الإثنين 2017/10/09

آخر تحديث: 00:03 (بيروت)

رقصة السعادين على الدستور

الإثنين 2017/10/09
رقصة السعادين على الدستور
الموازنة هي الفيصل (المدن)
increase حجم الخط decrease

مجلس النواب سيعود من جديد إلى ابتكار مخارج لقانون الضرائب وقانون سلسلة الرتب والرواتب واقرار مشروع قانون موازنة 2017 من دون قطع حساب. ويفترض أصلاً، أن يكون مشروع قانون موازنة 2018 في مجلس النواب في تشرين الأول الجاري بعد مناقشته في لجنة المال والموازنة. فالمادة 83 من الدستور تلحظ أن "كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة إلى مجلس النواب موازنة شاملة عن نفقات الدولة ودخلها عن السنة المقبلة. ويقترع على الموازنة بنداً بنداً". ومشروع قانون موازنة 2017 أحيل إلى لجنة المال والموازنة بتأخير سبع شهور.

فصل آخر من المشهد يعبر عن توقف إعمال الدستور والقوانين والمؤسسات. النظام السياسي المهتلك، والمتنابذ من داخل لا يريد الاعتراف بواقع الحال. يهرب إلى تسويات سياسية على أبواب انتخابات نيابية يختلط فيها الحابل بالنابل. فتبقى القضايا الأساسية معلقة على حبل المجهول. ويختصر المشهد كثيراً من السخرية والبلية في وقت واحد.

قانون سلسلة الرتب والرواتب أقر ونشر في الجريدة الرسمية. ودفعت رواتب أيلول الماضي على أساسه. كل النواب والوزراء قالوا بأحقيته لأصحابه. وبالفصل بينه وبين قانون الضرائب الذي أبطله المجلس الدستوري برمته. ترتب على قانون السلسلة إعادة تقييم دخول نحو 370 ألفاً من اللبنانيين المستفيدين من السلسلة بموجب القانون. 120 ألفاً في الأسلاك العسكرية والأمنية. 115 ألفاً في المؤسسات العامة والبلديات والمصالح المستقلة. 70 ألفاً من المتقاعدين. 40 ألفاً في قطاع التعليم العام والخاص و25 ألف موظف في الوزارات والادارات العامة. باحتساب من هم على عاتق هؤلاء من أُسر، لناهز عدد المستفيدين من قانون سلسلة الرتب والرواتب نحو مليون و300 ألف مواطن حداً أدنى. أي نحو 32% من اللبنانيين. وبني أيضاً على اعادة تقييم دخول هؤلاء، سداد التزامات مالية، والتزامات جديدة وأعباء وذمم.

فجأة، اكتشف رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، أن السلسلة المحقة لأصحابها التي لا يمكن الرجوع عنها، ومفاعيلها مستحيلة السداد من دون تأمين الموارد المالية"! والموضوع أشبع درساً وجدلاً قبل إقرار قانون السلسلة. إنما في المكان الخطأ. والمكان الصحّ في وقف الإهدار والرشى في الادارة العامة. وفي استرداد حقوق الدولة والمواطن المغتصبة. وفي إعمال الدستور وسلطة القانون. نتحدث في المحظور هنا. هذه منطقة ممنوع مقاربتها في نظام الزبائنية السياسية. فكان الهروب إلى قانون الضرائب. وقعت الواقعة. ذاب الثلج وبان المرج. المجلس الدستوري رد قانون الضرائب لأسباب باتت معروفة. أهمها تعارضه مع مبدأ شيوع الإيرادات وعدم تخصيصها لنفقة معينة. وتخصيص الضرائب جاءت في القانون لتمويل سلسلة الرتب والرواتب.

يعيدنا الأمر إلى قانون رسم التعمير الذي خُصص استثاءً لاعادة اعمار ما هدمه الزلزال الشهير الذي ضرب مناطق لبنانية في العام 1956. والرسم المماثل لتعويض المتضررين من فيضان نهر أبو علي 1955. الحكومة ومجلس النواب تعاملا مع قانون السلسلة تجاوزاً على الدستور، وكأنه لتمويل كارثة من صنع الطبيعة. بينما الكارثة هي وضعية من صنع أيدينا. ومن جديد، لا يحتاج تمويل السلسلة إلى موارد استثنائية لو قررنا دخول المنطقة المحظورة لوقف الفساد واستعادة حقوق الدولة. مشروع قانون تعليق مفاعيل قانون السلسلة شهراً واحداً، هو لتفادي الدخول إلى هذه المنطقة. ولإمرار قانون الضرائب معدلاً والعمل بملاحظات المجلس الدستوري في خصّ الازدواج الضريبي وموقفه من الغرامات على مخالفات الاملاك البحرية. وقانون موازنة 2017.

الموازنة هي الفيصل أولاً وأخيراً. مشروع القانون المحال إلى جلسة مجلس النواب يقضي بتعليق قطع الحساب لإمرار موازنة 2017 خلافاً لما تقتضيه المادة 87 من الدستور. ماذا لو رفض المجلس الدستوري القانون من جديد أذا أقره المجلس؟ هل يحتاج تحرك المجلس الى طلب طعن آخر من نواب عشرة للنظر في دستوريته، أو يتحرك من تلقائه باعتباره يستكمل قراراً سابقاً يبطل قانون الموازنة من دون قطع حساب؟ وهل يقتنع المجلس الدستوري بصوابية التزامه والحكومة بإعداد قطوع حسابات السنوات السابقة في غضون سنة؟ نحسب في منطق الأمور أن القاعدة التي استند إليها قرار المجلس الدستوري السابق مازالت قائمة لو أقر مجلس النواب مشروع القانون الجديد. وأن المعطيات لم تتغير كي يُعرض النواب الذين تقدموا بالطعن ضد القانون السابق عن الطعن بالقانون المعدل مرة ثانية. ما هو مصير السلسلة ومشروعي قانوني موازنة 2017 و2018 لو حصل الطعن بالفعل؟

نحن في المشهد نفسه الذي تتعطل فيه آليات النظام السياسي عن العمل. وتحاول هيئة قضائية عبثاً كالمجلس الدستوري إعمال الدستور والنظام. والمجلس هو الآخر انتهت ولايته. ويعينه مجلسا الوزراء والنواب.

"الحل الموقت" الذي يُعمل عليه، مثل كل الحلول المشوبة بالعيوب لتفادي فوضى عارمة مالية واجتماعية. وهو بإقرار مجلس النواب مشاريع القوانين الثلاثة معدلة بصفقة سياسية لا علاقة لها بالدستور والقوانين. ومن دون طعن المجلس الدستوري أو نواب يتقدمون بطلب الطعن. كل السنوات بلا موازنة وبلا قطوع حسابات وإنفاق على القاعدة الإثنتي عشرية، كانت بقرارات من الحكومات السابقة ومجالس النواب السابقين معارضين وموالين. القاعدة لم تتغير. خصوم الأمس حلفاء اليوم. إنها رقصة السعادين على حبل الإفك والرياء، قبل أن تبدأ حملات التجييش للانتخابات النيابية. من حسن حظ منظومة السلطة، اعتقادها إنها مازالت قادرة رغم فجورها وانقسامها على نفسها، على ترويج شعاراتها وأراجيفها. ومن سوء حظها أنها بلغت مرحلة المساومة على الدستور. والدستور لا يحتمل رقص السعادين. في الأنظمة الفاشلة نعم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها