الثلاثاء 2024/04/09

آخر تحديث: 12:09 (بيروت)

جلبير الأشقر... مفهوم "الحرب الباردة الجديدة"

الثلاثاء 2024/04/09
جلبير الأشقر... مفهوم "الحرب الباردة الجديدة"
يزعم الأشقر أنه أول من صاغ هذا المصطلح لوصف المواجهة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا بشأن كوسوفو.
increase حجم الخط decrease
منذ سنوات، بدأ الحديث عن "حرب باردة جديدة" بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، أو بين الولايات المتحدة والإسلام، لكن بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أطلق "فيضاناً من التعليقات الدولية بطول خط الشقاق الجيوسياسي بين الشرق والغرب".

وفيما يشهد بلوغ العداوة بين روسيا والغرب الجيوسياسي، ذروة تعادل أكثر لحظات الحرب الباردة إثارةً للقلق، ومع اشتداد وطأة الحرب الأوكرانية، يبدو أن أفكار فوكوياما تتعرض للنقد وحتى السخرية. فقد نقلت ميغان غيبسون، المديرة التنفيذية لمجلة "نيو ستيتسمان" البريطانية، عن المنظّر السياسي الأميركي، اعترافه بإمكانية أن تواجه نظريته حول "نهاية التاريخ" نهايتها، نتيجة لتأثيرات حرب أوكرانيا في مستقبل الديموقراطية الليبرالية. وفي الوقت نفسه، فإن حالة الفوضى السائدة في الجدال حول مفهوم "حرب الباردة الجديدة" الضبابي، إنما تشير إلى انعدام الوضوح بشأن ما تعنيه أصلاً "الحرب الباردة". لذا فإن الباحث اللبناني وأستاذ دراسات التنمية والعلاقات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، جلبير الأشقر، في كتابه "الحرب الباردة الجديدة"(*)، يزعم أنه أول من صاغ هذا المصطلح لوصف المواجهة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا بشأن كوسوفو. في هذا الكتاب المفصل للغاية، يطور هذه الحجة بمزيد من التفصيل، مضيفًا إلى نمو التوترات بين الولايات المتحدة والصين. 

يخصص الأشقر الفصل الأول لاستكشاف وتوضيح مفهوم الحرب الباردة، و"هو شرط مسبق لأي مناقشة مجدية لاستخداماته". فغداة حرب كوسوفو، كتب بالفرنسية نصاً بعنوان "راسبوتين يلعب الشطرنج..." نشره في مجلة "نيو ليفت ريفيو" اللندنية، وفي كتاب صغير بعنوان "الحرب الباردة الجديدة: العالم بعد كوسوفو" الصادر بالفرنسية العام 1999. ويرجح الأشقر أن يكون هذا أول كتاب صدر بعد 1990 يشير عنوانه إلى بدء حرب باردة جديدة، وهي حرب باردة خاصة بالقرن الحادي والعشرين، ينخرط فيها اللاعبان المركزيان للحرب الباردة السابقة- الولايات المتحدة وروسيا (الأمة المهيمنة في الاتحاد السوفياتي سابقاً) إلى جانب لاعب رئيسي ميال للتحالف مع هذه الأخيرة، وهو الصين. ومن بعد كتابه، سيكثر استعمال هذا المفهوم، لا سيما العام 1998، على لسان جورج كينان بالذات، وهو أحد مهندسي الحرب الباردة في بدايتها. أكد كينان لتوماس فريدمان، أن قرار الولايات المتحدة بتوسيع الناتو يشكل "بداية حرب باردة جديدة". وجاء التأكيد القاطع بقلم ستيفن كوهين، الخبير المعروف بالشأن الروسي.

فعلى خلفية الفتور الواضح في العلاقات الأميركية الروسية، في ظل جورج بوش الإبن وفلاديمير بوتين، نشر كوهين في مجلة "ذي نايشن" في حزيران 2006 مقالاً بعنوان "الحرب الباردة الأميركية الجديدة"، بيّن فيه على نحو مقنع بأن العلاقات بين موسكو وواشنطن تدهورت إلى مستوى العدائية. في العام 2007، نشر الصحافي الكندي، مارك ماكينون، ما كان على الأرجح الكتاب الثاني المعنون "الحرب الباردة الجديدة" بعد كتاب الأشقر. في العام 2008 نشر الصحافي البريطاني، إدوارد لوكاس، كتاباً أخر بالعنوان نفسه. وإذ ركز على العلاقات الروسية الأميركية، أساء لوكاس فهم الطابع المثلث الذي اتسمت به المواجهة الجديدة. فقد استبعد على نحو خاطئ، احتمال تحالف بكين مع موسكو. وأشار العمى إزاء تقارب روسيا مع الصين، لبعض المراقبين، مواصلة إنكار واقع الحرب الباردة الجديدة بالاشارة إلى أن روسيا أضعف من الاتحاد السوفياتي السابق. 

ومع اندلاع خيوط الأزمة التي أفضت إلى الغرو الروسي لأوكرانيا، كذروة للعملية التي انطلقت في تسعينيات القرن الماضي، وضع جلبير الأشقر بعض أعماله الأخرى جانباً، مكرساً وقته لتحرير هذه الكتاب. ولعل الزيادة المضطردة في الإشارات إلى الحرب الباردة الجديدة، سواء في وسائل الاعلام أو في عناوين الكتب والمقالات المنشورة في المجلات، فضلاً عن تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين، لا سيما منذ اعتلاء دونالد ترامب سدة الرئاسة في العام 2017، قد ساهما في دفع المؤلف نحو هذه الخطوة. وفي الكتاب، يرِد الفصلان القديمان من كتابه الصادر العام 1999 من دون أي تعديل، يسبقهما الفصل الذي يشكل المقدمة، ويليهما قسم أطول.

يؤكد الأشقر في هذا الكتاب أنّ الحرب الباردة لم تنته مع انهيار الاتحاد السوفياتي، انما اتخذت أشكالاً جديدة مع القرن الجديد. فسعي الولايات المتحدة إلى ترسيخ هيمنتها العالمية في العقد الأخير من القرن الماضي، على حساب روسيا والصين، دفع هاتين الدوليتن إلى التقارب وأدى إلى إعادة إطلاق الحرب الباردة بصيغة جديدة وتداعيات كارثية. ويوضح جزء كبير من الكتاب، الطرق التي وسعت بها الولايات المتحدة نفوذها العسكري والسياسي في كل من أوروبا الشرقية والمحيط الهادئ، باعتبارها السبب الرئيسي للتوترات الدولية المتزايدة بين "الثالوث الاستراتيجي" للقوى العالمية: الولايات المتحدة وروسيا والصين. وأدت حرب الناتو دوراً سياسياً مهما في تسهيل صعود حكم بوتين، كما أقرّ الدبلوماسي مايكل ماكفول. كان المشهد مهيّأً بشكل كامل لصعود بوتين، مع مساهمة أميركية بالغة الأهمية في هذه التهيئة. ويظهر أن عدوانية بوتين المتزايدة كانت في جزء كبير منها رد فعل على توسع الناتو في أوروبا الشرقية. يقدم الأشقر وصفًا تفصيليًا لصعود بوتين كنتيجة مباشرة لـ"العلاج بالصدمة" النيوليبرالية التي لحقت بالاقتصاد الروسي في التسعينيات، على حد تعبيره.

الكتاب في قسمه الثاني يتألف من فصلين جديدين: الأول حول تطور روسيا في ظل حكم بوتين، والثاني عن الصين، فيجري تناول كل من البلدين في المقام الأول من زاوية سياسته الخارجية وعلاقاته بالولايات المتحدة، بما في ذلك تقييم تلك السياسات مع العوامل المحلية الخاصة بكل بلد. وفي المجمل، تكمن أهمية الكتاب في الكشف عن نزوع الدول الكبرى إلى التسلح و"الإدمان الأميركي على الاقتصاد الحربي الدائم، والمستفيد الرئيسي منه - المجتمع العسكري الصناعي- أن يلقيا بثقلهما في تحديد خيارات نخبة القوة الأميركية في حقبة ما بعد الحرب الباردة". والأمر نفسه ينطبق على روسيا والصين.

(*) صدر عن دار الساقي، ترجمة عمر الشافعي وعمر فتحي. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها