الإثنين 2017/10/16

آخر تحديث: 07:48 (بيروت)

العقوبات إخلالٌ بتوازن الرعب

الإثنين 2017/10/16
العقوبات إخلالٌ بتوازن الرعب
لم يتمكن ترامب من إقناع الكونغرس بالخروج من الاتفاق النووي مع ايران (Getty)
increase حجم الخط decrease

لم يتمكن الرئيس الاميركي دونالد ترامب من إقناع الكونغرس بالخروج من الاتفاق النووي مع ايران، المحصّن بقرار مجلس الأمن الدولي وكبريات الدول الصناعية. ترك الباب مفتوحاً لجولة أخرى في الكونغرس بعد 60 يوماً لمراجعة الاتفاق، الذي ينص على مراجعات تكراراً في مدى 25 عاماً بعد توقيعه في تموز 2015. هذا ما قصده وزير الخارجية الاميركي السابق جون كيري حين انتقد ترامب بقسوة قائلاً: "إذا كنت تريد حربك فما زال أمامنا عشرون عاماً".

الاتحاد الاوروبي عارض موقف ترامب صراحة. كان لافتاً أن تيريزا ماي رئيسة حكومة المملكة المتحدة الحليف الاوروبي الأوثق للولايات المتحدة، كانت طرفاً في البيان المشترك مع المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، الذي حضّ ترامب على التزام الاتفاق النووي.

لم يطلب ترامب إلى الكونغرس اعتبار الحرس الثوري وفيلق القدس التابع له منظمتين ارهابيتين. هذا ما يعمل عليه منذ انتخابه قبل سنة. خطوة كهذه تلحق أضراراً هائلة بالاقتصاد الايراني توازي آثار إلغاء الاتفاق النووي اقتصادياً. فالحرس الثوري يمتلك صلاحيات الاشراف على كل المرافق الاقتصادية والمؤسسات الصناعية والمالية التي تشكل مفاتيح اقتصاد ايران. ويمسك بتلابيب الاقتصاد الايراني نفطاً وغازاً وموارد طبيعية. وهو مدعوم بلا حدود من المرشد الأعلى علي خامنئي. إلى ذلك، فالحرس الثوري وفيلق القدس على علاقات وثقى بوزارة الدفاع والقرارات الأمنية والعسكرية وبالصناعات العسكرية. وفي مقدمها الصواريخ الباليستية التي تختبرها طهران بين الفترة والأخرى وتعتد بها. الصواريخ الباليستية غير مشمولة صراحة في الاتفاق النووي. ولا نصّ في الاتفاق النووي على دور ايران الاقليمي وعلاقتها بتنظيمات مسلحة في المنطقة تتماهى مع الحرس الثوري يعتبرها الأخير جناحاً خارجياً له ويمده بالدعم عسكرياً ومالياً وسياسياً.

ترامب وجد ضالته في الحرس الثوري. وعلى هذه الخلفية جاءت العقوبات الاقتصادية الجديدة من وزارة الخزانة الجمعة الماضي على شركات ايرانية حيوية ثلاث يديرها الحرس الثوري. وقد أيقن ترامب صعوبة الخروج من الاتفاق النووي وحجم المعارضة لرغبته. وزير الخزانة ستيف منوتشين عزا العقوبات إلى "دور الحرس الثوري المركزي لجعل إيران أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم. وفيلق القدس داعمٌ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولحزب الله، ولحماس ولمجموعات إرهابية أخرى". ولوحظ أن العقوبات استهدفت مرة أولى شركة رابعة مقرها الصين تتعامل مع الحرس الثوري. فيكون ترامب قد أدرك بعقوبات التجزئة ما يريد إدراكه بعقوبات أشمل. وترك الباب مفتوحاً تبعاً للظروف لمثل تلك العقوبات في المستقبل.

نهج الادارة الاميركية في العقوبات وآليات يفرض ارادة دولية على أصدقائها وخصومها. "نحن لا نلزمكم باقتفاء أثر العقوبات. قراراتنا داخلية. لكن كل من يخرق العقوبات دولاً ومؤسسات وأفراداً وكيانات، لا مجال له للتعامل مع الولايات المتحدة ودولتها ومؤسساتها. وخصوصاً، مع القطاعين المصرفي والمالي". العقوبات الاقتصادية على خلفية الملف النووي التي وضع الاتفاق حداً لها وبقيت في المجال المصرفي، كانت تكلفتها ثقيلة على ايران واقتصادها ووضعها المالي. لم يتمكن طرف دولي واحد من التنكر للعقوبات قبل الاتفاق النووي وعدم التزامها. حتى روسيا والصين. في صرف النظر عن شبك موسكو وبكين علاقات مواربة مع طهران لتسهيل تجارة ايران البينية مع كل منهما من خلال اعتماد الروبل واليوان عملتين بديلتين من الدولار الاميركي. الآن تقف الوكالة الدولية للطاقة النووية نفسها التي أوكل إليها الاتفاق النووي مراقبة دورية ومفاجئة للمفاعلات النووية الايرانية لتقول، أن طهران التزمت تماماً شروط الاتفاق ومن خلال أشد وسائل المراقبة التي فرضتها الوكالة عليها.

عودة ايران بموجب الاتفاق النووي إلى نظام التحويلات المالية والمصرفية الدولي (سويفت)، قناةً وحيدةً للتحويلات بعدما أُقصيت عنه، كان أراح طهران لالتقاط أنفاسها رغم الحظر المالي والمصرفي وعلى التعامل بالدولار الاميركي. لكن نظام سويفت نفسه سيسهل مهمة وزارة الخزانة الاميركية وأجهزة استخباراتها المالية والأمنية في رقابة العقوبات المالية على طهران، أكثر مما سيشكل نافذة للأخيرة لتبادل التحويلات المالية الدولية بطمأنينة. هذا بافتراض أن سويفت ستستبقي لطهران مكاناً فيها لو فرضت العقوبات على الحرس الثوري. بتصنيفه إرهابياً أم لا.

لقد فرض التطور الهائل الذي عرفته الصناعات العسكرية في العالم منذ القرن الماضي، وتعدد الجهات الدولية التي تمتلك القنابل الذرية والهيدروجينية ما سمي توازن الرعب. خصوصاً زمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وبين الاتحاد السوفياتي السابق. بات من الحمق في عصرنا الحاضر مجرد التفكير في استخدام السلاح النووي وسيلة حرب لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. تعاظم قوة الولايات المتحدة اقتصادياً، ومالياً وتكنولوجياً، وتوسلها العقوبات الاقتصادية سلاحاً شديد القسوة والتأثير، عاد ليخل بالتوازن الدولي بأساليب غير عسكرية. وفي أحايين كثيرة تستخدم الولايات المتحدة سلاح العقوبات الاقتصادية لدرء مخاطر عسكرية وأمنية وسياسية، ترى فيها خطراً على مصالحها الاستراتيجية. الولايات المتحدة وحدها تمتلك هذا السلاح الاقتصادي من دون غيرها. السلاح النووي لم يعد وسيلة رعب إلاّ عند مجنون كوريا الجنوبية وريث كيم إيل سونغ. يستفزه رئيس الدولة الأقوى في العالم، وهو الآخر على حُمق كبير، ويقبض بموجب الدستور الاميركي على حقيبة نووية بمفاعيل مدمرة. وفي المقابل، مازالت ايران تصر على اعتبار الميدان العسكري ومشاريع التوسع في المنطقة مصادر القوة الوحيدة. ولا تتردد في اعلان تمدد هيمنتها على أكثر من دولة اقليمية. وليس بين هذه الدول من يرغب في علاقات عدائية معها. بل العكس صحيح. وربما مطلوب أيضاً لمصلحة ايران والدول المعنية ولشعوب المنطقة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها