المصارف تعدل في توجهاتها وفقاً لمصلحة القطاع المصرفي، لا بد من التدقيق في دور الدولة المباشر بالنسبة لهذه المؤسسات. في هذا الإطار يستعرض وزير الصناعة اللبنانية آلان حكيم مكامن الضعف التي تحد من تنافسية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. "عدم استقرار البيئة السياسية، ضعف الحوكمة، ضعف التنسيق بين المؤسسات، الحاجة الى بنية تحتية مؤاتية وضعف الإطار التنظيمي"، كلها معوقات تؤدي الى تقييد عمل هذه المؤسسات وخصوصا في لبنان. في المقابل، فإن التصدي لهذه المسائل يتطلب من الدولة اللبنانية اتخاذ العديد من الإجراءات في اطار إستراتيجية شاملة لبناء القدرة التنافسية الشركات الصغيرة والمتوسطة. ومن الإجراءات التي يعتبرها الحكيم ضرورية في هذا السياق، تحسين الإطار القانوني والتنظيمي للشركات، تسهيل معاملات خلق الشركات ومساعدتها على تدارك المخاطر التي تواجهها، بالإضافة إلى وضع سياسة ضريبية مؤاتية لإطالة عمر الشركات، وغيرها من المقترحات التي لا تزال، حتى هذه اللحظة، خارج إطار التطبيق.

increase حجم الخط decrease