الإثنين 2018/02/19

آخر تحديث: 10:33 (بيروت)

غاز المتوسط فوق البؤر الساخنة

الإثنين 2018/02/19
غاز المتوسط فوق البؤر الساخنة
المصالح الجيوسياسية في المنطقة تحفل بالاضطرابات (Getty)
increase حجم الخط decrease

يتدحرج ملف الغاز والنفط في أعماق البحر الأبيض المتوسط، الواصل بين قارات ثلاث في منطقة الشرق الأوسط. مصر في أفريقيا. واليونان وقبرص في اوروبا، مع تركيا بجزئيتها الاوروبية من استانبول. ولبنان ودولة الاحتلال الاسرائيلي في آسيا. وعلى سطح المتوسط تتنازع هذه الدول على حقوق في عمقه، أو ما تزعم أنه حقوق. وعلى المصالح الجيوسياسية في منطقة تحفل بالاضطرابات. المصالح الاقتصادية والجيوسياسية تضع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي في قلب النزاع أيضاً ولو في أشكال أخرى. الولايات المتحدة كدولة داعمة للكيان الصهيوني بكل المعايير. والاتحاد الاوروبي الأقرب إلى دول المتوسط، ويتأثر بكل النزاعات في المنطقة على حوضه المائي. ويتطلع إلى الافادة من غاز المتوسط ونفطه القربيبن منه، للحد من تأثير نفوذ موسكو على معظم دول القارة التي تعتمد الغاز الروسي مصدراً أساسياً لها. روسيا أيضاً في الباحة الخلفية من النزاع، على احتمال الضرر المباشر بقدرتها التنافسية، لو تمكنت الدول المتوسطية من استخراج الغاز والنفط بجودة وكميات تجارية. ايران في الوضع نفسه. وهي في طليعة الدول المنتجة غازاً في العالم. وطهران مع موسكو لهما أيضاً مصالح جيوسياسية تعمقت كثيراً في كنف الحرب في سوريا. وتركياً ممراً رئيساً لصادرات الغاز الروسي إلى أوروبا وتجني رسوم مرور وفوائد كبيرة قد تتقلص بمقادير، لو تمكنت دول متوسطية من انتاج كميات وافرة من الغاز وتصديره من منافذها القريبة من اوروبا.

لطالما كانت الموارد الطبيعية والثروات الكامنة، وفي مقدمها الغاز والنفط، مثاراً للحروب على مرّ التاريخ. لم يتغير هذا الواقع كثيراً إلاّ حين تمكنت الدول وخصوصاً الولايات المتحدة من امتلاك تكنولوجيا استخراج الموارد وتصنيعها ونقلها بالأنابيب والحاملات العملاقة. حتى إذا تيسرت لها هذه الميزة التفاضلية، ربطت دول الموارد الطبيعية باتفاقات تنقيب واستخراج وتصنيع، وفرضت سيطرتها الاقتصادية والسياسية منذ ثلاثينات القرن الماضي.

من بؤر النزاع الآن في دول الشرق الأوسط على مناطقها الاقتصادية الخالصة من الغاز والنفط المؤكد أو المحتمل في المتوسط، يرتسم مشهد أشبه بالكلمات المتقاطعة. اتفاق بين دولة الاحتلال وبين قبرص يجتزئ من حقوق لبنان. وآخر بين قبرص ومصر تقف تركيا في وجهه. وتهدد باستخدام القوة لضمان حقوق قبرص التركية بدعوى "انتهاكه الجرف القاري التركي عند خطوط الطول 32 و16 و18 درجة". وتهدد تركيا اليونان بعمل عسكري لو دعمت قبرص. ويعلن الرئيس رجب طيب اردوغان أن أنقرة "لن تظل مكتوفة الأيدي حيال بقاء أتراك جزيرة قبرص ضحية غياب الحل". ويوعز إلى القوات البرية والجوية والبحرية، بتفقد بحر إيجه بقيادة رئيس الأركان خلوصي أكار. وقد أعلن الأخير بعد الجولة أن تركيا "تمتلك القوة الكافية لتنفيذ عملية غصن الزيتون، (في عفرين) وفرض الرقابة على منطقة بحر إيجه في آن واحد". بحر إيجه يتفرع من البحر المتوسط  بين شبه الجزيرة اليونانية والأناضول. ويتصل ببحر مرمرة ومضيق الدردنيل. ولم يكن موضع نزاع بين تركيا واليونان. لأن للبلدين فيه استثمارات سياحية كبيرة وفوائد اقتصادية. ثم أن تركيا ممر أساسي للغاز الروسي إلى اوروبا.

النزاع الروسي الأوكراني بعد احتلال موسكو شبه جزيرة القرم، استخدم فيه زعيم الكرملين فلاديمير بوتين بفظاظة سلاح الغاز ضد كييف ورفع أسعاره، في إثر العقوبات الاقتصادية الاميركية والاوروبية ضد موسكو. وردت كييف فطالبت بزيادة رسوم عبور صادرات الغاز الروسي. وعلى غرار الاتفاق القبرصي ودولة الاحتلال الإسرائيلي لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة، وما أثارته من اعتراض لبنان، وصف وزير الخارجية التركي أحمد مولود أوغلو الاتفاق المبرم بين مصر وقبرص غير قانوني. وقال: "لا يمكن لأي دولة أجنبية أو شركة، أو حتى سفينة إجراء أي بحوث علمية، أو التنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري لتركيا والمناطق البحرية المتداخلة فيه". بينما أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي زار نيقوسيا في تشرين الثاني الماضي "موقف مصر الثابت من حقوقها وحقوق قبرص الشرعية في استغلال ثرواتها الطبيعية". القضية مرشحة لمزيد من التأزم حين إنجاز اتفاق بين مصر واليونان. ويعتبر السيسي أن "من حق مصر السيادي التنقيب عن الموارد في شرق المتوسط ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة".

السؤال، هل يمكن لبنان تثبيت حقوقه في منطقته الاقتصادية الخالصة، وتحديداً في البلوك رقم 9، وسط كتلة المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة التي تضيق فيها مساحة التنازلات عن ثروات كبيرة لدول تعاني عجوزاً مالية وديوناً واضطرابات اجتماعية وأمنية؟ خصوصاً وأن هذا الملف ينطوي على خاصية استثنائية مرتبطة بالتهديدات الصهيونية للبنان، والتي تشهد تصعيداً على خلفية النزاع مع ايران وحزب الله.

الجواب يعتمد على الموقف اللبناني الداخلي للتمسك بحقوقنا. وعلى انشاء خلية أزمة لهذا الملف، تنأى عن المناكفات السياسية، وافتعال المعارك الجانبية على أبواب انتخابات نيابية مفترضة في أيار المقبل.

تثبيت الحق في المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر هو الأساس لتثبيت الحق في البلوك 9. الخلل في هذا الجانب ربما ينتقص من حقوق لبنان البرية أيضأً. نسمع عن خرائط لدى هذا الفريق أو ذاك. وعن أخرى موجودة في الأرشيف البريطاني. كلام مشتت في حاجة إلى توثيق وإبلاغه إلى الأمم المتحدة. كي تقبل حكومة الاحتلال باقتراح السفير الاميركي ديفيد ساترفيلد 40% من المنطقة المتنازع عليها في المنطقة الاقتصادية و60% للبنان، يعني أنها تدرجت من تقرير المسؤول السابق في وزارة الطاقة الاميركية عاموس هوكشتاين إلى تقرير السفير فريدريك هوف الأقل تحيزاً لمصلحتها. وهذه إشارة ضعف ضمنية لم نعتد عليها من دولة الاحتلال في نزاعاتها الاقليمية. المهم أن نمسك بالملف بكل جوانبه الدبلوماسية والقانونية والتقنية، مدعوماً بموقف سياسي حازم وموحد. رغم كرنفالات الحزن والقنوط المخيمة على البلد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها