الإثنين 2018/02/05

آخر تحديث: 13:15 (بيروت)

أيُّ غطاء لمصرف لبنان؟

الإثنين 2018/02/05
أيُّ غطاء لمصرف لبنان؟
حاكم مصرف لبنان كان يعزف منفرداً أيام الاستقرار النسبي (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

الإشارة الحمراء على عتبة الدين العام ارتسمت إنذاراً للمسار المالي والنقدي، لم يعد ممكناً تجاوزها في 2018، وتجاوز إسقاطاتها الخطرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي برمته. أركان الحكم باتوا في صورة الوضع وتداعياته المحتملة. تصحيح الوضع المالي أولوية مطلقة، وقت تشتد فيه أزمة العقوبات الاميركية على حزب الله، وتحد من مرونة المصارف في اداء مهماتها التقليدية. وترتب عليها أعباء الامتثال لتلك العقوبات، وترغمها على تخصيص مؤونات لقفل حسابات، ومراقبة أخرى بكثير من الحذر والحيطة والارباك. ما يفاقم كل تلك الأوضاع هشاشة الوضع السياسي والمؤسسي الذي يغلب عليه الاحتراب على شؤون لا علاقة لها بالتصدي للمشكلات وضرروة معالجتها. ولا تبدو خاتمة لهذا الوضع في وقت قريب قبل شهور ثلاثة من انتخابات نيابية مفترضة في السادس من أيار المقبل.

وقد علمنا أن الأوضاع المذكورة هي العناوين الرئيسية للاجتماعات الدورية التي يعقدها رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وينزع الأخير على نحو لافت كما لم يحصل من قبل على وضع الحكم في الصورة. وفي الاجراءات المتاحة لمصرف لبنان للاستمرار في سياسة تثبيت سعر الصرف من جهة واستمرار المصارف في تمويل الدولة من جهة أخرى. وفُهم ان سلامة يلح على خفض العجز المالي بأي ثمن في 2018، كي يتاح له استيعاب الضغوط التي يولدها على السياسة النقدية.

استمرار استيلاد العجز أسلحة مضادة للاستقرار النقدي، يقلص إلى حد كبير من قدرات مصرف لبنان على ابتكار أدوات معالجة، وهندسات مالية لحماية سياسة التثبيت. ولطالما اتسمت هندساته السابقة بكثير من الجدل والاتهامات بمحاباة المصارف. سلامة يقول الآن في دوائر الاجتماعات المغلقة، إن تلك الهندسات جنّبت البلاد أزمة كبيرة كانت ستقع في ضوء التطورات السياسية التي أعقبت استقالة رئيس الحكومة. وقد تفاقمت من جديد بعد خلافات أركان الحكم على مرسوم أقدمية ضباط دورة 1994. واستُدعي التوتر الخطر إلى الشارع على خلفية تصريحات وزير الخارجية جبران باسيل ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري. وكل ذلك سيضيف أعباء على عمل مجلسي الوزراء والنواب. خصوصاً ما يتصل بالشؤون المتعلقة بالموازنة والوضع المالي والتشريعات. المؤسسات الدستورية كانت أصلاً تعمل على هوى انتماءات أركانها السياسية. الآن خرج الوضع كلياً من المؤسسات الى تنظيمي حركة أمل والتيار الوطني الحر. وزير المال من الحركة. ورئيس لجنة المال والموازنة من التيار. وكل ذلك قد يرتب عقبات على مناقشة مشروع موازنة 2018، وعلى تبني سياسة لخفض العجز المالي. وقد شهدنا نماذج من شدّ الحبال في موازنة 2017.

حاكم مصرف لبنان الذي كان يعزف منفرداً أيام الاستقرار النسبي، والتحويلات الخارجية، وفوائض ميزان المدفوعات، بات الآن في ظروف مغايرة تماماً. وفي حاجة إلى غطاء سياسي منسق لجبه الضغوط النقدية. عند المنعطفات الكبيرة تضيق المجالات لتحقيق البطولات. و"الرأي قبل شجاعة الشجعان"! شغف الترويج للسياسة النقدية من مروجين غبّ الطلب ما عاد ذا نفع وجدوى. والمشكلة هنا ترتد إلى بداياتها. لا توجد رؤية اقتصادية كلية للحكومة والعهد، طالما كان غيابها مدعاة لتشرذم السياسات المالية والنقدية والاجتماعية والتنموية. بينما الكل مترابط، ومن العبث الفصل بين سياسة وأخرى. من العبث أيضاً، أن نعتّد بخطة استثمارية للبنى التحتية مطلوبة بإلحاح، طالما أتت في معزل عن الرؤية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. حتى لو قبَلها المؤتمرون في باريس ورقة للدعم والقروض الميسرة للبنان.

هذه الرؤية التي تناولناها مراراً، هي مفتاح الخطط لمعالجة العجز والدين والنمو والمشكلات الاجتماعية. تحد من الجشع السياسي والفساد لاستسهال النفقات. وتضع عناوين لموازنات مقبلة وسنوية وشاملة. وتحدد أولويات النفقات. وحوافز القيمة المضافة في الاستثمار والاقتصاد وفرص العمل. وفي الاتفاقات التجارية مع الخارج. وتترقب الدفق النقدي وادارته ومسار ميزان المدفوعات. وتوفر أرضية مواتية لسياسة الاستقرار النقدي. ماذا يحول دون ذلك؟ ببساطة، لأن رؤية كهذه أساسها اصلاحات عميقة في المال والموازنة ونفقات الخزانة والتوجه الاقتصادي والاجتماعي الكلي. وفي الادارة والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة. فأين القرار سياسي؟ لنقفل الدكاكين أولاً.

الغطاء السياسي الثاني الذي يحتاج اليه حاكم مصرف لبنان، يتصل بالعقوبات الاميركية على حزب الله، لصون القطاع المصرفي. وقد بات جلياً إن ادارة الرئيس دونالد ترامب عازمة على تصفية حساباتها مع طهران في المصارف اللبنانية. وهو واحد من خياراتها الأقل تكلفة عليها والباهظ التكلفة على لبنان. العقوبات الأخيرة التي فرضتها وزارة الخزانة الاميركية الأسبوع الماضي على أفراد ستة وكيانات سبعة اتهمتهم بتمويل الحزب، أعلنها مباشرة وزير الخزانة ستيفن منوشين. ووعد بمزيد منها. في حين توعد بيان للبيت الأبيض بعقوبات أخرى في الشهور المقبلة، "عملاً بالقرار التنفيذي 13224 الذي يستهدف الإرهابيين ومَن يقدمون الدعم للإرهابيين أو للأعمال الإرهابية" على ما أضاف البيان. ووصف مسؤولون بارزون في الإدارة العقوبات الموجة الأولى. سلامة عاد من باريس وأبلغ الرئيس عون للتو نتائج زيارته التي لم تكن بعيدة من لائحة مطالب موفد الخزانة الاميركية مارشال بيلينغسلي إلى بيروت. معلوماتنا أن فرنسا ليست جاهزة للعب أي دور على هذا الصعيد. وقد عجزت مراراً عن صدّ كأس العقوبات عن مصارفها. ولا لبنان قادر على جبه قرارات الخزانة الاميركية. الدولار والشباك المصرفي سلاحان اميركيان ماضيان أحدثا ثورة في الاطار المفهومي للامبريالية الاميركية. وقاعدتها أصلاً الرأسمالية العالمية. أحلّت العملة والمصرف محل الأساطيل والصواريخ. فاكتملت الوصفة المسمومة بأساليب لا تجارى ولا تبارى. مع حُمق ترامب يكتمل المشهد أيضاً!

دعونا نؤكد أن أي غطاء لأي قرار غير متاح سوى بتطبيق العقوبات واجتراع الوصفة المسمومة. المصارف لن تخضع لأي قرار سياسي. هي مسؤولة عن ادارة ودائعها وتسليفاتها. وعن تمويل الدولة واستمرار كينونيتها المالية. تأخرنا كثيراً قبل أن نُحشر في عنق الزجاجة. "أشرف الناس" يريدون ذلك. و"الأقل شرفاً أيضاً" يريدون. وحزب الله ليس في وارد احتلال واشنطن. التعميم 126 الصادر عن مصرف لبنان والاجراءات الأخرى لتعاطي المصارف مع العقوبات لا تزال سارية المفعول. أي اجراءات أخرى محدودة الفاعلية. في حالنا، الغطاء للبنان ودولته هو المطلوب. أي غطاء آخر قناع مثقوب يبعث على السخرية. وليتحمل الجميع مسؤولياته.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها