الخميس 2014/01/16

آخر تحديث: 02:29 (بيروت)

محكّمو جائزة ساويرس.. من أنتم؟

الخميس 2014/01/16
محكّمو جائزة ساويرس.. من أنتم؟
increase حجم الخط decrease
ليكن الأمر واضحاً من البداية: ألف مبروك للفائزين بـ"جائزة ساويرس الثقافية" لهذا العام، وأخصّ الفائزين بجائزة الرواية والقصة القصيرة - فئتي كبار الكتّاب والشباب. فالفائز لا يستحق إلا التهنئة، لأنه ببساطة اجتهد وكتب وشارك بعمله في الجائزة، وجاءت لجنة التحكيم فمنحته الجائزة.

السؤال هنا: ممن تتألف لجنة التحكيم؟ من اختارها؟ ما مقومات المشارك كي يكون عضواً في لجنة تحكيم؟ ثم: ما المعايير التي تخضع لها لجنة التحكيم لتختار العمل الفائز من بين أكثر من مئة عمل؟ هذه أسئلة هامة تعيدنا للسؤال البديهي الأول: ما فائدة الجوائز؟ ربما لو بدأنا بمعطيات سليمة سنتوصل إلى نتائج أسلم. فالجوائز أنشئت في كل دول العالم وفي كل المجالات، خصوصاً الفنون، لتكون دعماً للأعمال الجيدة، وترسيخاً للقيم الفنية، وشكراً للمبدع. ومن خلال الجوائز، يمكن للقرّاء، في حالة الأدب، الاهتمام بقراءة عمل فاز بجائزة. فائدة الجوائز، إذن، تسييد ذوق فني مرتفع الجودة، لأن الفنون بشكل عام تطمح إلى الارتقاء بالروح والفكر، وتسعى في عمومها لمنح المتعة المقرونة بطرح أسئلة حول الإنسان. ولعل الأدب أكثر قدرة على التعبير لأنه يقوم على الكلمة.  
    
هذا المعطى الأولي يفضي بنا إلى معطى ثان: مانِحو الجوائز، أو بعبارة أخرى "لجنة التحكيم"، وهي اللجنة المشكّلة من متخصّصين في مجال ما، ولسعة خبرتهم وسمو ذوقهم وإحاطتهم علماً بتفاصيل وألعاب هذا الفن، يمكنهم بكل دقة اختيار الأعمال التي تستحق الجائزة والتكريم. هم بذلك هؤلاء الأفراد القادرون على التمييز بين الجمال والقبح، بين العميق والسطحي، بين التجريب والتقليد، بين الكلاسيكية والحداثة. هم في النهاية ذاك "الجواهرجي" الذي يستطيع أن يميز الذهب من أنواع المعادن الأخرى. 
   
من هنا يمكننا طرح السؤال حول لجان التحكيم في جائزة "ساويرس" لهذا العام، لنضع إصبعنا على جرح مفتوح. مجلس أمناء الجائزة هو المكلف باختيار لجان التحكيم، وتم اختيارها بشكل يبدو عشوائياً. ولنكن موضوعيين، فربما تكون في ذلك فائدة في دورات الجائزة المقبلة: ما أهمية السيّد ثروت الخرباوي الأدبية ليحكم في جائزة كبار الأدباء؟ هل السيّد الخرباوي أديب؟ هل عرف عنه أنه متخصص في النقد الأدبي؟ هل سمعه مجلس الأمناء ذات مرة يتحدث عن ديستويفيسكي أو كافكا فأعجبوا بثقافته؟ السيد ثروت الخرباوي كان قيادياً في جماعة الإخوان المسلمين ثم انشق عن الجماعة وكتب كتاباً عن أسرار الجماعة. هل في ذلك ما يؤهله لقراءة أعمال أدبية يميز فيها بين الجيد والسيء؟ هل التربية داخل الجماعة رفعت ذائقته الأدبية؟ هل الخروج عن "جماعة الإخوان" جعله أديباً ذا قيمة يُشهد له بالفن الراقي، فاختاره مجلس الأمناء ليستفيد من خبرته؟ لا يمكن أن يوصف ذلك سوى بعشوائية الاختيار، ووضع الرجل في غير مكانه. بل إن ذلك، ولو بشكل غير مقصود، يمثّل إهانة لكبار الكُتّاب المصريين الذين كانوا أَولى بالحكم على الأعمال الأدبية، لأنهم بإيجاز: الخبّازون الذين يجب أن يُعطى الخبز إليهم. 
     
وفي لجنة التحكيم ذاتها، الموظفة لاختيار الرواية والمجموعة القصصية الأفضل من بين الكتب الكثيرة المتقدّمة للجائزة، نجد إسم الدكتور أحمد جمال، وزير التعليم السابق! ليتكرّر السؤال من جديد: ماذا يفعل السيّد وزير التعليم السابق في جائزة أدبية؟ هل هذه مسابقة في المناهج التعليمية؟ 
    
أما في فئة شباب الأدباء، فتكوّنت اللجنة من الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد، والصحافي سيّد محمود، والصحافي محمد شعير، والصحافي صبحي موسى (يكتب الرواية والشعر)، والدكتورة هالة فؤاد. والسؤال هنا: ماذا يفعل الصحافيون في جائزة إبداعية؟ غالبيتهم من المثقفين المتابعين، ومنهم من له رأي في الحياة الثقافية المصرية يعبّر عنه في مقالات، لكن.. هل العمل في الصحافة الثقافية يبرّر تولّي التحكيم في جائزة الرواية والقصة القصيرة؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل يمكن للروائيين التحكيم في جوائز الصحافة أو السينما او الفن التشكيلي؟

ليس الهدف ههنا هو التجريح في أحد أو التقليل من قيمة أحد. بل المقصود بوضوح طرح أسئلة حول المعايير التي على أساسها قام مجلس أمناء الجائزة باختيار لجنة التحكيم. فماذا يمكن أن نتوقع من الحياة الثقافية إن كان المحكّمون في جوائزها صحافيين؟ ثم لماذا لا يستعين مجلس الأمناء بالروائي الكبير بهاء طاهر، والمنسي قنديل، ومحمد المخزنجي، وشيرين أبو النجا، وسحر الموجي، وغيرهم من الأسماء المشهود لها بالتفوق في الإبداع القصصي والروائي والنقد، ليكونوا حكاماً في جائزة يتقدم إليها المئات من المبدعين؟ ما هو فعلاً المنجز الأدبي والإبداعي للكثير من أعضاء لجنة تحكيم "جائزة ساويرس" ليوكل إليهم التحكيم في جائزة تساهم بشكل كبير في تشكيل الخريطة الأدبية في مصر؟ 
   
لنضف إلى ذلك سلوك البعض، المستهجن، داخل جلسات اللجنة، لنجد أنفسنا أمام لجنة كان ينقصها الموضوعية والإنصاف: لقد اتفق أعضاء لجنة التحكيم على أن أفضل عمل مقدم للجائزة في فرع الرواية هو رواية "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس"، للروائي طارق إمام، وأنها تستحق المركز الأول. ورغم أن شروط الجائزة لا تمنع تقدم الفائز في دورات سابقة، إلا أنهم استبعدوها نهائياً لهذا السبب، ومنعوها حتى من الوصول إلى القائمة القصيرة. وتحجّجوا بعد ذلك، لا نعرف من أجل مصلحة من، بأن العمل يقوم على فكرة الشذوذ الجنسي! لقد أغمضوا عيونهم عن فنّيات العمل وجمالياته وأهميته، وتمسّكوا بأن البطل، وهو الشاعر السّكندري اليوناني كفافيس، كان مثلياً. وكأن دور لجنة التحكيم أن تحاسب الكاتب أخلاقياً. وكأنها تقوم بدور الرقيب الديني، وهي المفترض أنها أوسع أفقاً وأكثر إدراكاً لمفاهيم الفن.

لقد سمحت اللجنة لنفسها بكل بساطة، أن تضع شروطاً فوق شروط الجائزة، وأن تقصي عملاً اختارته لسبب أقل ما يقال عنه إنه تافه. ولعل ذلك ما يجعلنا نسأل: السادة أعضاء لجنة تحكيم ساويرس، من أنتم؟ لماذا لا تتركون الأدب لأهل الأدب؟ ولنسأل مجلس أمناء الجائزة: هل تعرفون أن لجان التحكيم في أوروبا تتكوّن من الكتّاب الكبار المخضرمين والنقاد الراسخين والكُتّاب الفائزين بالجائزة نفسها في دوراتها السابقة؟ ألا ترون نيلاً من قيمة الإبداع، في أن يمنح صحافي أو وزير سابق أو منشق عن حزب أو "أخوان".. جائزة لروائي؟        
 
increase حجم الخط decrease