الأحد 2023/08/13

آخر تحديث: 08:43 (بيروت)

شاكر الأنباري..منشورات"نجمة"فضاء عربي للكتب الرقمية

الأحد 2023/08/13
شاكر الأنباري..منشورات"نجمة"فضاء عربي للكتب الرقمية
إنشاء دار نشر إلكترونية لا يأتي ردة فعل، إنما هو مشروع شخصي رؤيوي
increase حجم الخط decrease
"نجمة" دار نشر إلكترونية مجانية التوزيع في بلاد الاغتراب، أسسها حديثاً الروائي العراقي شاكر الأنباري في كوبنهاغن لديمومة القراءة خارج الطقس الورقي وهروباً من النشر التقليدي القائم أحياناً على الجشع. أصدرتْ "نجمة" ثلاثة كتب حتى الآن، وستعلن عن نفسها قريباً مع شروط النشر فيها وطرق التواصل. هنا حوار لـ"المدن" حول الدار وأفقها ومشروعها في خضم تحولات النشر بين الورقي والإلكتروني مع شاكر الأنباري.

- ما الدافع إلى إنشاء دار نشر إلكترونية الآن، هل هو مشروع مجاني غايته نشر الأدب والترجمات فحسب، أم يطمح إلى ما هو أبعد من ذلك؟
 النشر الإلكتروني بدأ يسود في معظم دول العالم، ونحن نشاهد يومياً إغلاق الصحف العريقة والمجلات المعروفة لمكاتبها كي تتحوّل إلى صحف ومجلات إلكترونية. وهذا يسري أيضاً على الكتاب، فعن طريق "النت" يمكن للشخص الحصول على أي إصدار يخطر على البال، سواء الإصدارات الحديثة أو القديمة. هذا هو فضاء الحضارة الرقمية، ولا يمكن لنا ككتّاب عرب، أو قراء، أن نبقى بمعزل عن هذا التطوّر. وتظل فكرة إشاعة المعرفة طموح كل مثقف جاد، واليوم لدى البشر وسائل سهلة لإنجاز هذا الحلم. من هنا أهمية النشر الإلكتروني العابر للحدود، والثقافات، والرقابة. هي كذلك وقفة جادّة للحفاظ على البيئة النباتية، وتقليص التلوث، فالورق يستهلك ملايين الأشجار والأخشاب والبترول، والمحروقات عامة، وكل ذلك يشكّل كارثة على الكرة الأرضية.


- هل بات الكتاب الورقي في مرحلة اللاجدوى؟
إذا ما قارنا بين الكتاب الورقي والإلكتروني فسوف نجد أنّ الكتاب الورقي محدود في توزيعه، في بلداننا العربية خاصة، باعتبار أننا نتحدّث هنا عن الكتاب التقليدي. هناك آلاف المدن، والبلدات، والقرى العربية، لمْ يعد يصلها أي معرض أو مكتبة أو حتى صحيفة ورقية بسبب الجهل العلمي، والثقافي، والحروب، والتخلّف الحضاري. بينما يصل الكتاب الرقمي بسهولة فائقة، ولا يحتاج إلى شاحنات لنقل الكتب، أو أبنية مكتبية للخزن، وهو يتجاوز الرقابة الدينية الفجّة، والرقابة الاجتماعية والسياسية لشرطة الأخلاق والوصاية على العقول. والكتاب الورقي يحمّل الناشر تكاليف باهظة، من ورقٍ وطباعة ونقل وتسويق، وسيتحمل المشتري، القارئ، كل تلك التكاليف. في حين يختصر الكتاب الإلكتروني أعباء صناعة الاصدار إلى الصفر تقريباً. هذا عدا عن ديمقراطية النشر، فبإمكان أي مختص أو محترف للثقافة الرقمية أن يتحول إلى ناشر إلكتروني.
- هل إنشاء "نجمة"، أتى كرد فعل على التعاطي السلبي من قبل أصحاب الدور معك، ومع نشر كتبك وتوزيعها؟
  إنشاء دار نشر إلكترونية لا يأتي ردة فعل، إنما هو مشروع شخصي رؤيوي حول عالمنا المعاصر، ولتجريب نمط آخر من الثقافة الرقمية، تتجاوز اشتراطات دور النشر ومواصفاتها. والقضية ليست شخصية إنما جاءت كفهمٍ للتطور الحاصل في العالم. وتجربتي مع دور النشر التي طبعت كتبي لم تكن سلبية، بل ساهمت في نشر وتسويق حوالي عشرين كتاباً لي. تحويل مؤلفاتي إلى مؤلفات رقمية ساهم في انتشارها وتداولها على "النت" ومواقع النشر الإلكترونية، وهناك ما يقرب الثمانية عشر كتاباً لي منشورة رقميا على "النت"، وقد سجّل أحد المواقع تنزيل ما يقرب العشرين ألف نسخة منها خلال ثلاث سنوات فقط. وهذا رقم اعتبره جيداً، عدا عن بقاء الكتب تلك ما بقيت التقنية الرقمية على الكرة الأرضية. بمعنى خلود الإصدار الرقمي واندثار الكتاب الورقي. وهذا ما تسير نحوه البشرية. نحن نكتب الكتب على الهواء إذن، وتبقى ما بقيت حياتنا على الأرض. وهي عملية يوتوبية تشبه الخرافات، فكما حلم بورخيس بكتاب لا نهائي الصفحات، كذلك الأمر مع الكتاب الإلكتروني. تمسك بجهاز القراءة، وهو جهاز ثابت تستطيع بكبسة صغيرة أن تغير من مضامين القراءة بلحظات، فتتنقل بين كتب الأدب والتاريخ والفلسفة والسياسة. بين كتاب ملحمة جلجامش القادم من قبل آلاف السنين وبين آخر ما أصدره ابراهيم الكوني ومحمد خضير وبول أوستر. وأنت طبعاً تجلس مسترخياً في سريرك، تحدّق من النافذة إلى فراشات الحديقة. 


- هل ثمّة دعم تتلقاه من جهات مانحة لإنشاء الدار؟
  ليس هناك دعم للدار. فعملية النشر لا تكلف سوى الوقت والتركيز والجهد. ليس هناك تكاليف ورق، أو طباعة، أو نقل، أو ضرائب. هناك مبالغ بسيطة جدا تدفعها الدار للمصحح والمحرّر والمصمّم، ولا تتجاوز الثلاثمائة دولار، أو أكثر بقليل، وتستوفيها من صاحب المخطوط. وتقوم الدار بالترويج للكتاب في مواقع النت الإلكترونية للكتب، والصحافة، ومع أصدقائها من المهتمين بالثقافة والنشر.

- كيف تمّ ويتم اختيار الأعمال التي نشرتْ أو التي ستنشر في دار "نجمة"؟
عبر علاقات هيئة التحرير بالكتّاب، وتتم في البداية قراءة المخطوط إن كان يتلاءم مع سوية منشورات الدار أم لا، ثم يجري البدء بعملية التحرير والتصحيح واختيار الغلاف وتصميمه. ونحن نهتم بالرسم التشكيلي لذلك فأغلب الأغلفة ترتكز على لوحة تشكيلية سواء عربية أو عالمية. ونحاول تقديم الطباعة بأبسط ما يكون، شكلاً وتصميماً. المعرفة هي التي تقدم نفسها من دون بهرجة تصميمية كما يحاول الكتاب الورقي القيام به لجذب نظر مشاهد ما، يتجوّل في ممرات معارض الكتب. وفي بعض الأحيان لا ينسجم شكل الغلاف الجميل مع مضمونه الساذج، والهابط.


- ما الخطوط العريضة للعناوين التي ستنشر، هل ستهتم بمختلف الأجناس الأدبية (رواية، شعر، مسرح، قصة) والفلسفية والتراثية؟
 كل مادّة قيّمة يمكن نشرها، المضمون هو ما يحكم عملية النشر، سواء في القصة والشعر والرواية، أو النقد والترجمة الأدبية، عدا عن رفض طباعة ما مطبوع سابقاً. فالدار تفضل المخطوط غير المطبوع. هيئة التحرير هي التي تقرّر صلاحية المادة، هناك النوع، ثم الرصانة الأسلوبية، ثم ندرة الأخطاء النحوية والإملائية.


- أصدرت مجموعة كبيرة من الروايات والكتب، وتعاونت مع الكثير من دور النشر العربية، ما ملاحظتك على دور النشر عموماً، هل تقاضيت حقوقك ككاتب يوماً، هل كنت تدفع من أجل النشر؟
 دور النشر ليست على سوية واحدة. تختلف بين بلد عربي وآخر، ومعظمها تهتم بتحقيق أرباح للدار، وتحاول أن لا تخترق محرّمات الثقافة العربية الرسمية. لأنها ستحرم من المشاركة في المعارض، وهي وسيلة بيعها الوحيدة في العقود الأخيرة. الناشر الذي يكسر الخطوط الحمر للبلدان العربية، وهي تقريباً متفقة على تلك الخطوط، يحاصر، ويبعد من التأثير والمشاركة في المعارض والمهرجانات الجادة. شخصياً أصدرتُ أكثر من عشرين كتاباً حتى الآن، وتعاملتُ خلال هذه الرحلة الطويلة من الكتابة مع دار الكنوز الأدبية التي أسسها الراحل البحريني عبد الرحمن النعيمي، وقد أغلقت اليوم، ودار المدى العراقية، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، ودار التكوين الدمشقية، ووزارة الثقافة السورية "قبل الثورة"، ومعهد الدراسات الاستراتيجية العراقي في بيروت الذي كان يديره الراحل فالح عبد الجبار. ثم منشورات الجمل، ومنشورات المتوسط، ودار تأويل، وأخيراً دار سطور العراقية. بعض مطبوعاتي تمت بدفع مبالغ معينة، خاصة في بداية الرحلة، وأخرى تبنت دار النشر طباعتها. بعضها بعقود وأخرى من دون عقود. لكن ليس هناك أي مردود من النشر، وهذه حالة معظم الكتّاب العرب. 

 
- في رأيك ما مستقبل الكتاب بعد ظاهرة الذكاء الاصطناعي وشبحيته؟
 الوجهة هي الكتاب الإلكتروني، لسهولة الطباعة، والتسويق، وقلّة التكاليف. وهو ما يمكن تسميته بالناشر الشخصي، مثل ظاهرة الفايسبوك التي منحت الجميع فرصة التحوّل إلى صحافيين وكتاب وفنانين، وهي ظاهرة فرضها التطور البشري. وربما سينقل الذكاء الاصطناعي البشرية لاحقا إلى مرحلة جديدة من الوعي، مثل الإنترنت وأدوات التواصل الاجتماعي حين دخلت التداول. وتطوّر العقل البشري لا يمكن الوقوف أمام ابتكاراته، وهي اليوم ابتكارات غريبة. لكنها غدا ستكون مألوفة، خاصة والبشرية تقفز صاروخياً إلى الاكتشاف والمغامرة. ولكن تلك المغامرة، في الوقت ذاته، قد تقود الجنس البشري إلى حتفه. العلم سلاح ذو حدين كما هو معروف. يحمل الموت والحياة، التعب والراحة، السعادة والتعاسة، وأحياناً يصعب التحكم في الخيارات.


- في رأيك، هل انتهى زمن مركزية بعض العواصم العربية في النشر، لمصلحة المؤسسات الفردية، إذ بات هناك عشرات دور النشر العربية في بلدان أجنبية(النرويج، السويد، فرنسا، انكلترا، تركيا)، وفي بلدان عربية بقيت حتى وقت قريب بعيدة عن النشاطات الثقافية؟
عملية النشر لم تعد تقتصر على بلد عربي بعينه، عدا عن انتشارها في بلدان أخرى بعيدة عن القارئ. وحتى معارض الكتب نجدها في الدول الإسكندنافية، وألمانيا في معرض فرانكفورت، وفي لندن وباريس، وتركيا، وبلدان أخرى. وهذا يعني اختفاء مركزية دولة النشر المتعارف عليها سابقاً في عقود التخلّف العربي والعزلة التي سبحنا فيها قرورنا وقرونا. نحن اليوم في وسط الحضارة الرقمية، التي هدمت الحدود والهوية والأديان والخصوصيات. وأمام تنامي حركة القراءة الإلكترونية عبر النت وواقع الكتب الإلكترونية ينبغي أن نتقبّل حقيقة أننا أما نواكب القراءة والنشر الإلكترونيين، أو نتخلف عن مسيرة الحضارة. أنا على سبيل المثال لم أشتر كتاباً ورقياً منذ عشر سنوات، لكن مكتبتي الرقمية على جهاز "التابليت" مليئة بالكتب. آخر الإصدارات الورقية، وكتب التراث، والمذكرات، وكتب الفن، والروايات، عربية، وأجنبية مترجمة. كل شيء، كل شيء. إن آخر ما تضخّه المطابع الورقية سرعان ما يتحوّل إلى كتاب رقمي أجده بين يديّ. وأنا أقرأ بنهم، وبشكل يومي، مستلقياً على سريري، محدقا في الفراشة التي تطير في الحديقة. الفراشة البيضاء، الصغيرة، الناعمة، التي لا تبعد عن القطب الشمالي سوى بضعة آلاف من الكيلومترات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها