الأربعاء 2015/07/01

آخر تحديث: 12:30 (بيروت)

توفيق فروخ... موسيقى الوطن اللامرئي

الأربعاء 2015/07/01
توفيق فروخ... موسيقى الوطن اللامرئي
دخول ما يمكن تسميته "تفريد" الآلات الشرقية في الجاز، أعطى النكهة التي طبعت أعماله
increase حجم الخط decrease
"إن سفر علي بين عالمين متباعدين وثقافتين مختلفتين يقرّب المتخيل من التجربة المعاشة، يضعهما في المواجهة حيناً ويجعلهما يتشابكان أحياناً"، هذا مقتطف من الوصف الذي كان قد وضعه المؤلف الموسيقي وعازف الساكسفون اللبناني، توفيق فروخ لألبومه الأول علي في برودواي (1994)، الذي أخذ فروخ في طريق حولته الى أبرز عازفي الجاز اللبنانيين في الفترة الأخيرة. ويصف هذا المقطع أولاً حال الفنان الذي غادر لبنان في منتصف الثمانينات لإكمال تخصصه الموسيقي في فرنسا، التي عاد واستقر فيها، مبتعداً عن الحرب اللبنانية، وما يسميه "الفشل في بناء وطن".. ويصف ثانياً توجهه في خلق جاز معاصر، يحاول من خلاله محاورة أنواع موسيقية، تنتمي الى ثقافات متعددة ومتباينة تظهر في 5 أعمال متقنة الصنع، قدمها فروخ في العقدين الأخيرين.

تعتبر أعمال فروخ المنفردة والتي بدأت في منتصف التسعينات، من التجارب الطليعية في لبنان والتي تتألف من خليط يشكل الجاز عموده الأساسي ويتضمن طبقات موسيقية متباينة. ويستعمل فروخ في هذا الخليط آلات متعددة منها آلات التخت الشرقي التقليدية والآلات الغربية المختلفة بالإضافة للموسيقى الإلكترونية "التسعينية"، التي تعطي نكهة خاصة لأعماله، وتأخذ الموسيقى التصويرية جزءاً مهماً من أعمال الفنان اللبناني فقد ساهم في السنوات السابقة في أفلام سينمائية عدة منها "سلم إلى دمشق" لمحمد ملص و"أرض مجهولة" لغسان سلهب وغيرها، كما ساهم لفترة طويلة كمؤلف لموسيقى الرقص المعاصر في الكونسرفاتوار الوطني في باريس.

تكمن أهمية فروخ في قدرته على الوصل بين مشاهد موسيقية مختلفة، فكان قد بدأ مسيرته وهو في عمر صغير في مجال الموسيقى
الملتزمة(السياسية) بما حملته من زخم موسيقي مع بداية الحرب اللبنانية، حيث كان عازف الساكسفون الوحيد في بيروت يومها، وقد عزف مع رموز تلك الحقبة من زياد الرحباني الى مارسيل خليفة، كما شارك العام 1976 في تلحين بعض أغاني "فرقة الأرض"، هذا قبل أن يغادر لبنان في منتصف الثمانينات. ويبقى زياد الرحباني الأكثر قرباً في تلك المرحلة من فروخ، خصوصاً في تأثرهما سوياً بموسيقى الجاز و"Fusion Jazz" على ما يمكن أن يسمى ذلك الخليط الذي توجه إليه الرحباني ويظهر على سبيل المثال في مقطوعته أبو علي العام 1978، التي كان قد شارك فيها فروخ عزفاً على الساكسوفون والتي ربما تعتبر أكثر أعمال تلك الحقبة قرباً من توجهه الموسيقي اللاحق. لكن فروخ، وبعكس الرحباني الذي تراجعت موسيقاه عن زخمها بعد الحرب، عاد ليولد من جديد بعد انتهائها، وهذا ما سمح له به ابتعاده عن الجو الموسيقي في لبنان واتصاله بمشهد الجاز الفرنسي الذي يظهر تأثيره واضحاً في أعماله اللاحقة، وهذا الإبتعاد قد سمح لفروخ ربما في خلق خط منفرد يتصل حيناً بلبنان وينفصل عنه حيناً آخر ويستمد عناصره من مرجعيات مختلفة من دون أن يتماهي مع أحدها بشكل كلي.

وتستقي أعمال فروخ عناصر قوّتها من أمكنة عديدة، فدخول ما يمكن تسميته "تفريد" الآلات الشرقية في الجاز أعطى هذه النكهة التي طبعت أعماله، ما شكل جذباً للجمهور الأوروبي، وكان فروخ قد باع مثلاً من ألبومه "درابزين" العام 2002 أكثر من 5000 نسخة خلال العام الأول من صدوره، ما يعتبر رقما استثنائياً لألبوم جاز غير مألوف جداً للجمهور. وكان فروخ قد أهدى هذا الألبوم للفنان اللبناني الراحل جوزيف صقر يومها، وقد شكل العمل صدمة للجمهور اللبناني الذي لم يكن قد تعرف على إنتاج من هذا النوع من موسيقي لبناني ولا يقل هذا الألبوم أهمية عن أعماله السابقة مثل "
أسرار صغيرة" و"علي في برودواي" الذي احتفى به النقاد في مجلات فرنسية متخصصة عند صدوره العام 1994.  

وعمل فروخ مع فنانات لبنانيات، منهن ياسمين حمدان في أغنية
lili s’en fout  وريما خشيش في أغانٍ عديدة منها أغنية تراثية بعنوان "حنينة"، تخبر كلمات الأغنية الكثير عن وضع الفنان في الإغتراب الذي يضعه أمام تحديات ضياع الهوية التي يحاول خلقها من خلال موسيقته "آه يا قمر سلم على غيابنا، وآه يا دلي وين نحن. آه وين أنا... آه يا ظريف الطول جينا نقلك رايح للغربة وببلادك أحسنلك، خايف يا المحبوب تغنى وتتملك وتعشق غيري وتنساني أنا!". ويؤكد فروخ في مقابلات عديدة أنه يحاول خلق وطنه الخاص في موسيقاه بعد فشل حصوله على وطن لبناني. لكن هذا الفشل لا ينفصل عن فشل مشاريع اليسار البناني الذي كان الفنان جزءاً منه، كما أن فشل هذه المشاريع أد دوراً مهماً في تحول الموسيقى السياسية الى أمكنة مختلفة ومتنوعة مع انتهاء الحرب، تظهر في محاولة مارسيل خليفة مثلًا الإنتقال الى أمكنة جديدة كما أنها تظهر في توجه آخرين نحو الموسيقى الصوفية على سبيل المثال. وبقى توفيق فروخ بين هؤلاء الأكثر ارتباطا بالخط الذي أخذه منذ البداية والذي يقترب أحيانا من أن يكون مشروعا فنيا متماسكا.

ويعمل فروخ حالياً على ألبومه السادس، ويقول لـ"المدن"إنه سيكون بعنوان "Les villes invisible
أو "المدن اللامرئية"، وهو بحسبه يتضمن مؤلفات جديدة وسيتعاون فيه مع موسيقيين من "آفاق موسيقية متنوعة"، ويفترض أن ينجزه في تشرين الأول/أكتوبر المقبل. ولا نعرف إن كان هذا الألبوم سيأخذ طابعاً مختلفاً عن أعماله السابقة التي يختلف بعض عن بعض في الشكل، لكن الأكيد أن كل ما أنتجه فروخ متصل ليشكل ملامح مشروع فني متكامل يعتبر من المشاريع الفنية الإستثنائية في منطقتنا اليوم.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها