الإثنين 2023/09/18

آخر تحديث: 14:05 (بيروت)

جديد "طنجرة ضغط".... أسئلة الوجود والموت والحرية

الإثنين 2023/09/18
increase حجم الخط decrease
تتصدّر فرقة طنجرة ضغط"، التجارب الموسيقية االقادرة على عكس الموضوعات المستجدة والأسئلة الجمعية والفردية في سوريا، من دون أن تقع في المباشرة السياسية أو الشعارات الاجتماعية، بل حافظت في كلمات أغانيها على الرمزية، الشعرية، والسخرية في معالجة تيمات ملحة في وجدان الجمهور. 

وفي ألبومها الأول وهو بعنوان (180 درجة، 2014)، عكست بالكلمات عوالم الضغط، والقلق، وأسئلة النضال السياسي والعنف التي يعيشها المجتمع السوري. في أغنية "تحت الضغط"، يعبّر اللحن عن حالة الفرد السوري المنهك من الضغوط في مختلف نواحيها الاجتماعية والسياسية والجنسية، والأغنية أيضاً تطرح موضوعة المصير المفروض على الفرد بالتحول إلى السلاح والقتال، وترصد لقطات شعرية في توصيف العنف السائد: "صغير ما بستاهل ترموني بالقنابل، في خبر يبدو عاجل عن حالي ماني سائل، أني ألعب ممنوع أني ألعب ممنوع، ليه قدري كون مقاتل؟".


تظهر حرية التعبير كواحدة من هواجس التأليف الغنائي في الإنتاج الموسيقي للفرقة، ويتجلى ذلك في أكثر من أغنية، أبرزها بعنوان "تنفيسة"، وتدعو إلى التعاضد بين الإنسان والآخر في محاولة التعبير المشترك عن المصائر المشتركة: "فيك العقل والروح، اسمك انسان، صوتك واطي بلش غني، بحكي عنك بتحكي عني، بحمل همك بتحمل همي، اسمك نفسو هو اسمي، قصتك شكلا بتشبه قصتي، صوتك شكلو بيشبه غصتي، ضغطك شكلو بيشبه ضغطي يا ضغطي".

وترتبط أيضاً أغنية "بديل" بموضوعة التعبير، وكأنها تعالجه على المستوى الذهني والنفسي: "من لما حطيت راسي نام عمخدتي، وأفكاري تروح وتيجي مشتتة، في بقيدي قلم وورقة وما بيهمني، بقدر اكتب عليا بس شو مستني، أني لاقي بديل"، وتعالج أيضاً موضوعة حرية التعبير على المستوى الرقابي والمرتبط بالخوف: "بس احكي لي بقلبي مستحيل، من لما خلقنا ونحنا منخاف نحكي، عن حالنا وحال الناس يلي بتشتكي، يلي بتشكي لمين". ويمكن أيضاً تتبع الدعوة إلى التعبير والتغيير في تجاور كلمات أغنية "وحياتك" المكتوبة بأسلوب الحوار بين أنا المغني والآخر: "وحياتك مارح هدي، رح طلع كلشي عندي، لا تقلي ما بدك بدي، بدي شو ببدي، وحياتك مارح هدي، رح غير كل شي عندي". وتعود الدعوة إلى التغيير وكسر أطر الصمت والخوف في أغنية "لا تخاف" التي تحمل في عنوانها دعوة إلى ذلك، بالإضافة إلى تطرق الأغنية إلى حضور الموت في المجتمع السوري: "أغلب وقتك عم تلعب زهر، وصار الوقت وما عاد في أمر، ولسا بدك ياني بعد خاف، لا تخاف، صرخت أمنا وانهار القصر، نزلو يشيعو عصلاة العصر، باسو الأرض وعرضنا الكتاف، لا تخاف".


الأغنية الأخيرة في الألبوم الأول، تعبّر عن المزج الذي تحققه كلمات الفرقة الموسيقية بين الشعرية والسياسية، بعنوان "يا رمادي"، فتتأتي الشعرية في التلاعب على فكرة اللون الذي يرمز إلى فئة سياسية سورية، فالمفردة "مادي" استعملت لوصف الفئة الإجتماعية التي لا تحمل رأياً سياسياً إزاء الأحداث السورية منذ الثورة إلى الحرب، وهنا تلعب كلمات الأغنية بين السخرية والرمز السياسي على تغيرات الألوان ودلالتها المضمرة، والأغنية دعوة إلى اتخاذ قرار في الفاعلية حيال التغير الذي يعيشه الوطن في مقابل التغير التي تعيشه الكرة الأرضية: "خلقنا لحالنا وصمة عار والتاريخ عم يكتب، والعالم مستغرقة كيف تحمل حالا وتهرب، ما الأبيض عم يخونك والأسود عم يخونك، لكوني بالوسط رمادي لونك، دورك تفكر شو لونك تقرر، وتبدأ تتعايش مع ألوان يلي حولك، ما كان عنا فكرة ولا عم نتصور، أنو الكرة الأرضية عم تبلش تتطور، ما عاد فينا نستنا". وتصور الفقرة الأخيرة من الأغنية صورة وحشية قاسية عن القمع لحرية التعبير وكذلك عن انعدام التعاضد في المجتمع الواحد: "مستقبلنا يلي ضاع بين أيدين الرعاع، يلي خلونا نفكر أنو نحنا مننشرا ومننباع، ما الكبير بيقلك خراس سد بوزك يلا بلاع، وأنت من الشبع عم تستفرغ ع أخوك يلي جاع".

الإغتراب والهامشية
يأخذنا ألبوم الفرقة الجديد بعنوان "مريض" إلى عوالم أكثر ارتباطاً بالذاتية، والموضوعات الوجودية، والإغتراب بين الفرد والمحيط، فيذكر عنوان الألبوم بأجواء الأدب الوجودي من "الغريب" لألبير كامو  إلى "الغثيان" لجان بول سارتر، وكذلك الأغاني الوجدانية الباحثة عن كلمات تعبيرية لحالات ذهنية ونفسية. فبعد مقدمة موسيقية الكترونية من خمس دقائق، تأتي الأغنية التي يحمل الألبوم عنوانها "مريض" وتوحي المقدمة فيها بافتتاحية رواية "الجحيم" هنري باربوس، فالشخصية الإنعزالية في عالم غير مفهوم، تجمع بين حالة الهامشية والإغتراب، ثم تقدّم كلمات المغني اعترافاً بالمرض باعتباره وصفاً للحالة الشخصية، ويأتي سؤال الأنا عن موقعها في العالم في كلمات الأغنية قبل التحول للتطرق إلى حالة الأنين تحت الصمت، والاعتقال في عمق السجن: "من بعيد كل شي غريب، فكرة كوني بحالة الحضيض من راسي ما عم تتطلع، مريض كتبتها ع جبيني بالخط العريض لحتى توضح وتسطع، مرضي هو العالم يلي عايش فيه، أنا مين هل أنا شخص هيك واقف ع اليمين ولا عايش بالهامش الحزين، براسي نغمة أنين، سجين ومغمض عيوني من السديم، مرضي هو العالم يلي عايش فيه".

يتابع عنوان الأغنية التالية "غريب"، التأكيد على التأويل المرتبط بالموضوعات الوجودية، كما تذكر بالأغنية المميزة لفرقة (راديو هيد Greep)، وهي أيضاً تجمع مثلها بين مشاعر الغربة والحزن والتعبير الوجداني: "غريب كيف أوصفلك، حزين وعم يرقصلك". لكن الأغنية تتحول في فقراتها الأخيرة إلى موضوعة جديدة تماماً، في التعبير عن الفقدان الذي عاشته العائلات السورية لأبنائها وبناتها في ظل انتشار الموت والحرب، فتوصّف الأغنية حالة أمّ مسحورة ومأخوذة في صورة ابنها الراحل، كأنها تعيش التعلق المستمر بأمل مستحيل. وهنا، ومما لا شك فيه، أن أغنيات الفرقة الموسيقية تدين الحرب بشكل متكرر، ومن نماذجها أغنية "حلم إنسان" التي تعكس صعوبة دفاع الإنسان عن إيمانه بالسلم في وجه تيار الحرب السائد: "حلمي بأرض الواقع صورة بتلاحقني، إني ضلني مآمن بنص الحرب في سلام".


وتضيف أغنية "لا تتطلع لورا"، كلمات وأسلوب فلسفي في كتابات أغاني الألبوم، فتحضر مفردات الداخل والخارج، الأفكار الأفعال، والسؤال والمعرفة، لكن الأغنية أيضاً تحمل دعوة إلى التقدّم، إلى التغيير، إلى التعبير: "أعمالك نتيجة أفكارك، وأفكارك بنيتها براسك، لو قادر تطلع من برا، رح تعرف مو نفسو اللي جوا، طب ليش؟ منيح بتسأل لتعرف، لا تطلع لورا تطلع لقدام، وحياتك ما رح هدي رح طلع كل شي عندي". ويتواصل هذا الأسلوب الفلسفي المركب في حالة من السجع والإلقاء الإرتجالي ليسيطر في أغنية "مستطيل" عن سؤال الوجود، عن الموت الحاضر في كحل العين، وعن دعوة جديدة إلى التعبير في نهاية الأغنية: "فتحنا باب المحيط لنستفيد وتفيد، وأنك تتذكر ليش موجود، توفي عمك وبكينا وضحكنا بعدا، تفرج علينا هيك شكلنا مستطيل، عضام أجدادك صارو كحلة عين، منعرف نحكي والكلمة سهلة كتير".

رغم محاولات التعبير عن موضوعات المأساة، الهامشية، والإغتراب وأسئلة الموت، إلا أن كلمات أغاني الألبوم تحمل دعوة مستمرة إلى التغيير والتعبير وإلى الأمل في المستقبل والفاعلية، كما هي كلمات أغنية "طبل العيد"، حيث، وبأسلوب سجع ساخر يذكر بنوع غناء المونولوجات العربية الساخرة والراوية للحكايات، يصبح طبل العيد في الأغنية رمزاً إلى الفاعلية وإلى الاعتقاد بإمكانية المستقبل: "غمق فتح هيك السما رزقا وهيك لونا، هالحل لكسر الزيف نرسم عالوجه رغيف، لننام بسلام؟ تعصبنا للتصنيف تشكل فينا العنيف، لنضيع لنضيع لنضيع، غسل ضمض جراحك عليه دبكة دلعونا، بكرا لنهار جديد منززل بطبل العيد لنعيد.

(*) أعضاء الفرقة: خالد عمران-غناء وغيتار باص، طارق خلقي-غناء وغيتار الكتروني، داني شكري-درامز.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها