الثلاثاء 2015/09/01

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

عن أصحاب الخمسمئة كتاب

الثلاثاء 2015/09/01
عن أصحاب الخمسمئة كتاب
بنبرة معتذرة كتب ستيفن كينغ مدافعا عن إكثاره من الكتابة
increase حجم الخط decrease
بنبرة معتذرة كتب ستيفن كينغ مدافعا عن إكثاره من الكتابة. كان قد أصدر خمسين رواية ضمّته إلى مَن يرى النقّاد والمثقّفون أنهم كثيرو الإنتاج قليلو الأثر. جيمس كارول أوتس التي كتبت خمسين رواية هي أيضا، إضافة إلى أحد عشر عملا وقّعتها بإسم مستعار، كانت قد عبّرت عن رأي الآخرين بتلك الكثرة فقالت: "من المؤكّد أنني كتبت أكثر مما يُعتبر مناسبا لكاتب جدّي".

وها هو ستيفن كينغ، الإعتذاري النبرة، يتذكّر مكثرين آخرين مثل جون كريزي، الذي لا يقدّر أحد رواياته البالغة 564 عددا وكان كتبها بأسماء مستعارة. لقد جرى نسيانه، مثله مثل البريطانية أرسولا بلوم التي كتبت 500 رواية (تحت أسماء مختلفة أيضا)، وباربرا كارتلند التي زاد عدد رواياتها عن الـ700.

لم يوضع أيّ من هؤلاء الثلاثة في مصاف الكتاب الكبار، لكن يميل كينغ إلى اعتبار أنّ هؤلاء كانوا سيلقون التقدير القليل ذاته لو أنّهم كتبوا أقلّ، أو لو أنهم بذلوا اهتماما كافيا بما يكتبون. لكن هناك، بحسبه، مثال على كاتبة مكثرة هي أغاتا كريستي، وقد كتبت 92 رواية، ظلّت الأشهر بين كتاب وكاتبات القرن العشرين، وما زالت كتبها تُطبع وتُقرا حتى الآن. وإذ يرى كينغ أن استمرار الشهرة ليس سببا كافيا لأهمية الكاتب، يروح يؤلّف نظرية عن أهمية الشخصيتين اللتين ابتدعتهما أغاتا كريستي، وهما مسّ ماربل وهركول بوارو، كما عن قدرتها على إرساء لغة روائية مزجت بين البطء وإثارة التشويق في وقت معا.

مقال ستيفن كينغ في نيويورك تايمز يقوم على ذكر الأمثلة عن الكتاب المكثرين، وهي أمثلة في الأسماء وأعداد الكتب. مرّة واحدة يُلمح إلى ما يتعدّى إحصاءه ذاك، ذاهبا إلى ما يدفع كاتبا إلى أن ينجز هذا العدد من الكتب، أو إلى أن يكتب بهذه السرعة. في ذلك قال إنّه كانت هناك امرأتان تتناولان غداءهما على طاولة بقرب طاولته. كانتا تتحدّثان بحماسة فيما هما تأكلان، تاركتين كأسي النبيذ الأبيض نصف فارغتين نصف مملؤتين على طاولتهما. كان هو مسرفا في تناول الكحول آنذاك، لذلك جعل يتساءل: لماذا لا تشربان؟ لماذا تبطئان في الشرب؟ هل إنهما تتمهّلان عن عمد؟

وهذا ليس مثالا موفقّا على الإطلاق، حيث أنّ كينغ يظنّ أنّ سرعته هي ذاتها سرعة الجميع وأنّه من جهته يجاريها فيما هم يكبحونها. لا يدرك ربما أن توقهم إلى أن يروا الكتاب مطبوعا منجزا لا يقلّ أبدا عن توقه هو، وأنّهم جميعا ينتظرون اللحظات التي تكون فيها الكتابة "غرْفا من بحر" كما ذكر ذلك الناقد الذي أرسل ليرى ما هو الفارق بين الفرزدق وجرير. لكن ذلك لن يحدث إلا قليلا عند أولئك الذين يصرّون على أن تكون كلّ كلمة (وليس كلّ كتاب) حاملة لشيء يبلّغ ويقال. كان ترومان كابوتي قد قال عن جاك كرواك: "هذه ليست كتابة، إنها ضرب على الآلة الكاتبة"وهي أفضل وقعا بالإنكليزية: It is not writing, it is typing . يقصد كابوتي تلك السرعة الواحدة في الكتابة، حيث يستمرّ الكاتب على وتيرته الواحدة من الصفحة الأولى في الرواية حتى الصفحة الأخيرة. كأن لا شيء يوقِف، لا شيء يعيق، لا شيء يدفع إلى التردّد أو إلى التراجع عما سبق أن وُضع على الورقة. كأن الكتابة هي عمل يدوي احترافي يقاس الإنجاز فيها على قياس الوقت الذي بُذل لها...

اليوم سأكتب خمسين صفحة، يقول الكاتب المكثر، أو الكاتب "المنتج" بحسب التعبير الإنكليزي prolific واثقا أنه سيمكّن من فعل ما قرّره. لن يستطيع أن ينجز خمسين كتابا، أو مئة، أو سبعمئة كما بربارا كارتلند، إن لم تكن مخيّلته تعمل بمجهود أقلّ.

ثم تلك الحجّة الضعيفة، أو غير الصحيحة على الأقل التي اتكّأ بها ستيفن كينغ على ما كان قاله جون كيتس في مطلع إحدى قصائده: "أخاف أنني لن أعود موجوداً قبل أن يجمع قلمي كلّ ما في عقلي المكتظّ"، كأن الكتابة هي أن ننقل كل ما هو في الرأس، من حيث الكم والكتلة.     
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها