الإثنين 2017/11/13

آخر تحديث: 00:20 (بيروت)

مليار دولار باع المركزي في أسبوع

الإثنين 2017/11/13
مليار دولار باع المركزي في أسبوع
أسباب استقالة الحريري ستبقى قائمة حتى لو لم يؤكدها (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

سنفترض أن رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري عاد اليوم من المملكة العربية السعودية. توجه فوراً من المطار إلى قصر بعبدا. وقدم استقالته خطياً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون. أسباب الاستقالة التي أعلنها بخياره أو مضغوطاً عليه، ستبقى قائمة حتى لو لم يؤكدها. لو أكدها يعني أننا في الموقع نفسه من الأزمة حين أعلن الاستقالة عبر التلفاز. يتغير المكان من الرياض إلى بيروت. لو قُبلت الاستقالة وطُلب إليه تصريف الأعمال في انتظار الاستشارات النيابية لتكليف البديل، ماذا ستكون نتيجة الاستشارات؟ الحريري لن يعود لو حصل اجماع عليه من دون مناقشة دوافع الاستقالة الشفهية والخطية. البدائل صعبة بـ"ميثاقية الطوائف" التي أصرّ عليها عون قبل انتخابه رئيساً. وما من عاقل يرغب في اجتراع هذه الكأس. وتصريف الأعمال في المعنى الضيق قد يمتد شهوراً. ماذا عن مصير الانتخابات النيابية المفترضة في أيار 2018؟ هل تصريف الأعمال في المعنى الضيق يخول حكومة مستقيلة الاشراف على الانتخابات؟

ننسى وسط هذا اللغط، أن حكومة لبنان أياً كان شكلها لم تعد معطىً محلياً. تورُط حزب الله في سوريا أخرج لبنان من كيانه المحلي إلى الاقليمي والدولي. استبيح دستوره وضعفت دولته. كان متروكاً على هامش التطورات في المنطقة طيلة سنوات سبع من الحرب في سوريا. يعاني نتائجها فحسب. نزوح إلى الداخل. عجز، ومديونية، وبطالة، وفقر، وضغوط على العملة نداويها بالتي كانت هي الداء.

"انتهت الحرب في سوريا والعراق" يقول الأمينال عام لحزب الله السيد حسن نصرالله. لماذا لا نعود إلى لبنان بعد انتهاء "الحرب المقدسة"، ونشرع في لملمة الدولة والاقتصاد والمجتمع؟ هل أن بداية مرحلة اقتسام المغانم السياسية في الاقليم يفرض أيضاً بقاء الحزب في سوريا؟ إذا كان الأمر كذلك كما يبدو، لحقّ لدول الاقليم العربي وفي مقدمها السعودية أن تعتبر "الحكومة اللبنانية معادية إياها". وأن تستخدم أسلحتها للضغط على لبنان اقتصادياً ومالياً ونقدياً. وحقّ أيضاً للدول الكبرى، الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، تأييدها الحريري رئيساً لحكومة لبنان وفقاً لدوافع الاستقالة التي أعلنها من خارج بلاده. ولم يكن على حق في ذلك مهما كانت الأسباب.

كتبنا في مقالة سابقة، أن مصرف لبنان قادر على احتواء الطلب على الدولار الاميركي والعملات الأجنبية واستيعاب الصدمة الأولى. نؤكد من جديد،أإن قدرة المصرف ليست مفتوحة على شراء الوقت. نخال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وضع رئيس الجمهورية في واقع الحال. وأبلغه أيضاً أن عدة الدفاع عن الليرة اللبنانية والإبقاء على تثبيت سعر الصرف، إنما يحصلان من احتياطه الحر. ولو طالت الأزمة وتوالت الصدمات سيبدأ في الدفاع عنها من توظيفات المصارف لديه. أي من ودائع اللبنانيين. وللعاقلين أن يفهموا معنى الأمر. سلامة لا يمكنه الجهر بذلك. "الرئيس القوي". يمكنه أكثر من ذلك. أن يضع النقاط على الحروف. "وأن قررنا إعمال الدستور ولا اعتبار غيره. وأنا رئيس الدولة أُعلن مرة واحدة وأخيرة، أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية وحدها، مدعومة من كل الشعب اللبناني، مخولة حفظ سيادة لبنان وأمنه واستقراره. وأن لبنان ملتزم سياسة خارجية بعيدة من المحاور. وملتزم التضامن العربي بموجب ميثاق جامعة الدول العربية. وبعيداّ من المحاور العربية. وسنشرع في وقت قريب في وضع رؤية اقتصادية اجتماعية شاملة، وخطة لمعالجة المالي والمديونية والنمو والبطالة والفقر. وليأتِ من يأتي على رأس الحكومة". غير ذلك غبارٌ خارج أرض المعركة الحقيقية. وللتعمية على واقع حالنا المأزوم الذي يحبل بالاحتمالات الكبيرة.

اضطر مصرف لبنان الأسبوع الماضي إلى التدخل في سوق القطع بائعاً نحو مليار دولار اميركي لتلبية الطلب عليه. الفائدة بين المصارف "إنتر بنك" التي تعتبر مؤشراً لتحرك الطلب على الدولار الاميركي والعملات بلغت الجمعة الماضي 70%. مستوى لم تبلغه هذه الفائدة منذ زمن طويل. لو لم يتم امتصاص الفائض الكبير من السيولة بالليرة اللبنانية التي نجمت عن الهنسة المالية من خلال سندات الخزانة وشهادات الايداع في مصرف لبنان، لَجاء الطلب على العملات كبيراً وجائراً. ولَتنكّب مصرف لبنان تكلفة كبيرة من موجوداته.

في الأسبوع الجاري هناك جولة جديدة من الضغط. استحقاقات سندات الخزانة الأسبوعية. ستسارع وزارة المال ومصرف لبنان إلى تجديدها ولو بفوائد أعلى بحسب مقتضيات السوق، كي لا يتحول العاطل من العمل منها إلى الطلب على العملات الأجنبية. وقف أي نفقات ينجم عنها عجز جديد، مسألة بالغة الأهمية في هذه الظروف. فشراء العملات الأجنبية يحتاج إلى عملات في المقابل. العجز المالي مصدر الداء للنمو والعملة والاستثمار. والعجز يولد عملة إرهاب للنقد لا بد من تجفيفها هي الأخرى!

لكن مهلاً. لدرء المخاطر عن النقد والليرة على أهميته، يؤجج الحلقة المفرغة. وكنا اعتقدنا بعد إقرار موازنة 2017، وتحضير مشروع موازنة 2018 معدلاً، إننا بدأنا نقترب من الحلقة الفاضلة. أي فائض في حساب الموازنة الأولي، واستبقاء الممكن للاستثمار. وتأمين التمويل من سندات الخزانة بما يتلاءم مع الحاجة. من دون تركيب ديون وفوائد لا وظيفة لها، وتكبير محفظة مصرف لبنان من التوطيفات المثقلة بأعباء. تجفيف الليرة بأي ثمن، لدعم سياسة تثبيتها، وتلبية الطلب على العملات الأجنبية يضرب كل تلك المعادلة. وفوق ذلك، يحد من قدرة القطاع الخاص للحصول على التسليفات بفوائد ملائمة. إذ تفيد الاحصاءات المصرفية بتراجع التسليفات للقطاع الخاص في الربع الثالث حتى أيلول 2017. فيكون تتويج الحلقة المفرغة بالاضافة إلى الضغوط على الليرة واستنزاف موجودات مصرف لبنان، بارتفاع الفوائد على القطاعين العام والخاص. وزيادة المديونية. والتضييق على الاستثمارات لاستيلاد فرص عمل. وقت بدأت فيه "ثمار الهندسة المالية" تتراجع. فميزان المدفوعات سجل عجزاً حتى أيلول 2017 بواقع 190 مليون دولار اميركي. ولنا ألاّ نعول كثيراً على تحويلات موسمية راجحة في ما تبّقى من تشرين الثاني وكانون الأول المقبلين على جاري العادة. فالنفوس كظيمةٌ في وضيمة أعياد رأس السنة والميلاد. هذا ما يجب أن يعلمه أصحاب الرؤوس الساخنة. وإذ يعلمون، عليهم التفقه بنتائجه على البلاد والعباد. وأن يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية أولاً وأخيراً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها