السبت 2018/02/10

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

ثقافة الانتخابات: ليس لدى السياسيين ما يقولونه

السبت 2018/02/10
ثقافة الانتخابات: ليس لدى السياسيين ما يقولونه
لولا الخجل لربما أجّلوا الانتخابات مرة ثالثة.
increase حجم الخط decrease
لم أفكر يوماً في الاقتراع لمرشّح أو سياسي في الانتخابات النيابية اللبنانية، وربما لن أقترع في المستقبل، إذا بقي لبنان على هذه الصورة، وعلى هذه السياسة، وستزداد الصورة قتامة مع التبشير بأن لبنان انتقل من بلد الأرز إلى "نادي الدول النفطية". لم أقترع، ولم أخسر شيئاً من امتناعي عن الاقتراع، ولم ولن أندم، طالما أنه في سنوات الوصاية السورية كان المقترِع المخابراتي واحداً لا شريك له، والنتيجة مألوفة، وقررات النواب تحاك في مكان آخر خارج حرم المجلس النيابي... وفي دورتَي ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005، كانت الانتخابات جزءاً وقحاً من عملية تكريس الانقسام العبثي بين اللبنانيين. وفي المحصلة، وإن خرج النظام السوري، ظلّت القرارات المصيرية في مجلس النواب تحاك في مكان ما من "عواصم القرار"، وربما في حارة حريك.

لست متشائماً، لكني أشعر بهوة عميقة بيني وبين السياسيين... واليوم، على أبواب الانتخابات النيابية الجديدة بعد تأجيلين، أحسب أننا سنعيش في فكرة التكرار الممل، بين المايسترو الواحد والفرقة المتعددة... منذ اتفاق الطائف، يُفصّل القانون على قياس المايسترو، أو بمقص المايسترو، أو كما يريده المايسترو الإقليمي(السوري) أو المحلي - الإقليمي (حزب الله)، وتكون الانتخابات نوعاً من الاحتفال بالنتيجة أو كرنفالاً للعصبيات الضيقة، العائلية والمناطقية والضيعجية والطائفية. واذا كانت الانتخابات ليست في صالح المايسترو، يلجأ الى إبطال مفعولها بشتى الوسائل والطرق والأدوات، كما حصل في انتخابات 2005 و2009. لا ندري ماذا سيفعل المايسترو في زمن القانون النسبي الذي فرضه، كل الدلائل تشير إلى أنه يريد تثبيت وظيفته كمدير دائم الفرقة اللبنانية بشتى اطيافها.

على أبواب الانتخابات، احسب أنه ليس لدى السياسيين ما يقولونه. معظم شعاراتهم العريضة أصبح منتهي الصلاحية، سواء تلك التي تنادي بالسيادة والحرية، أو تلك التي تؤبد مشروع المقاومة بطريقة ميتافيزقية. أفكارهم "غير مطابقة للمواصفات". ولولا الخجل، لربما أجّلوا الانتخابات مرة ثالثة. كل الشعارات الباقية المنتشرة توحي وكأننا في كرنفال، لا أحد يملك مشروعاً انتخابياً، لا أحد لديه أفكار للدولة ومشروعها بقدر ما لديه طموح لنفسه وذاته، لا أحد لديه رؤية لحل منطقي في قضايا النفايات أو توظيفات الدولة أو الفساد أو التلوث أو العمران العشوائي أو حتى الخلل في التمثيل السياسي أو الخلل في السجون والتوقيفات...

فالعابر في شوارع بيروت لا بدّ أن يلاحظ ملحمة فؤاد مخزومي السياسية "لبنان حرزان". هذا الشعار ربما سيدرَّس في الجامعات في المستقبل. أو زجلية التيار الوطني الحر "مكملين، ما في شي بيوقفنا، التيار القوي"، أو "مستمرون على ثوابت الحريري" التي ترافق صور مرشحين في طرابلس، أو موال حزب الكتائب القائل بـ"نبض التغيير"، أو أغنية تيار المستقبل "للمستقبل عنوان حماية لبنان" (وهي مستلة من اعلانات "للسهر عنوان" وكأن التيار اصبح حفلة طرب)، أو حِكَم الرئيس نبيه بري "نريد لبنان الرسالة التي تعبّر عن صيغة العيش المشترك"، و"لبنان وطن العيش المشترك" و"الوحدة الوطنية أساس حفظ الوطن" وهي منشورة مع العلم اللبناني وصورته.

بين اعلانات حركة أمل وتيار المستقبل والكتائب والمخزومي والتيار الوطني وغيرهم، "خبيصة" من الشعارات، تفوح من بعضها رائحة الحرب والتحذير من الحرب، والاستنجاد للبقاء خارج لهيب الحرب، وكل فريق يدّعي أنه خشبة خلاص، وتفوح من البعض الآخر رائحة الهزل وسياسة أبو ملحم. فحركة أمل التي تريد "لبنان الرسالة"، وهي مقولة البابا يوحنا بولس الثاني، والتي "تعبّر عن صيغة العيش المشترك"، كانت قد خرجت للتو من الشوارع إثر التوتر على خلفية تصريحات جبران باسيل ضد بري ووصفه بـ"البلطجي". وبدا سلوك الحركة، بحسب أحد الأصدقاء، كأن مرآة سياستها هي حركة 6 شباط 1984. في المقابل، فإن مرآة سياسة التيار العوني هي حرب التحرير 1989. وأن يبرز الرئيس بري أقواله في "العيش المتشرك" و"الوحدة الوطنية"، فهذا إشارة الى أزمة، لا إلى "سويسرا الشرق". والسؤال: ماذا يخبئ الكلام عن العيش المشترك؟ خصوصاً حين نقرأ شعارات أخرى نشرت في الأحياء تقول: "نبيه بري... الأمر لك".

الخبيصة الأكبر تبدو عند تيار المستقبل. فعدا الأزمات المالية والأزمة مع السعودية والانشقاقات، يبدو التيار بلا قضية واضحة الآن. فهو الذي أجج جمهوره بشعارات عريضة بعد العام 2005، مثل بسط سلطة الدولة وتسليم السلاح غير الشرعي وترسيم الحدود. وبدا أخيراً كأنه يريد النجاة فحسب. استبدل شعارات "السيادة" بـ"الاستقرار"، وسط بحر من الخصوم والأعداء والطعنات والأزمات. بالمختصر، ليس لدى تيار المستقبل ما يقوله، فيما يعيش حزب الله مطمئناً لمقولة "ربط النزاع"، مع التذكير بأن البعض يتوهم أنه  المستقبل يصل إلى المجلس النيابي لمواجهة المشروع الإيراني، وفي الجوهر ليس "البعبع" الايراني سوي طريقة لبعض السياسيين لاستقطاب الجمهور...

أيضا ليس لدى التيار الوطني الحر من يحاربه، فهو أمضى سنوات وهو يتحدث عن مواصفات الرئيس القوي وقد أوصل مرشحه القوى، (وتبين أن القوة قد تتعطل أمام إمضاء)، وأمضى سنوات يتحدث عن حقوق المسيحيين، فاقتصرت القضية على تنفيعات للعونيين... وصل التيار إلى الحكم، فأصبحت شعاراته السابقة منتهية الصلاحية، لم يعد بامكانه التحشيد من خلال الحديث عن "القوات اللبنانية" التي ساهمت في ايصال عون إلى الكرسي، ولا اللعب على الغرائز الطائفية من خلال الهجوم على السنّة أو الدروز، ولا يجرؤ على الدخول بمواجهة مع حزب الله، وإن كان يغمز من قناة الرئيس بري، وهو من وقت لآخر يحاول تصوير النائب سامي الجميل كأنه شيطان يعثّر مسيرة العهد القوي. يدرك "التيار القوي" أن هذه الشيطنة غير مجدية، ويعي تماماً أنه لا يملك سوى "فلسفات" جبران باسيل التويترية، و"أفكار" نبيل نقولا التلفزيونية، وهي لا تبني قوة، ولا ترمم دولة، ولا تستعيد بشير الجميل.

وبين هذا وذاك، قال الشيخ نعيم قاسم إن شعار حزب الله الانتخابي هو "نحمي ونبني". هذا الحزب، بطريقة من الطرق، بالحرب في مواجهة اسرائيل وبالحرب في سوريا، بأرتال الشهداء والمال والتعبئة والتخويف من البعبع الإرهابي والاسرائيلي، استطاع أن يمسك بمسار الشيعة في لبنان إلى أجل غير مسمى. ثم ينشر الآن اعلاناً في الطرق، تحت عنوان "تجهيز مجاهد"، مع صورة لمقاتل يرفع علم حزب الله والعلم اللبناني، والشعار: "من جهّز غازياً فقد غزا"... والحال انه من خلال تجهيز المجاهدين، تتشكل سياسة المايسترو السياسي اللبناني، وعلى الفرقة الموسيقية السلام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها