الأربعاء 2017/08/23

آخر تحديث: 02:22 (بيروت)

هكذا ستتحول ثروة البترول إلى الشركات

الأربعاء 2017/08/23
هكذا ستتحول ثروة البترول إلى الشركات
هل سيبادر أحد في المجلس النيابي إلى تحريك الملف في اتجاه آخر؟ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

مع حلول مشروع القانون الخاص بالضريبة على الأنشطة البتروليّة على جدول أعمال الهيئة العامّة للمجلس، أعد المركز اللبناني للطاقة والإبتكار في باريس دراسة بصيغة مذكّرة موجهّة إلى أعضاء المجلس النيّابي ورئيسه، بهدف شرح السياسات الخطرة التي يتمّ اتباعها في القطاع البترولي اللبناني.

والمركز وفق رئيسه نقولا سركيس، في حديث إلى "المدن"، "أسسته مجموعة من الخبراء والباحثين اللبنانيّين والفرنسيّين، ليكون أشبه بخليّة فكريّة مستقلّة تعمل على أفكار وتحليلات ودراسات علميّة في مجالات الطاقة والاقتصاد والتكنولوجيا".

وزارة الطاقة تناست السلطة التشريعيّة
تنطلق الدراسة في مقاربتها الموضوع من الزاوية القانونيّة، وتوضّح أنّ النص التشريعي الوحيد الذي وضعه المجلس النيابي حتّى الآن كان "قانون الموارد البترولية في المياه البحرية". وخلال "السنوات العشر الماضية، تناست وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول وجود سلطة تشريعية في البلاد. وبادرت، بالتعاون مع مستشارين أجانب مجهولي الهوية، إلى صياغة عشرات المراسيم التطبيقية".

وبينما كان يُفترض أن تكون هذه المراسيم مجرّد "مراسيم تطبيقيّة" للقانون، تضمّنت كل التفاصيل القانونية، المالية، الاقتصادية، الفنية، الإدارية والبيئية الخاصة بالأنشطة البترولية. والحجّة كانت أن القانون البترولي اقتصر على المبادئ ولم يوضح أياً من هذه التفاصيل.

الإنقلاب على مفهوم "تقاسم الإنتاج"
إنقلبت المراسيم على مفاهيم القانون الأساسي الذي أُقر في العام 2010. فبينما نصّ القانون على احتفاظ الدولة بحق القيام أو المشاركة في الأنشطة البتروليّة، أشارت المراسيم إلى أن الدولة "لن يكون لها مشاركة في دورة التراخيص الأولى".

هذا الإنقلاب على النص التشريعي عنى ببساطة التخلّي عن نموذج "تقاسم الإنتاج" الذي أشار إليه القانون، والذي يتماشى وفق دراسة المركز تماماً مع وضع لبنان، "شأنه في ذلك شأن كل الدول النامية التي تودّ التعاون مع شركات عالمية تملك الخبرات والرساميل اللازمة لاستثمار ثرواتها. لكن في إطار علاقة تعاقدية تضمن للدولة صون سيادتها الوطنية".

تتابع الدراسة شرحها مفهوم تقاسم الإنتاج الذي تمّ التخلّي عنه، والذي يكفل "حقوق ملكية البترول/ الغاز المكتشف، والمشاركة الفعلية في استثمار هذه الثروات، عبر شركة نفط وطنية، وبشكل يؤمن تدريب الكوادر الوطنية والرقابة الفعلية، من الداخل، على الأنشطة البترولية، علاوة على عمليات الشركات وحساباتها".

نظام تقاسم الأرباح
أمّا البديل الذي اعتمدته المراسيم فكان نموذج تقاسم الأرباح، الذي يشكل في الواقع عودة مقنّعة لنظام الامتيازات القديمة التي تم إسقاطها وتأميمها في المكسيك في العام 1938، ثم في إيران في العام 1951، "وبعدها في كل الدول العربية وغيرها من الدول النامية في مطلع السبعينيات من القرن الماضي".

ويعني نموذج "تقاسم الأرباح" انتقال حقوق ملكية "كل ما يكتشف من البترول والغاز من الدولة إلى الشركات العاملة، وحلول هذه الشركات محل شركة وطنية لا بدّ منها".

وتتابع الدراسة متحدّثةً عما أصبح معروفاً من إحلال مجموعة من الشركات التي تملك الخبرات المطلوبة مكان الشركة الوطنيّة في النموذج الجديد، بعضها شركات صوريّة تم تأسيسها على عجل "من نوع أبيكس غاز في هونغ كونغ وبتروليب في بيروت، وأخرى شركات مشبوهة وملاحقة قضائياً في عدد من البلدان".

هدر المال العام
تشير الدراسة إلى أنّ التجاوزات في هذا المجال لم تشمل تعطيل الدولة وإخراجها من القطاع فحسب، بل أدّت إلى تقلّص حصّة الدولة الكليّة من القطاع كما يدل على ذلك تحليل مختلف مكوّنات هذه الحصّة.

فالمراسيم حدّدت نسبة 4% كإتاوة للغاز فقط، وتراوح النسبة بين 5% و12% بالنسبة إلى النفط. في المقابل، تبلغ هذه النسبة 12.5% في إسرائيل ومعظم البلدان الأخرى، بينما تصل إلى غاية 18.75% في بعض مناطق خليج المكسيك.

وحددت المراسيم نسبة سقف استرداد النفقات عند 65%، بينما لا يتجاوز هذا السقف 50% كمعدّل عالمي. ولم يتم ذكر أي شكل من أشكال العلاوات المتعارف عليها والتي تدفعها الشركات عند توقيع الإتفاق، وبعد التأكّد من اكتشاف تجاري، ولدى بلوغ الإنتاج مستويات معيّنة.

أخيراً، تشير الدراسة إلى تحديد حصّة لا تقل عن 30% من الأرباح للدولة و20% كضريبة أرباح شركات، لكنّ المراسيم أضافت إلى عامل تحديد حصّة الدولة عنصر المزايدة بين الشركات، وهو عنصر غير مألوف في البلدان الأخرى.

ويشرح المركز مشكلة عنصر المزايدة بين الشركات الذي يفتح الباب أمام التفاهمات الجانبيّة والسمسرات الرشى. كما أن تطوّر عنصر المزايدة سيكون في يد الشركات العاملة، طالما أنّها تسيطر وحدها على كل الأنشطة البتروليّة والتدفّقات النقديّة.

حصّة الدولة الهزيلة
بعد تفصيل عناصر حصّة الدولة، تصل الدراسة إلى خلاصة مفادها أنّ حصّة الدولة ضمن إطار هذا النموذج ستبلغ 47%، وهي نسبة هزيلة مقارنةً بمعدّلات تراوح بين 65% و85% تحصل عليها الدول المنتجة في إطار مئات عقود تقاسم الإنتاج في أكثر من 70 دولة.

توقّع رئيس المركز في مقالات ومقابلات كثيرة هذا الواقع. لكنّنا اليوم وصلنا إلى النقطة التي أصبحت فيها كل عناصر السياسة البتروليّة للدولة جاهزة وحاضرة. فقانون الضريبة على هذه الأنشطة أصبح في مجلس النواب، والشركات المتأهّلة (وبينها الشركات الوهميّة) تستعد لدورة التراخيص في أيلول 2017.

فهل سيبادر أحد في المجلس النيابي أو السلطة إلى تحريك الملف في اتجاه آخر؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها