الأحد 2017/05/21

آخر تحديث: 23:37 (بيروت)

عون يحكُم أو سلامة

الأحد 2017/05/21
عون يحكُم أو سلامة
رئيس الجمهورية غير مقتنع بتكريس "قداسة سلامة طوباوياً" (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

لم يحسم رئيس الجمهورية ميشال عون موقفه بعد من تمديد ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من عدمه. أو هو اتخذ قراره ولم يعلنه بعد. فالوقت مازال متاحاً حتى نهاية تموز 2017 موعد نهاية الولاية. وفي مصرف لبنان كما ليس في غيره من المؤسسات أربعة نواب للحاكم من "قناصل الطوائف". قانون النقد والتسليف يحدد مهمات نواب الحاكم. ويوكل إليهم تسلسلاً مهمات الحاكم حال غيابه. ويوزع الحاكم عليهم الأعمال في الهيئات التي يشرف عليها ويرأس.

منذ عام وقبل انتخاب رئيس الجمهورية، بدأت الحملة المنظمة لتجديد الولاية. وكان شغل الأوركسترا هذه من محورين. العمل على خط دعم ترشح سلامة إلى رئاسة الجمهورية لم يعلنه بنفسه. ولا داعي لذلك في الأصل بموجب الدستور. والثاني استعجال تمديد ولاية سلامة في مصرف لبنان مرة خامسة توالياً منذ 1993. ولا يلغي القرار لو حصل حق سلامة في الترشح إلى رئاسة الجمهورية. منذ انتخاب رئيس الجمهورية في تشرين الأول 2016، ينام اللبنانيون ويصحون على تمديد مجلس الوزراء لسلامة ولاية سادسة. "أوليغارشيا" السلطة والمال. ومعها خبراء في الاقتصاد، معظمهم راسخ في الوساطة والقوميسيون، واستشارات الرشى والمنافع يدبون الصوت. "القضية جلَل ولا تحتمل الإرجاء". حتى إذا جاءت أخبار مشروع قانون الكونغرس الأميركي بتشديد العقوبات على حزب الله، راحت فرقة الترويج نفسها تتحدث عن سلامة منقذاً ومخلصاً. يذكرنا الأمر بزمن وصاية النظام السوري معكوساً. "نفعل ما يتفق عليه اللبنانيون"! ولا يدعون اللبنانيين يتفقون إلاّ على ما يلائم مصالح النظام. "أوليغارشيا" الـ4 في المئة حسمت أمر التجديد لسلامة من دون العودة إلى اللبنانيين. فهي "الممثل الشرعي الوحيد" للبنان وللبنانيين. تأكل عنهم. تدّخر. تودع وتستلف. تنتج رجال سياسة وزعماء طوائف أيضاً. ونواباً ووزراء وقضاةً. وقناصل مصرف لبنان. وتنتج القضاء والقَدر.

ملف التمديد لحاكم مصرف لبنان، أو تعيين بديل منه في يد رئيس الجمهورية. المرسوم في مجلس الوزراء. رئيس المجلس يضع بموجب الدستور جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء ويطلع عليه رئيس الجمهورية. لمجرد أن يبقى هذا الموضوع من دون بتّ خلافاً لما يرَوج في كل يوم، يعني أن رئيس الجمهورية لم يتخذ قراره بعد، وغير مقتنع بتكريس "قداسة سلامة طوباوياً" ثلاثين عاماً. لو صحّ ما تسّرب لكاتب السطور من معلومات مفادها، أن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري استعجل رئيس الجمهورية أكثر من مرة وضع الملف في جدول أعمال مجلس الوزراء ولم يفلح، يعني أن الرئيس لديه خيارات أخرى. علماً، أنه مخولٌ بموجب الدستور حق طرح مواضيع من خارج جدول الأعمال. لم يفعل أيضاً. تفسير ذلك احتمالاً، أن الرئيس الشغوف بمواجهته الضغوط في حياته العسكرية- السياسية كما قال أكثر من مرة، يتهيب على غير ما ألِف حجم الضغوط التي يواجهها لمصلحة سلامة. وقد امتدت إلى داخل مجلس الوزراء وتستمد دعماً غير محدود من مجلس النواب ورؤساء الكتل النيابية. ولسنا ندري إذا ما كان بينهم وزراء ونواب كتلة الاصلاح والتغيير نفسها. فـ"أطايب سلامة لها وقعُ السحر" ينشرها على الشهامى وذوي العفّة. وفيها زيادةٌ لكل مستزيد. لا يردُ طلباً عند الحاجة. ربما قَصده المتنبي في رائعته "ألا في سبيل المجد" حين قال: أعندي وقد مارستُ كلّ خفيةٍ  يُصدّقُ واشٍ أو يُخيّبُ سائلُ".

وزير المال علي حسن خليل، شريك حاكم مصرف لبنان بمنطوق قانون النقد والتسليف، يتشاور معه في سوق القطع شارياً العملات وبائعاً. وفي 80% من أرباح مصرف لبنان المحققة لوزارة المال. وفي شؤون كثيرة ذوات صلة بالدين وبإصدارات السندات، اقترح سلامة حاكماً من جديد. مارس صلاحياته. فخرج "رابحاً عالميلتين". لو اقتنع رئيس الجمهورية بسلامة، لأسهم الوزير في صناعة التمديد عقوداً ثلاثة في ألفيتين. الثانية والثالثة. لو رفض الرئيس الضغوط، لدرأ الوزير وما يمثله عنهما عبء السؤال والعتاب. وما أدرانا كم هي حصة الأخير بما يمثله سياسياً من سحر الحاكم، ومن كعكة أمبراطورية مصرف لبنان وشركاته التابعة ومؤسساته القابضة. "القابضة جداً". من يعلم، ربما يواجه الرئيس أزمة سياسية لو لم يمدد لسلامة. فـ"الهندسة المالية المصونة العفاف"، كانت تكلفتها في المرحلة الثالثة منها باعادة الاكتتاب في سندات الخزانة 15 مليار دولار أميركي وليس 5.5 مليارات فحسب. لا يمكن أن تعبر هذه الهندسة سوى بهندسة سياسية مقابلة. مضمونة حكومياً وخارج مساءلة مجلس النواب. بل ومدعومة في أمكنة أخرى أقلها التمديد للمهندس. وأبلسة كل رأي مخالف.

هل يخضع الرئيس لمطرقة اللوبي. الجواب كلاّ لو اتّبعنا مواقفه وما يعلن مما يعتقده نبراساً له في الحكم ومدونة سلوك وممارسة مسؤولية. فبحسب معلوماتنا تجاهل الضغوط التي مورست عليه لتعيين جوزف سركيس عضواً في لجنة الرقابة على المصارف. وفعل. في أول تصريح للرئيس عن مصرف لبنان قال: "لا يجوز الدفاع عن الليرة بالدين". أي بحفز المستثمرين لشراء الدين بالفوائد العالية. بينما يفترض حفزهم للاستثمار في الاقتصاد. وفي خلق فرص العمل. نحو مليار و300 مليون دولار أميركي فائضاً في ميزان المدفوعات في 2016 تمّ شراؤه بجزء من الهندسة المالية وبأضعاف الفائض. رئيس الجمهورية يعلم بالتأكيد لائحة المستفيدين من مصارف وسياسيين ومؤسسات تلوذ بهم. في أي اتجاه جاء قرار تعيين حاكم مصرف لبنان. لا يمكن أن نستمر في شراء الأوكسجين للنخبة المالية والسياسية بديون وفوائد لا يمكن أن يخرج منها لبنان في عقود مقبلة. نسينا النمو الحقيقي. والتنمية وفرص العمل والاستقرار المعيشي والاجتماعي. هذا النموذج يجب أن يتغير. وليس بالضرورة على حساب النقد وسعر الصرف. العملة نتاج الاقتصاد. وليس العكس.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها