الجمعة 2018/01/26

آخر تحديث: 17:08 (بيروت)

لبنان والعقوبات.. مرحلة عسيرة

الجمعة 2018/01/26
لبنان والعقوبات.. مرحلة عسيرة
يحتاج حاكم مصرف لبنان إلى غطاء سياسي (المدن)
increase حجم الخط decrease

أرخت زيارة الوفد الاميركي إلى بيروت برئاسة مساعد وزير الخزانة لشؤون الارهاب مارشال بيلينغسلي ظلالاً من القلق حيال ما طلبه الأخير من المسؤولين اللبنانيين الذين التقى بهم. وبلغت تلك المطالب حد قَفل مصرفين في لبنان، والتذمر من ممارسة ادارات وسطية في بعض الفروع المصرفية "لا تلتزم أصول مكافحة تبييض اموال الارهاب في ما يتصل بحزب الله"، على ما قال بيلينغلسلي. فيما ترك الوفد الباب موارباً أمام تصعيد العقوبات على الحزب كي تشمل نواباً من الحزب ووزراء، وكيانات صحية اجتماعية وتعليمية، كان بدا التعامل معها سابقاً أقل تشدداً. لم يكتف الوفد بالشأن المصرفي. تخطاه ليشمل الحديث عن الانتخابات النيابية المقررة في السادس من أيار 2018، وعن شؤون سياسية داخلية وخلافها. وعبّر عن خشية بلاده من فوز حزب الله بأكثرية "تتيح لايران من خلاله التحكم بسياسة لبنان". وإلى دور حزب الله وايران في اليمن وسوريا والبحرين.

فهل تتجه ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب نحو ترسيم جديد لعلاقاتها مع لبنان على خلفية صراعها مع ايران؟ وهل ستكون المصارف اللبنانية من جديد أمام امتحان الجدارة الاميركية على تلك الخلفية، ربطاً بقضية اتهام حزب الله بتبييض الاموال وبتجارة المخدرات في الخارج؟

زار الوفد الاميركي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء نبيه بري وسعد الحريري. بالاضافة الى اجتماعات مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسلطات الرقابة المصرفية ومكافحة تبييض الاموال واموال الارهاب. والتقى رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه وأركان الجمعية.

بحسب المعلومات التي توفرت عن محادثات الوفد، إنه لم يعط إشارة واضحة عما إذا كانت الخزانة باتت تطالب بحظر التعامل مع كل الكيانات التابعة لحزب الله مباشرة أو على علاقة به. كالمستشفيات والمستوصفات والتعاونيات ومؤسسات تعليمية وخِدمية. المسؤول الأسبق في الخزانة دانيال غلايزر الذي زار بيروت في 2016، لم يفعل ذلك بطلب من لبنان. وترك التعامل مع الكيانات تلك مشكولاً. وتعامل بعض المصارف بليونة مع هذا الواقع. بيد أن رسالة بيلينغسلي تركت كثيراً من "الغموض غير البنّاء" على هذا الجانب. فسّر المسؤولون اللبنانيون الذين اجتمعوا به مضمونه بأن الجانب الاميركي يفضل إدراج تلك الكيانات في لائحة الحظر.

حين سئل بيلينغسلي عن حسابات مصرفية محتملة لنواب حزب الله ووزرائه لم يجب بوضوح. لكنه رأى "من الأفضل قَفلها". نهج "الغموض غير البنّاء" هذا الذي اتبعته وزارة الخزانة منذ سنوات في التعامل مع ملف حزب الله يهدف الى أمرين اثنين. الأول عدم تجاوز قانون العقوبات على حزب الله HIFPA الذي أقرّه الكونغرس في 2017 ولم يلحظ بالاسم نواب الحزب ووزرائه في لائحة العقوبات المصرفية. خصوصاً وأنه لم يصدر بعد رسمياً. أما الثاني الأهم، فإبقاء الجانب اللبناني مصارف ومسؤولين في دائرة القلق الدائم في التعامل مع ملف العقوبات على الحزب. ينسحب ذلك على العقوبات الصريحة. وكي يبقى التشدد بها "ضيفاً ثقيلاً" غير مرغوب فيه على المصارف والسلطات الحكومية اللبنانية المعنية. في سياق النهج  نفسه تتصرف الخزانة الاميركية حيال ما تهمس به "همهمة". وفَهم الذين التقوا الوفد الاميركي إنه يقصد مصارف معينة "لا تلتزم مدونة سلوك" الخزانة من دون أن يسميها. ربما لأن الخزانة تعرف محاذير ذلك محلياً، أو لأن الدليل يعوزها. أو للأمرين معاً. وهنا أشار الوفد من دون تسمية أيضاً الى "ادارات وسيطة في فروع مصرفية خارج بيروت تخرق العقوبات ضد حزب الله".

وحين سئل بيلينغسلي في أحد لقاءته عما إذا كانت الخزانة الاميركية على وعدها بأن تبلغ السلطات اللبنانية المعنية بأي شبهة بمصرف محدد، وبقرارتها ذات الصلة قبل الاعلان عنها رسمياً فردّ إيجاباً. لكنه نبّه إلى أن "الخزانة كانت وراء قَفل مصارف ثلاثة في بلد حليف للولايات المتحدة" لم يحدده. بعدما رفضت تلك المصارف الامتثال لقواعد مكافحة تبييض الاموال واموال الارهاب. ويرجّح بحسب ما فهمنا أن تكون تلك المصارف في إحدى دول أوروبا الشرقية. الوعد المشار إليه أملته قرارات الخزانة الاميركية حين اتهمت المصرف اللبناني الكندي في 2011 بتبييض اموال لحزب الله. وكان أن توقف المصرف عن العمل واشترته مؤسسة مصرفية لبنانية. الخزانة لم تكن أيضاً بعيدة من عملية الشراء، وإيثار الجهة الشارية على غيرها من مصارف أخرى محلية تقدمت بعروضها. لكون المصرف الشاري بشراكة فرنسية ادارة وإسهاماً. وقد فوجئ مصرف لبنان في حينه بقرار الخزانة ضد المصرف اللبناني الكندي. أو هكذا بدا حداً أدنى. خصوصاً وأنه جاء بعد فترة قصيرة على زيارة مسؤولين من مصرف لبنان الى واشنطن وكانت لهم محادثات مع وزراة الخزانة. ولم يبلَغوا بأي شكوى ضد المصرف.

وفي كل الأحوال، لم يرتق الوعد إلى عهد. وبقي موارباً يكتنفه "الغموض البنّاء". ولنا أن نستنتج في هذا المجال، إن الخزانة الاميركية، وبصرف النظر عن رضاها عموماً عن الدور الرقابي الذي يقوم به مصرف لبنان، والهيئة الخاصة بمكافحة تبييض الاموال واموال الارهاب، ترتابها الشكوك حيال إبلاغها سلفاً قرارات تتناول مصارف لبنانية "خشية العبث بأرض الجريمة" المزعومة. ونفترض أن قرارات كهذه تعتبرها الادارة الاميركية تمس مصالحها القومية في الشرق الأوسط وفي نزاعها مع طهران. وهي ليست صناعة الخزانة وحسب، بل وأجهزة الأمن الاميركية المسكونة بالظّن والريبة. وكان ذلك في حقبة ادارة الرئيس السابق باراك أوباما. فكيف مع الادارة الحالية؟ ودونالد ترامب لا عهدٌ ولا وعدٌ.

المفاجأة الكبيرة كانت طلب بيلينغسلي قفل مصرفين أحدهما مصرف صادرات ايران، ومصرف لبناني- إقليمي SLCB سبق واتُهم بتوفير المال للنظام السوري. وقد واجه المصرف المعني نزاعات مع المحكمة الاوروبية العامة قبل سنوات. ويستبعد أن يتولى مصرف لبنان المهمة لو اقتنع بها، من دون قرار سياسي داعم. سلامة يدرس خطواته بعناية. إلى ذلك، "فمصرف صادرات ايران له فروع في بعض الدول الاوروبية نفسها. بينها باريس. فلماذا تحميل لبنان هذا العبء"؟ على ما سألت مصادر مصرفية عليمة.

ما طلبه بيلينغسلي مباشرة، والرسائل التي وجهها إلى المسؤولين السياسيين والمصرفيين، تزامنت في اليوم نفسه (22-1-2018) مع مقالة نشرت على موقع "العربية الانكليزية" وذكرت مصارف لبنانية أربعة تتعامل مع حزب الله. سئل بيلينغسلي عن الأمر. لم ينف ولم يؤيد. وبدا مرتاحاً لـ"الغموض غير البنّاء".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها