الأربعاء 2016/04/06

آخر تحديث: 12:09 (بيروت)

"وثائق بنما" تفتح النقاش حول الجنّات الضريبية

الأربعاء 2016/04/06
"وثائق بنما" تفتح النقاش حول الجنّات الضريبية
اصحاب المصالح يعارضون الغاء الجنات الضريبية (انترنت)
increase حجم الخط decrease
في مطلع العام 2016، شن المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب هجوماً لاذعاً على "آبل". وقال في خطاب القاه في جامعة "ليبيرتي" الأميركية إنه سيجبر الشركة الأميركية على تصنيع منتجاتها "اللعينة" في الولايات المتحدة الأميركية. ورد الرئيس التنفيذي للشركة، تيم كوك، على الخطاب بجملة قصيرة تلخص واقع الصراع القائم في العالم عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. ووصف كوك نظام الضرائب الأميركي بالـ"معيب بحق أميركا".

في قضية أخرى هزت الرأي العام الأميركي، أعلنت الشركة الرائدة في مجال صناعة الأدوية "فايزر" عن عملية دمج تاريخية بينها وبين شركة "اليرغان"، ما يعني أنها ستنقل مقرها الرئيسي من الولايات المتحدة إلى ايرلندا حيث تستفيد من انخفاض نسبة الضرائب عن الولايات المتحدة، ما سيوفر على الشركة مبالغ تصل إلى 19.5 بليون دولار في السنوات العشر المقبلة.

كثيرة هي الأمثلة على الهروب من نسب الضرائب العالية في دول العالم، وخصوصاً أننا أمام مجتمع رأسمالي يؤمن بضرورة زيادة الأرباح بأبسط الوسائل الممكنة، فما هي الطريقة الأنسب لزيادة الأرباح سوى تخفيض النفقات التي تترتب على الشركة على شكل ضرائب على المنتجات والأرباح؟

وزاد الحديث أخيراً عن الضرائب والملاذات الآمنة، وما يُسمّى "الجنات الضريبية"، خصوصاً بعد تسريبات "وثائق بنما" التي فضحت حجم الأموال والحسابات السرية التي تمتلكها رابع أكبر شركة "أوفشور" قانونية في العالم. وشنت صحف عالمية وعربية حملة على أصحاب هذه الحسابات بشكل خاص وعلى الملاذات الضريبية بشكل عام، ما قسم الرأي العام العالمي ولاسيما الإقتصادي بين داعم لهذه الملاذات بوصفها "حقاً" مكتسباً، وبين رافض لها ومطالب بالغائها عن الخريطة الاقتصادية العالمية، لما تحمله من ضرر على الدول وموازناتها بشكل خاص.


مع الجزر الضريبية
النقاش في بريطانيا هو الأكثر "حماوة"، خصوصاً مع ورود اسم والد رئيس الحكومة البريطاني ديفيد كاميرون في اللائحة. ودافع المدعي العام البريطاني السابق ورئيس إحدى اللجان البرلمانية المؤثرة في البرلمان البريطاني، دومينيك غرييف، عن "جزر العذراء" الواقعة ضمن سيادة بريطانيا، مطالباً الحكومة بعدم سن قوانين من شأنها منع الجزر من تقديم الخدمات المصرفية، لأن من شأن ذلك "تدمير إقتصاد هذه الجزر بشكل كامل". وأكد أنه من الطبيعي في المجتمعات الإنسانية أن يسعى الثري إلى نقل أمواله إلى مناطق منخفضة الضرائب.

وفي السياق نفسه، أفاد تقرير من "الأوبزيرفر" بأن بريطانيا تحاول تشكيل "لوبي" داخل الاتحاد الأوروبي لإلغاء قرار أقر العام السابق يقضي بوضع الملاذات الضريبية خصوصاً تلك التي تضع فيها "غوغل" أموالها، على اللائحة السوداء.

وكانت "غوغل" قد أعلنت أنها زادت أموالها الموجودة في شركات "أوفشور" في ايرلندا وهولندا وبرمودا لتزيد عن 43 بليون دولار أميركي.

واثارت هذه الأرقام حفيظة كثيرين من السياسيين والمعارضين البريطانيين لمبدأ الملاذات الآمنة، واتُهمت الحكومة بالتراخي مع "غوغل" بعد توصلها إلى اتفاق مع الشركة مؤخراً يقضي بدفع نحو 190 مليون دولار أميركي كضرائب، وهو أقل بثلاث مرات من الفاتورة الضرائبية التي تدفعها "غوغل" في فرنسا.

ويحاجج المدافعون عن الملاذات الآمنة، وفي مقدمهم دانيال ميتشيل، وهو أحد كبار الباحثين في مجال الإصلاح الضريبي، بأهمية هذه الملاذات للإقتصادات العالمية، إذ يعتبر الملاذات الضريبية ضرورة للإقتصاد العالمي. ويحُحدد مجموعة من الأسباب، أبرزها أنها تؤمن "المنافسة الضريبية" مع الدول المتطورة، ما يحض المشرّعين على خفض السياسات الضريبية لجذب الشركات والاستثمارات. إضافة إلى أنها تساهم في تحسين مستوى المعيشة، إذ تشهد الدول النامية التي تتحول إلى "ملاذات ضريبية" ارتفاعاً هائلاً في حجم الأموال الواردة إليها ما يساهم في خفض مستوى الفقر فيها. ويرى ميتشل أن الملاذات الضريبية تفرض على الدول تحسين "الحوكمة" فيها نظراً إلى تحولها إلى مراكز للأعمال والأموال. وتساهم الملاذات الضريبية أيضاً بازدهار الدول التي تتبع سياسة ضريبية عالية، وبيّنت أبحاث إقتصادية أن الدول التي لديها نسب ضرائب عالية غالباً ما تستثني الشركات الأجنبية من دفع هذه الضرائب، ما يؤدي إلى عودة الشركات الكبرى التي تلجأ إلى الملاذات الضريبية للاستثمار في الدول التي "هربت" منها، بصفتها شركات أجنبية.


... وضدها
على المقلب الآخر، يطالب مشرّعون وخبراء في الإقتصاد في دول عدة بإلغاء الملاذات الضريبية نظراً لكلفتها الكبيرة على الإقتصاد، وخصوصاً أن نحو ثلث ثروة العالم موجودة في هذه الملاذات الموزعة على أنحاء الكرة الأرضية.

وقاد الرئيس الأميركي باراك أوباما حملته الانتخابية تحت شعار محاربة الملاذات الضريبية، معتبراً أن محاربة هذه الملاذات عبر تشريعات وقوانين، سيولد للإقتصاد الأميركي نحو 100 بليون دولار سنوياً. ولكن المبلغ تقلص بعد إصدار هذه القوانين لتولد 870 مليون دولار أميركي سنوياً.

كندا أيضاً تعاني المشكلة نفسها، إذ دفعت نسب الضرائب العالية بالكنديين إلى استثمار 199 بليون دولار أميركي في شركات "أوفشور" حول العالم وفق موقع "ستاتيستيك كندا" الذي حلل الأرقام الصادرة عن الشركة البنمية.

وبغض النظر عن الموقف من هذه الشركات حول العالم وطبيعة الإقتصاد الواجب تبنيه، إلا أنه لا بد من سن تشريعات وقوانين دولية تكافح عمليات غسيل الأموال وتمويل العمليات الإرهابية التي تضر الإقتصاد العالمي بشكل مباشر، وخصوصاً أن بعض شركات "أوفشور" لا تعمد إلى التأكد من مصدر هذه الأموال في الأصل، وهو ما يعتبر الفضيحة الأكبر والأخطر في كل ما ورد من أرقام وبيانات صدرت عن الشركة البنمية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها