الثلاثاء 2024/04/23

آخر تحديث: 11:20 (بيروت)

نحن وهيغل اليوم

الثلاثاء 2024/04/23
نحن وهيغل اليوم
هيغل
increase حجم الخط decrease
في تقديمها لكتاب أحمد عبد الحليم عطية "نحن وهيغل اليوم/ من صراع السيد والعبد إلى جدلية الاعتراف المتبادل"، (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر) تقول الباحثة الإيطالية لوريلا فنتورا "في المجال الواسع لدراسة هيغل، ما زال هناك عدد قليل جداً من الأعمال التي تتناول استقبال فكر هيغل في العالم العربي. هذه الفجوة ملحوظة أيضاً في مجال الدراسات التي تتعامل بشكل عام، مع الفلسفة في العالم العربي الحديث، حيث غالباً ما يتم تجاهل تأثير هيغل".

وفي هذا الإطار، يكتسب الكتاب أهمية خاصة. يتعامل الكتاب مع معظم الآراء النقدية لفكر هيغل في كتابات المفكرين العرب المعاصرين (من بداية القرن العشرين حتى الآن)، على وجه الخصوص، فهو من ناحية يتناول وجهات نظر هيغل ومواقفه من التاريخ العربي والاسلامي والفن والدين والفلسفة، يناقش استقبالها والاعتبارات النقدية، وبشكل أكثر عمومية وجهة نظر التاريخ، والإستعمار، ودور بعض التفسيرات. من ناحية أخرى، فإن الخيط الرئيسي لعمل عطية هو فكرة الاعتراف في انحرافها المزدوج في فينومينولوجيا الروح، النضال من أجل الاعتراف وديالكتيك العبد الرئيسي في الفصل الخاص بالوعي الذاتي، الحوار والاعتراف المتبادل بين الوعيين في ختام الفصل الخاص بالروح.

يتناول المؤلف في عبارة محددة "العلاقة بيننا وبين الغرب، الغرب السيد المهيمن، والذي صارت له الصدارة منذ قرون، وصار الحاكم الأوحد للعالم، تجاوز في علاقاته مع غيره من الشعوب كل القيم المتعارف عليها، في مجالات كثيرة ومجالات مختلفة"، يناقش القضايا والعلاقات، تلك المتعلقة بالهيمنة والسيطرة والعبودية والتبعية، إنطلاقاً من هيغل، الذي صار علَماً في الحداثة، والذي قسم تاريخ الفلسفة إلى "ما قبل هيغل" و"ما بعده"، من هنا صارت له البيادة في التيارات الفلسفية التالية عليه، ليس الوجودية والبراغماتية والمثالية فحسب، بل الماركسية ايضاً. أصبح في العقود الأخيرة، بعد غياب الماركسية وانهيار كثير من الأنظمة الشمولية القائمة عليها، مصدر الالهام الاساسي، للداعين للدولة الليبرالية والديموقراطية الغربية، كما تحددت في الولايات المتحدة ومن سار على نهجها تابعا لها، وذلك من خلال المنظرين لها امثال صموئيل هنتنغتون صاحب "صدام الحضارات" وفوكوياما صاحب "نهاية التاريخ" مما اسهموا في بلورة ايديولوجيا المحافظين الجدد، الذين حددوا سياستهم، على ضوء المبادئ التي حددها الفيلسوف الكبير، عبر تفسير فوكوياما لها وتأويلها، ما أوقع في ظن الباحثين ومؤرخي الفلسفة ان فلسفة هيغل اشكالية تمثل التباسا واشتباها.

وهيغل منذ الأعوام الأخيرة في حياته، هو مصدر قراءات متعددة وتأويلات متنوعة، بل متناقضة، منذ انقسام المدرسة الهيغلية الى يمين، وهو الهيغليون الشيوخ، وهو يسار، وهو الهيغليون الشباب وحتى اليوم، نجد من يشيد بما قدمه هيغل، ومن ينتقد ويهاجم فلسفته ومن يقلل من شأنها؟ صنع هيغل هيمنة واستحواذاً على الفلاسفة الغربيين في أوروبا وأميركا منذ نهاية القرن التاسع عشر، هذا الهرم الذي لا تغشى عنه الاعين، ويظل شاغل بال الراغبين بالتحرّر منه.

وهذا الموقف من هيغل وعلاقته بعصرنا ليس قاصراً على الفكر الفلسفي الغربي، بل نجده ايضا بين باحثينا ومثقفينا، ممن عرفوا هيغل وتمثلوا فلسفته، سواء على مستوى العملي الواقعي، ام من خلال فينومينولوجياه في قراءة التراث العربي الأدبي اللغوي والفلسفي، من أدونيس في "الثابت والمتحول" إلى حسن حنفي في مشروعه "التراث والتجديد" وأنطون سعادة في صلاحية فلسفة هيغل لمناقشة قضايا "الأمة السورية".

يتوقف المؤلف من أجل مناقشة قضايا الفلسفة الهيغلية التي تتعلق بنا وبتاريخنا وحضارتنا ومصيرها، وتعامل الباحثيت والمثقفين والمفكرين العرب معهاـ في علاقتها  بالقضايا الراهنة في حياتنا المعاشة، التي تتعلق بالدولة والدين، ونظرة هيغل للعرب والاسلام وأفريقيا ومصر.

ينطلق من المصادر التي نهل منها هيغل، كيف تطورت هذه الكتابات على أيدي تلاميذه، خصوصاً الكسندر كوجيف في تحليله لمفهوم "الرغبة في الاعتراف"، نظراً لأهمية كوجيف في تحديد الفهم المعاصر لهيغل، وصولاً الى ما قدمه فوكوياما في "نهاية التاريخ" الذي يوضح الخطوط العامة للسياسات الاميركية في العصر الحالي، وهي القضية االتي يمكن أن تلقي ضوءاً كاشفاً على علاقتنا بالغرب، وهذا ما يتضح في الفصول التالية التي يحتويها هذه الكتاب.

والسؤال الى أي مدى كان مسار فلسفة هيغل انسانياً كونياً أم أوروبياً جرمانياً؟ أم لاهوتياً عرقياً ومركزياً غربياً؟ وهو السؤال الذي يسعى المؤلف للإجابة عنه من خلال تطور فلسفة هيغل لدى تلاميذه أصحاب الصراع من أجل الاعتراف، وأصحاب نهاية التاريخ، اللذان يقدمان لنا فينمومينولوجيا هيغل اليوم، هل يفسح هيغل مكانا للشرق وأفريقيا والعالم غير الغربي؟ يمكن أن نجد بالاضافة إلى هذا الفهم ما قدمه فرانز فانون من تفسير أقرب لنا، عن الاعتراف التبادلي للسيد والعبد، وكذلك فهم بول ريكور للاعتراف وجوديت بتلرواكسيل هونيث، تلك محاول مهمة تقربنا من مجال فهم في الفلسفة المعاصرة. وهو نظرية العدل والفلسفة الاجتماعية. انها قراءات مغايرة تؤكد على معاني العدالة والاخلاق في الاعتراف عند هيغل.

لا يهدف المؤلف إلى رصد أعمال هيغل العربية، وكذلك ليس تقديم قراءة اسلامية تقدم مركزية مضادة لما يمكن أن يفهم على أنها مركزية عرقية أو نزهة استشراقية لدى هيغل، كذلك لا يقدّم تحليلاً خالصاً لنصوص هيغل وفق أرقامها في طبعاتها الأوروبية المختلفة أدعاء للعلمية، بل هدفه أن "نضع أنفسنا، ونضع القارئ، في قلب إشكاليات هذه الفلسفة والصراع بين تفسيراتها المحتلفة والتخبط بين قراءاتنا لها"؟

"معي انتهت الفلسفة" يقول هيغل، يقترح التأسيسية التجاوزية، فهي تأسيسية لأنها تسلط الضوء على نصوص فلسفية مؤسسة. لعل نصوص هيغل أحكمت قبضتها على الفكر البشري، حتى أن فوكو يعتبر أن الفلسفة المعاصرة هي محاولة للتحرّر من قبضة هيغل.

يسعى الباحث الى تجاوز ثقافة العبد والسيد التي آلت اليها فينومينولوجيا الروح عند هيغل، إلى ثقافة الاعتراف المتبادل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها