الإثنين 2015/10/12

آخر تحديث: 16:46 (بيروت)

هل يرفع التدخل الروسي في سوريا أسعار النفط؟

هل يرفع التدخل الروسي في سوريا أسعار النفط؟
رسم بياني يظهر العلاقة بين سعر صرف الروبل الروسي وسعر برميل الخام الأميركي (جاسم عجاقة)
increase حجم الخط decrease


ضرَب تهاوي أسعار النفط العالمية المداخيل المالية للحكومة الروسية لدرجة تسارع معها تآكل الإحتياط الروسي من العملات الأجنبية. وقد يكون رفع سعر برميل النفط أحد أهداف التدخل العسكري الروسي في سوريا.
وأدّى تراجع أسعار النفط العالمية إلى ضرب المالية العامة في الدول المُنتجة للنفط وعلى رأسها روسيا والمملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج وفنزويلا وغيرها. لكن المُلفت في الأمر هو مدى تعلق سعر صرف الروبل الروسي بسعر برميل الخام الأميركي، فنظرة إلى البيانات التاريخية كافية لكي يستنتج القارئ أن ارتفاع سعر برميل الخام الأميركي يرفع سعر صرف الروبل الروسي مقابل الدولار الأميركي والعكس بالعكس. وهذا الإرتباط يأتي من عاملين: الأول ميكانيكي ويعود إلى أن سعر برميل الخام الأميركي مُقوّم بالدولار الأميركي وكذلك الحال بالنسبة إلى سعر صرف الروبل. ما يعني أنه وفي حال ارتفاع برميل الخام الأميركي، فإن العملة الأميركية تضعف وبالتالي يرتفع سعر صرف الروبل. والعامل الثاني إقتصادي ويعود إلى أن العملة تعكس ثروة البلد، فكلما إرتفع سعر برميل النفط تزيد مداخيل الخزينة الروسية وبالتالي يُصبح الروبل أقوى.
لكن هذا الواقع لا يطال روسيا فقط، فالمملكة العربية السعودية تُعاني الشح في مداخيلها التي تعتمد بشكل شبه أحادي على النفط (90% من مداخيل المملكة). وبلغ عجز الموازنة السعودية ما يزيد عن 22% أو ما يوازي الـ 120 مليار دولار أميركي ما فرض مخطط تقشفي يقوم على وقف الدعم على المحروقات والكهرباء والمياه وفرض ضرائب على الدخل ورسوم على كل المعاملات الإدارية. كما أن تجميد المشاريع الذي كان قد بدأ منذ أوائل الفصل الأول من هذا العام، سترتفع وتيرته في الفصل الرابع من العام الحالي.


التدخل الروسي يدفع بأسعار النفط صعوداً
مع الاتفاق الدولي في شأن البرنامج النووي الإيراني وسحب فتيل التوتر بين الجمهورية الإسلامية في إيران والدول المجاورة، أخذت أسعار النفط بالتهاوي كنتيجة لهذا الإتفاق ومع إستمرار العرض الكبير من قبل دول "الأوبك" وتحديداً السعودية.
لكن زيادة الوجود العسكري الروسي بدأ بالضغط على الأسعار صعوداً عبر دب الذعر في الأسواق المالية لجهة المخاوف من الإنجراف إلى مواجهة عسكرية في المنطقة. هذه المخاوف إزدادت مع بدء الضربات الجوية الروسية ضد المعارضة السورية، ما رفع سعر النفط من 45.09 دولاراً في 30 أيلول إلى 49.51 دولاراً في 9 تشرين الأول. ومن المُتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر مع وضع موسكو هدف 75 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد، وهذا إن دلّ على شيء فعلى أن وتيرة المعارك العسكرية ستزداد في الأشهر المقبلة قبل بدء الشتاء القارس.
وما يُعزز هذا السيناريو هو أن روسيا صرّحت على لسان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أنها "مُستعدة لإجتماع بدول الأوبك للبحث في السوق العالمي"، أي أنها تريد فرض تقليص الإنتاج على هذه الدول. وهذا بالطبع أمر مرفوض كلياً من قبل المملكة العربية السعودية التي ستعمد إذا ما رضخت دول من "الأوبك" وخفّضت من إنتاجها، إلى زيادة الإنتاج خصوصاً أن المملكة تتمتع بقدرة إنتاجية غير مُستخدمة تبلغ مليوني برميل في اليوم.
أضف إلى ذلك أنه ومع أسعار نفط بمعدّل 45 دولاراً للبرميل الواحد، عمدت العديد من شركات النفط الصخري الأميركية إلى إقفال آبار في الولايات المُتحدة الأميركية. وهذا الأمر سيُقلص بالطبع القدرة الإنتاجية وبالتالي العرض في السوق ما سيشكل ضغطاً صعودياً على الأسعار.



هل سينجح مخطط روسيا برفع أسعار النفط؟
من البديهىي القول إنّ الجواب على هذا السؤال ليس سهلاً خصوصاً أن هناك عوامل عدّة تُحدد أسعار النفط. وعلى رأس هذه العوامل العامل الجيوسياسي والذي بحسب المعطيات يوحي بأن الأمور ذاهبة إلى تصعيد عسكري ما يعني أن أي عملية عسكرية على الأرض السعودية أو أي عمل تخريبي للمنشآت النفطية في المملكة سيدفع بالأسعار صعوداً بشكل آني وشبه جنوني. وما يدفعنا بإتجاه هذا التحليل، إستمرار الأزمة اليمنية على الحدود مع السعودية وزيادة الإنقسام بين إيران والمملكة على الملف السوري. هذا الإنقسام يُترجم على الأرض بتزويد روسيا للنظام السوري بأسلحة جوية وأرضية، ومد إيران للنظام السوري بالجنود، وتزويد المملكة العربية السعودية المسلحين بـ"أسلحة نوعية".
في جميع الأحوال، فإن أي تصعيد عسكري في المنطقة يصب في مصلحة روسيا من ناحية رفع أسعار النفط وهذا الأمر شبه محسوم.



أين الاقتصاد العالمي من هذه اللعبة؟
مما لا شك فيه أن الاقتصاد العالمي وخصوصاً المُستهلك للنفط، إستفاد من إنخفاض أسعار النفط عبر خفض الكلفة. لكن هذا الاقتصاد يُعاني أزمة اليوم تتمثل بغياب النمو مع خطر الركود (deflation) إضافة إلى أزمة ديون سيادية لا تسمح بهامش تحرك كبير.
من هذا المُنطلق، فإن أي ارتفاع بأسعار النفط سيزيد من مخاطر الركود الاقتصادي في الإقتصادات المُتطورة وعلى رأسها الاقتصاد الأميركي والأوروبي. ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية تجد نفسها أمام إشكالية تتمثل بكون أي محاولة لصدّ التدخل العسكري الروسي في سوريا، سيدفع بأسعار النفط صعوداً وبالتالي فإن إقتصادها سيتضرر.
المُستفيد من ارتفاع أسعار النفط، هو الشركات النفطية وبالطبع الدول المُنتجة للنفط كروسيا والمملكة العربية السعودية. والمنطق يفرض أن ربط كل المعطيات التي سبق ذكرها يؤدي إلى أن أسعار النفط سترتفع تدريجاً لتصل إلى مستوى 70 دولاراً أميركياً للبرميل في الأشهر المقبلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها