الأربعاء 2016/08/10

آخر تحديث: 06:57 (بيروت)

أولمبياد البرازيل: الأمل أقوى من الإحتباس الإقتصادي

الأربعاء 2016/08/10
أولمبياد البرازيل: الأمل أقوى من الإحتباس الإقتصادي
شهدت البرازيل في النصف الأول من 2016 تراجعاً غير مسبوق في الناتج المحلي الإجمالي (Getty)
increase حجم الخط decrease
"إنه عادي. إحتفال معاصرٌ لكنّه عادي. ليس بضخامة حفل بكين. ليس بحجم المؤثّرات في حفل أثينا، وليس بتطوّر حفل لندن التكنولوجيّ. البرازيل ليست بلداً ضخماً. وهذا ما يقوله الاحتفال على لسان البرازيليين: نحن ما نحن عليه مع كثير من المشاكل الاجتماعية وكثير من الأزمات السياسية. وما شهدناه يشبه الوضع. لكنّ الحفل هو حفل للمستقبل. حفل للاستدامة. لن نقول: العالم سينتهي بسبب الاحتباس الحراري ثم ننهار. رسالتنا هي رسالة أمل. البرازيل تمتلك أكبر حديقة في العالم، وأنا أتحدث عن غابات الأمازون طبعاً. فما علينا سوى حمايتها وحماية أنفسنا. هذه حاجة. هذه أولويّتنا". هذا ما قاله الإيطالي ماركو باليتش، المنتج المنفذ لحفل افتتاح أولمبياد ريو، في 5 آب الحالي، في ستاد ماراكانا في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.

باليتش الذي يلقب بـ"مهندس العواطف والاحتفالات الكبرى"، الذي سبق له أن نفّذ افتتاحية الألعاب الأولمبية الشتوية التي جرت قبل عامين في مدينة سوشي الروسية وافتتاحية الدورة الأولمبية السابقة في لندن وغيرهما، وصف افتتاح الدورة الحالية بـ"الإقتصادية والمنطقيّة". فـ"4000 متطوّع ساهموا في انجاز حفل الاحتفال وحملوا رسائل عن السلام إلى العالم بأسره. رسائل تعكس روح الأولمبياد الأصليّة. هذه دعوة للعودة إلى الإنسانية. عودة إلى الناس. هذه البرازيل.. ببساطة".

لكن هذه الدورة، التي يشارك فيها 10500 رياضي وتستمر فاعلياتها حتى الحادي والعشرين من آب، تجري في ظلّ أوضاع إقتصاديّة مترديّة تعيشها البرازيل، تعدّ الأصعب منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وفي ظلّ انقسام شعبيّ ورسميّ حولها، بين مؤيد لها بحجّة انعاشها السياحة، وبالتالي جدواها الإقتصادية المفترضة، ومعارض بحجّة الأولويّات الاجتماعيّة والصحيّة والسياسيّة، خصوصاً مع انتشار فايروس زيكا وأزمة الانتخابات الرئاسية.


العام 2009
عندما فازت ريو دي جانيرو، في العام 2009، باستضافة دورة الألعاب الأولمبية 2016، كانت البرازيل تفاخر بمعدلات نموّ مرتفعة وصلت إلى 10.5 في المئة، وطلب مهول على معادنها ونفطها ومنتجاتها الزراعية، في حين كانت البلدان الصناعية والإقتصادات الكبيرة تعاني من تداعيات أزمة 2008 المالية. ورغم إدراك الإقتصاديين البرازيليين أن النموّ السريع للإقتصاد البرازيلي، الذي يشبه في بنيته إلى حدّ كبير النموّ الصيني في إحدى مراحله، غير قابل للاستمرار على نحو تصاعدي أو حتى مماثل، فإن الدراسات لم تتوقع احتمال بلوغ النمو لنسب تقلّ عن 5 في المئة أو 4 في المئة، كرقم تشاؤمي متدنٍ. لكن اليوم، تبدو الأرقام بعيدة من آمال البرازيليين وتوقعات الخبراء.

في منتصف العام 2013، ظهرت عوارض الأزمة الأولى مع التباطؤ الكبير الذي شهده الإقتصاد الصيني. ما أدّى إلى تضرّر الإقتصاد البرازيلي بعد تراجع طلب الصين، المستورد الأساسي للنفط ومواد الخام من البرازيل.

والعوارض الأولى التي ظهرت على شكل تراجع في النمو في العام 2014، تحولّت في بداية العام 2015 إلى تضخّم وصل إلى 9 في المئة وظهور نسب بطالة حادة بعدما فقدت 7 ملايين وظيفة خلال سنتين. وترافق ذلك مع أزمة مالية واضرابات عمالية، أسّسا لتعطل سياسي كبير. ومع بلوغ منتصف العام 2016، بدا أن الوضع لايزال قاتماً بحسب المحللين والمشتغلين في الأبحاث الإقتصادية. فالنصف الأول من 2016 شهد تراجعاً غير مسبوق في الناتج المحلي الإجمالي، بلغ 5.4 في المئة، مقارنة بالعام الماضي، مع تخمينات بتراجع قد يصل إلى 3.5% في النصف الثاني من 2016، رغم القضاء المفاجئ على فايروس زيكا، بعد تسجيل 1.5 مليون برازيلي إصابة حتى حزيران 2016، والطفرة الاستثمارية التي سببتها الألعاب الأولمبية.

ما بعد الأولمبياد
عادة ما تعوّل الدول المستضيفة لفاعليات ضخمة كالدورة الأولمبية على الطفرة المفترضة في النشاط الإقتصادي والناجمة عن الانفاق العام الضخم على بناء الملاعب الرياضية والطرق وغيرهما من البنى التحتية. لكن في الحالة البرازيلية يبدو 1.5 مليار دولار، التي أنفقت على كأس العالم والألعاب الأولمبية، مبلغاً ضخماً جداً نسبة لأي أرباح متوقعة. وهذا تحديداً ما صرّح به ألبرتو راموس، أحد كبار الإقتصاديين في "غولدمان ساكس"، وفق ما أوردته مجلة "ذي غلوب أند مايل" الكندية. وكذا كان تقييم مراقبي الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميست" وفق المجلة نفسها.

لكن راموس أشار إلى أن ما يمكن التعويل عليه هو عنصر الثقة الذي يمكن للأسواق المالية والاستهلاكية اكتسابه نتيجة الاستثمارات الضخمة والانتعاش المرحلي للسياحة والخدمات البرازيلية، الذي قد يكون سبباً لعودة عجلة الاستثمار في فترة ما بعد انتهاء الألعاب الأولمبية.

وفي انتظار ظهور الأرقام الدقيقة والدراسات اللاحقة التي ستجرى مع انتهاء العام الحالي، رغم انقسام المشتغلين في الإقتصاد والأسواق المالية بين مرجح لعودة النمو مع حلول العام 2018 وآخرين يستبعدون أي نموّ برازيليّ بعيداً من ارتفاع أسعار المواد الخام في البورصات العالمية، وإن تحركت عجلة السياحة والتجارة والتصنيع، فإن الايجابيات المؤكدة والحتمية لاستضافة البرازيل الألعاب الأولمبية تأخذ شكل استثمارات في البنى التحتيّة وتطوّر اجتماعيّ- إقتصاديّ لمواطنيها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها