السبت 2024/03/30

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

"يوروفيجن" والعبء الإسرائيلي

السبت 2024/03/30
"يوروفيجن" والعبء الإسرائيلي
كان أولي ألكسندر قد وقّع بياناً مندّداً بالإبادة في غزة... لكنه رفض الانسحاب من "يوروفيجن" 2024 حيث يمثل بريطانيا
increase حجم الخط decrease
"نحن نشاركك القناعة بالمتعة الكويرية التي قدمتها من خلال موسيقاك، ونشاركك إيمانك بالتحرر الجماعي للكل. ومن هذا المنطلق، نطلب منك الاستجابة للدعوة الفلسطينية للانسحاب من مسابقة يوروفيجن... لا يمكن أن نحتفل مع دولة ترتكب الفصل العنصري والإبادة الجماعية".

وقّع أكثر من 450 من الفنانين والمنظمات والأفراد الكويريين، على بيان يدعو المغني البريطاني، أولي ألكسندر، إلى مقاطعة منافسات هذا العام من مسابقة "يوروفيجن"، تضامناً مع غزة. البيان الذي نشره حساب "كويريون من أجل فلسطين" في منصة إنستغرام، لا يكتفي بالمناشدة، بل يغمس أيدي المشاركين في المسابقة الأوروبية في دماء رمزية، فـ"إدراج إسرائيل من شأنه أن يمكّنها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها، ويغطي عليها".

في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وقبل اختياره لتمثيل المملكة المتحدة في المسابقة، وقّع ألكسندر نفسه على بيان يندّد بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. وعلاوة على البيان الكويري، وقّع أكثر من ألف فنان سويدي على عريضة تطالب بحرمان إسرائيل من المشاركة في المنافسات النهائية المزمع عقدها في مدينة مالمو، جنوبي السويد، في 11 من أيار/مايو المقبل. وفي بيان منفصل، وقّع 1400 من العاملين في الحقل الموسيقي الفنلندي على دعوة مماثلة. في النهاية، رفض ألكسندر، مع عدد آخر من المشاركين، الاستجابة لدعوات الانسحاب. لكن، في العاصمة البريطانية، أعلن "يوروفيجن لندن"، وهو أكبر حفلة لعرض المنافسة الغنائية، إلغاء نسختها هذا العام بسبب مشاركة إسرائيل.

"يوروفيجن"، الجدير بلقب كأس العالم للأغنية الرخيصة، يشبه أوروبا جداً، أو على الأقل نسخة تجارية من الفكرة الأوروبية. تتمدد المسابقة التي ينظمها الاتحاد الأوروبي للبث الإذاعي والتلفزيوني، إلى خارج الحدود الجغرافية للقارة، لتشمل، بالإضافة إلى إسرائيل، أستراليا وأذربيجان، أي دائرة موسعة للمشروع الأوروبي لا تلتزم بحدوده المادية حرفياً. والجدير بالذكر أن المغرب كان البلد العربي الوحيد الذي شارك في المنافسة، وذلك في العام 1980، وقرر بعدها عدم المشاركة أبداً بعد نتائج التصويت الهزيلة التي حصلت عليها الأغنية المغربية من الجمهور.

والمسابقة الأوروبية السنوية، ديموقراطية كما أوروبا نفسها. فاختيار الفائز يتم عبر تصويت المشاهدين في البيوت، وتظل هذه الديموقراطية القاعدية مكلفة قليلاً، فمكالمة التصويت أو الرسالة النصية تكلّف تسعيرة إضافية على كلفة الاتصالات العادية. وفي العام الماضي، أدخلت إدارة المسابقة تعديلاً يسمح للجمهور من بقية العالم، بالمشاركة في التصويت، وإن كانت بلدانهم لا تستطيع المنافسة. هكذا، مثل الفكرة الأوروبية، على الجميع أن يشعروا إنهم أطراف فيها، لكن من بعيد، من دون أن تتاح لهم فرصة الفوز أو حتى الخسارة.

أوروبا المسابقة، على مثال أوروبا القارة، ترسمها حدود السياسة وتقلباتها، ولا يستطيع المشاهدون من دول خاضعة للعقوبات الغربية، التصويت، ببساطة لأن نظام الدفع اللازم لإجراء التصويت لا يعمل هناك. ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، حُرمت روسيا من المشاركة في المنافسات، ومعها بيلاروسيا. الدعوات لاتخاذ إجراء مماثل ضد إسرائيل، على خلفية الحرب في غزة تجاهلها اتحاد البث الأوروبي. من جهتها، سعت إسرائيل إلى تحويل المسابقة منصة لترويج دعاياتها بشأن الحرب، وقدمت أغنية تحمل عنوان "أمطار أكتوبر" للمنافسة بها. وبين رفض المنظمين لتضمين إشارات سياسية في الأغاني المشاركة، وتهديد إسرائيل بالانسحاب من المسابقة، كان على الرئيس الإسرائيلي التدخل بنفسه لتتم مراجعة كلمات الأغنية فتُناسب اشتراطات المسابقة.

في ظل المذبحة الدائرة في غزة، تشعر أوروبا السياسية، ومعها أوروبا الأغنية، بثقل العبء الإسرائيلي. فقد سببت استضافة تل أبيب لحفلة المسابقة، في العام 2019، صداعاً غير ضروري للمنظمين. وجاء رفع الفريق الإيسلندي لعلم فلسطين في تلك الدورة، وتغريمه من قبل الاتحاد البث الأوروبي بعدها، بمثابة تشويش بقي تحت السيطرة. لكن، في دورة هذا العام في مالمو، وكَون المسابقة هي أول مناسبة عالمية تشارك فيها إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة، ومع تصاعد الغضب حول العالم مما يجري، يتوقع المنظمون احتجاجات خارج القاعة حيث تعقد المسابقة، وداخلها أيضاً، سواء من الجمهور أو حتى بعض المشاركين. هذا غير دعوات مقاطعة المشاهدة، المتزايدة بين الجمهور.

في يوروفيجن، كما في أوروبا السياسية، تظل المؤسسة وفية لتضمين إسرائيل داخل السياج الأوروبي، لكن دائرة الرفض الجماهيري من الأسفل تواصل الاتساع، وبشكل لم يعد ممكناً تجاهله.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها