الإثنين 2017/10/23

آخر تحديث: 00:04 (بيروت)

وزير الإقتصاد إذ يستحضر شهاب

الإثنين 2017/10/23
وزير الإقتصاد إذ يستحضر شهاب
لم يتيسر للرئيس شهاب وضع خطته للتنمية موضع التنفيذ (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

قال وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري إن مجلس الوزراء أطلق في جلسة الجمعة 21 تشرين الأول، "خطة اقتصادية مرة أولى منذ أيام الرئيس فؤاد شهاب. قال أيضاً إن الحكومة قررت الاستثمار في البنى التحتية بنحو 14 مليار دولار اميركي". فجأة، خطة اقتصادية وغير مسبوقة منذ الرئيس شهاب. وما على اللبنانيين إلاّ اليقين. "إذا قالت حذام فصدقوها أن القول ما قالت حذام"!

المواطنون تواقون لخطة اقتصادية واجتماعية وتنموية. تسبقها رؤية في الضرورة. ويعقبها برنامج تنفيذ. الدول المعافاة يستغرقها وقت لتبني الرؤية والخطة. كلتاهما تستدعي نقاشاً واسعاً وحشد الموارد البشرية والمالية والطاقات. والقرارات الكبيرة المدعومة شعبياً وسياسياً. متى حصل ذلك في الدولة المرتعشة؟ وكيف؟ لا نتوجه إلى الوزير في المباشر، ولا الى "حكومة استعادة الثقة". قال الوزير ما قاله. الرؤية والخطة الاقتصاديتان التنمويتان شأن بالغ الأهمية مطلوب بإلحاح من اللبنانيين.

نلفت الوزير المحسوب على العهد، الوارد إلى السياسة بلا خبرة من عالم المال، إلى أنه حسناً فعل إذ تناول الرئيس الراحل فؤاد شهاب. ولو من قبيل المكابرة والاعتداد بالنفس. لترطيب ذاكرة الوزير، فالرئيس الراحل يُستحضر في حديث الاصلاح والتنمية في دولة لبنان.

لم يتيسر للرئيس شهاب وضع خطته للتنمية الاقتصادية والاجتماعية موضع التنفيذ. لكنه رسم رؤية عميقة لأسس التنمية مبنية على التوازن الاجتماعي والاقتصادي، متحيزاً للفئات الأكثر فقراً وعوزاً، وللمناطق الأكثر تخلفاً. تيسر له ذلك بالاستعانة ببعثة إرفد الشهيرة التي مكثت في لبنان مدة طويلة تم خلالها الغوص بتركيبة المجتمع اللبناني الطائفية والطبقية والسياسية. جالت البعثة على المناطق اللبنانية النائية. ووقفت على الاختناقات التي تحول بينها وبين التنمية. وناقشت رؤيتها في مجلس النواب ومع القوى السياسية في البلاد. وحين تفرغ الرئيس شهاب إلى وضع أسس بناء الدولة أولاً، والادارة اللبنانية والمؤسسات الدستورية لتنفيذ رؤيته الاقتصادية، كانت فترة ولايته قد انتهت في 1962. رفض تعديل الدستور لانتخابه من جديد. رغم شبه الاجماع عليه نيابياً وشعبياً. جاء برجال نزهاء على رأس المؤسسات. لم يكن له بلاط وأنسباء وأزلام. انتهت ولايته فقبع زاهداً في منزله المتواضع في جونيه. لم تشُب مسيرته السياسية القصيرة شائبة. ولم يُكتب لخطته التنموية أن ترى النور من بعده. جاء كبيراً وكبيراً رحل. حسبُه إنه ترك دولة مؤسسات، ودستور وادارة كفية، لا تستقيم تنمية من دونها ولا يبقى وطن. في أي مؤسسات ودستور ووطن نحن؟ وأي خطة وإنماء قادرون عليهما؟

بحسب المؤسسات الدولية ذات الصلة، حصة الموارد البشرية مازالت أكثر من 60% من أركان التنمية الاقتصادية والاجتماعية. القيم الإنسانية والاجتماعية هي بُعد التنمية الحقيقية. نقتبس ذلك من تقارير التنمية ومن تجارب دول عدة سبقتنا في معارج الرقي والحضارة نتيجة تخلفنا عنها. نحن نغتبط لتصدير مواردنا البشرية إلى الخارج. ونعتدّ بتحويلات اللبنانيين منها. لكننا لا نحتسب تكلفة الاستثمارات التي وُظفت في التعليم. ولا دور الأدمغة المهاجرة في عملية بناء الوطن والتنمية والثقافة. وفي بناء الاقتصاد الحقيقي والانتاج وتوفير فرص العمل. تهميش الكفايات والخبرات العلمية وفئات الشباب في النظام الطائفي، وبيئة الفساد السياسي الطاغية، عامل إضافي يحفز على الهجرة إلى جانب الراتب وتحسين الظروف الاجتماعية، ومجالات الترّقي والفضول العلمي. هجرة الكفايات الوصفة الفضلى لاستدامة سَقط المتاع والانحطاط السياسي والأخلاقي القابع على صدور اللبنانيين. أي رؤية وخطة وتنمية نريد في بلد لا يعرف حدوده؟ تعداد مواطنيه والمقيمين على أرضه. كم نستهلك من الخبز اليوم وكم سنستهلك غداً. كم يلزمنا اليوم من الكهرباء والمياه وكم سيلزمنا غداً. كم سيارة وآلية تستنفد طرقاتنا برخصة ومن دونها. كم هو عجزنا وديننا وتكلفة قيامنا من جديد؟ حتى قاعدة البيانات غير موفورة.

من الأخير. العين الآن على قانون شراكة القطاعين العام والخاص الموجود في مجلس النواب. المال عند القطاع الخاص. الخزانة ما عندها ولا الموازنة. الـ14 مليار دولار اميركي التي تحدث عنها وزير الاقتصاد والتجارة للاستثمار لا مصدر لها سوى المستثمر اللبناني أولاً. بعده يأتي المستثمر الأجنبي. كل قطاعات الخِدمات وفي مقدمها الكهرباء قابلة للشراكة. أهو استخصاص؟ نعم فليكن. نحن نشتري الآن الكهرباء من القطاع الخاص وبلطجية المولدات. ومن قال إن القطاع العام منذ عقود هو للعام؟ كل المؤسسات المدِرة مالاً ووظائف وخِدمات في قبضة زعماء الطوائف وهوامير الزبائنية. النافذون من الساسة وزعماء الطوائف موجودون أصلاً في القطاع الخاص. بملكية مباشرة أو شريك حماية وقوميسيونجي. سيخبروننا غداً لو أُقر مشروع قانون الشراكة إن ثورة الاصلاح قد أزفت. وأن ذلك جزءٌ من خطة تنمية اقتصادية واجتماعية. وعلينا أن ننتظر لو مرّ قانون الشراكة، معارك ضارية بين سدنة النظام. ظاهرها سياسي وباطنها على مأدبة الاستخصاص الشهية. ربما استدعى الفجور أيضاً "شمّاعة العدو الصهيوني والمؤامرة على المنطقة".

ما نخشاه من قانون شراكة القطاعين العام والخاص، انتقال النفوذ السياسي إلى ادارات الشركات الوليدة. وسيكون معظمها في قطاعات حيوية ضرورية ومربحة. في أي شكل من الأشكال جاءت الشراكة، سيكون عليها شروط غير توفير الخدمة. أهمها تكنولوجيا جديدة وجودة المنتج وادارة كفية وزيادة ترظيفاتها وتطويرها واجتذاب كفايات من سوق العمل. ناهيك عن قاعدة التسعير للمستهلك. ومعظم القطاعات المعروضة للشراكة هي شبه احتكار للدولة.

خطط الاصلاح والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تأتي تسللاً من الأبواب الخلفية. هي عمل شاق ودرب طويلة ومسار مستمر. أدنى شروطها مؤسسات دستورية ونزيهة وحازمة. وحكم قانون. خيارات الاصلاح والتنمية في الدرجة الثانية. غير ذلك سقطة جديدة قبل أن نستطب مما نحن فيه. هذا أهم ما تركه الرئيس فؤاد شهاب ليقتبس. بقي من يقتبس!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها