الخميس 2014/10/23

آخر تحديث: 15:22 (بيروت)

الإقتصاد اللبناني.. هل يقدّر قيمة المعرفة؟

الخميس 2014/10/23
الإقتصاد اللبناني.. هل يقدّر قيمة المعرفة؟
ندوة حول إقتصاد المعرفة برعاية رئيس الجامعة اللبنانية عدنان السيد حسين (علي علوش)
increase حجم الخط decrease


إقتصاد المعرفة، عبارة عن توجه إقتصادي حديث مبني على المعرفة والأبحاث والعلوم والتكنولوجيا، وفقاً لخلاصة التعريفات التي قدمت في الندوة التي نظمتها "اللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو" و"المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة"، مساء أمس الأربعاء، في الادارة المركزية للجامعة اللبنانية بالمتحف، وذلك برعاية رئيس الجامعة عدنان السيد حسين. والمقصود بالمعرفة هنا، "التراكم المعلوماتي الذي تستطيع الحضارة الإنسانية أن توفره لخدمة الاقتصاد"، وفقاً للمستشار العلمي في المجلس الوطني للبحوث العلمية حسن الشريف. والمعرفة تنقسم الى قسمين، "معرفة في الاطار العام، موجودة بالكتب وعبر الانترنت". و"معرفة ذات القيمة الاقتصادية التي أصبحت تمثل القيمة الأساسية لأي خدمة أو أي سلعة".

أما الإقتصاد فمبني على "ثلاث عناصر أساسية تحدد قيمة السلعة، هي المنتج والبائع والمستهلك". وبين الإقتصاد والمعرفة، يتكلم الشريف عن رابط وثيق، يظهر في العلاقة بين "من ينتج العلم والمعرفة ومن يستخدم العلم والمعرفة والأبحاث في الإقتصاد ويقدمها للمجتمع". وهكذا فإن بناء هذه الحالة الإقتصاية القائمة على المعرفة، تبدأ ممن ينتج المعارف لتستمر عبر من يستخدمها في الدورة الإقتصادية، لتصل الى المستهلك. والاخير يجب أن يكون منتجا أو مستخدما للمعرفة في مكان آخر، فيتحول المجتمع بكل أفراده الى حلقات معرفية تعمل على بناء اقتصاد متكامل.
يشرح الشريف أن آليات بناء إقتصاد المعرفة متعددة. "فإنتاج المعرفة أساسي، غير أنه يحتاج إلى من يقدم التمويل الكافي لإجراء البحوث وتطويرها". كذلك فإنّ "نقل نتائج البحث والتطوير إلى الإقتصاد، هي مرحلة ضرورية لتحويل هذه المعارف من معلومات نظرية إلى تقنيات وسلع وغيرها"، وفق الشريف.

"لا زالت الدول العربية ومن ضمنها لبنان على درجة كبيرة من التخلف لناحية نقل نتائج الابحاث إلى الإقتصاد"، يقول الشريف، مقارناً وضع الدول العربية بتلك المتطورة حيث "آليات نقل المعرفة من منتجيها في الجامعات إلى الصناعة تأخذ طابعا متقدما جدا". ولكن أين يتم إنتاج المعرفة؟ وأي كلفة تنفق على هذا الإنتاج؟

بطبيعة الحال، فإن المعرفة لا تبدأ في الجامعات حيث تجرى البحوث العلمية، بل أنها عملية تراكمية تبدأ من مراحل التعليم الأولى. في هذا الإطار توضح عميدة كلية التربية في الجامعة اللبنانية تريز الهاشم، أن "من ينتج المعرفة هو القطاع التربوي، فإذا أحسن هذا القطاع العمل انتجنا المعرفة والذهب، إما إذا فشل فسننتج الرماد والثرثرة". وأهم ميزات الرأس المال البشري، وفق هاشم، أنه الوحيد الذي لا ينفصل عن صاحبه ويحتاج انتاجه لفترات طويلة. لذلك فإن الدول تقتطع نسب كبيرة من مدخولها لإنتاج المعارف، وبالتالي الرأسمال البشري. لهذه الناحية تعزز الهاشم رأيها بمقولة للفيلسوف الأستكلندي آدم سميث، مفادها أنّ "القطاع التربوي من مسؤولية الدولة، وأنه لا يمكن للأفراد أن يتحملوا بمفردهم نفقات التعليم". والواقع أن "الدول المتقدمة الرأسمالية تنفق أكثر من غيرها على القطاع التربوي حيث يسود فيها القطاع التعليمي الحكومي".. إذن، تجد الهاشم أنه "لا يجوز القبول بحرية التربية الخاضعة لحرية الأفراد، خصوصا مع ما نشهده من ارتفاع في النفقات، تحت شعار الإقتصاد الحر".

ويقوم إقتصاد المعرفة على مجموعة من المؤشرات، منها "حصة البحث والتطوير في موازنة الدولة، توزع السكان وفق المستويات العلمية، المخزون التكنولوجي، المخزون التربوي الاجمالي للسكان، عدد براءات الاختراع، عدد الشركات العلمية..."، وغيرها. لناحية الإنفاق على إنتاج المعرفة، وخصوصا في القطاع التربوي، فإنه يساوي 12% من الناتج المحلي، تقول الهاشم. بمعنى آخر، فإن "الإنفاق السنوي على أقساط الطلاب يتجاوز الثلاثة مليارات دولار"، بينما "كلفة التعليم المدرسي للطالب الواحد نحو 45 ألف دولار، على أقل تقدير". الخلاصة من هذه الأرقام بالنسبة لهاشم، أنه لولا الدين العام، ولو كانت الإدارة الإقتصادية للدولة سليمة، لكان حجم الدين العام كفيلاً بتعليم طلاب لبنان مجاناً لـ20 عاما.

ينعكس الوضع المتردي للدولة اللبنانية على صعيد إدخال المعرفة في الدورة الإقتصادية، على أسلوب عمل الشركات، ومؤشر الإبتكار في عملها. يوضح الأستاذ رمزي الحافظ، المدير العام لشركة إنفو برو (info pro) التراجع في مستوى الإبتكار في الشركات العاملة في لبنان من خلال دراسة أجريت على 478 شركة صناعية. 60% من هذه الشركات طورت منتجاتها أو نظم الإنتاج عندها. فقط 8% من الشركات قدمت منتجات جديدة. كما اظهرت الدراسة أن 1% من الشركات تتعاون مع جامعات أو مراكز تكنولوجيا للوصول إلى إبتكارات جديدة. وفي هذا الإطار يشرح الحافظ أن الإبتكار هو تطوير لأفكار موجودة وليس ابتكارا بحتاً. أما عن مصادر المعرفة بالنسبة للشركات، فتبين الدراسة أن 8% فقط تعتمد على الخبراء بينما تعتمد البقية على المعارض والمؤتمرات، وعلى الإنترنت وموردي الأجهزة...

إذن، إنتاج المعرفة لا يزال في "مراتب متأخرة" في لبنان. والمعرفة المنتجة، تبحث عن دائرة إقتصادية أجنبية لتدخل إليها، فالسوق المحلية لا توفر لها عناصر الإنتاج اللازمة. يبقى الأهم أن التحول من ثقافة الإستهلاك نحو ثقافة الإنتاج، هي الخطوة الأولى التي لم تبدأ بعد!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها