الجمعة 2015/11/27

آخر تحديث: 13:15 (بيروت)

دفاعاً عن الكثرة في الكتّاب

الجمعة 2015/11/27
دفاعاً عن الكثرة في الكتّاب
أرشيف : معرض الكتاب العربي (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
درجت، منذ سنوات لا يمكن حصرها، السخرية من معرض الكتاب العربي، واعتبار زواره القلائل وقائمة الأكثر مبيعاً التي تعلن في آخره، علامة مؤكدة لانحطاط -أو موت- زمن القراءة والقراء، فيما لا يمكن لأحد، في مقابل هذه السلبية، تحديد نسبة القراء من مجموع عدد السكان، مثلاً، بين زمنين يُفترض أنهما مختلفان. على أن الميل إلى هذه المقاربة الكمية، والبحث عن الكثرة في عدد القراء وخياراتهم، يتحول في مسألة أخرى إلى دليل إضافي على انحطاط الثقافة، وتحديداً تلك الكثرة في انتاج كتب لا يحوز أصحابها تكريساً مسبقاً.

على أن القياسين، واعتبارهما تأكيداً لحكم يمكن أن يطلق على الثقافة، يبقيان اشكاليين، لا بل، في حد ما، متناقضين أيضاً. فإذا كان عدد منتجي الكتب في ازدياد، فإن عدد القراء في ازدياد أيضاً، ذلك أن الكتّاب لا يصبحون كتّاباً إلا حين يقول عنهم الناس، وهم جمهورهم الضيق والمحدود (الجمهور الشخصي) بالضرورة، أنهم كتّاب، على ما فسر الياس خوري مرة تحوله إلى كاتب. وهذا ما يعززه، اساساً، وسيط نشر استجد في السنوات الأخيرة، وهي مواقع التواصل الاجتماعي، التي اتاحت للأفراد، غير المكرسين، منصة كتابة سهلة ومُقدَّرة، بين جموع معارفهم، الذين سيتحولون في خاتمة عملية النشر إلى قرائهم الحتميين تقريباً.

وهذا ما سيعيد إلى القراء أنفسهم، لا النقاد أو دور النشر أو الكتاب المكرسين، صلاحية تقديم الاعتراف بالكتّاب الجدد، وهذه، في بعض منها، دفع لدمقرطة الكتابة، وهي عملية بدأت قبل قرون، حين أصبحت المعرفة، في شكليها الأوليين (القراءة والكتابة) متاحة، نظرياً على الأقل، للعموم. لكن هذا الانقلاب في مسار الاعتراف والتقييم، كرس بدوره سلوكاً قُرائياً جديداً تحمله فئة "قراء المجاملة"، على ما يمكن تسميتهم، من دون اصدار حكم قيمي بحقهم، فوجودهم في أسوأ الأحوال يفتح باباً لتوسع احتمالات القراءة والكتابة، ويحفز الحركة داخل مجال النشر.

لكن التساؤل عن "مستوى المُنتج" الذي ينتجه هؤلاء الكتّاب، وهو في الغالب منتج أدبي، وما يقرأه هؤلاء القراء، يبقى تساؤلاً مشروعاً، إلا أنه يحيل إلى تساؤل آخر حول هوية المُقرر أو المقيِّم. وحل هذه المسألة سهل، إلى حد ما، ويفرضه تعدد الناس وأذواقهم. فلا أحد يمكنه أن يحكم على ذوق الآخر. فباولو كويلو "ليس مسلياً فحسب، بل إبداعي وانساني أيضاً". وشعر السعودي خالد الباتلي، صاحب "ليتها تقرأ" (دار الفارابي)، وهو ديوان ذائع الصيت، "لغته رقيقة ويصلح للاقتباس"، على ما تسجل إحدى القارئات على "Goodreads".

والحال ان الاحتفاء بهذه الفئة الجديدة من القراء، يلزمه في المقابل تحديد لقيمة القراءة، أو اعادة موضعتها في سياقها المبدئي كهواية لغير المتخصصين في المعرفة مثلاً. وهي، على ذلك، ليست بالضرورة فعلاً أفضل أو أنفع من السباحة أو ركوب الخيل. كما أن معرض الكتاب ليس حدثاً ثقافياً، معزولاً عن عوامله الأخرى. انه سوق تجاري، فيه سلع وتجار وزبائن، في أدنى صورهم المثالية، على الأرجح. وهذا ما لا تُغيِّره تمثلات أصحاب دور النشر عن أنفسهم، الذين صارت تغلب على شكواهم المستمرة لغة تجار الأسواق الأخرى، محملة بأدوارهم التنويرية المُفوَّتة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها