الجمعة 2018/01/05

آخر تحديث: 13:02 (بيروت)

ريتشارد دوماس: العابث بالأيقونات

الجمعة 2018/01/05
ريتشارد دوماس: العابث بالأيقونات
كيت موس
increase حجم الخط decrease
بدأ ريتشارد دوماس (1961)  Richard DUMAS منذ نهاية السبعينيات يصوّر الموسيقيين وحفلاتهم والكواليس. ليصبح هذا الهاوي اليوم أحد أشهر مصوري البورتريه الفرنسيين (معرض بعنوان "هاوٍ" في غاليري "بولكا"- باريس).

يهمس: "أغمض عينيك". ينزع نظارتيه، يوجّه كاميرته نحو الشخص الحاضر أمامه. "أتأمّل الشكل العام أولاً، التفاصيل تأتي لاحقاً. نرى أولاً ما تغطى بالضوء وبالظل" يقول، مختصراً تقنيته التي إقتبسها عن كبار المعلمين من مصوري السينما في القرن الماضي. يصفه البعض بالكلاسيكي بينما يصعب على آخرين تصنيفه. يقولون: "إضاءته تميل إلى السواد، كتل منحوتة، لا مرادفات لغوية لها" ويكتفي آخرون بالقول "صوره ليست سوى توقيعه الذي درج عليه منذ أكثر من 40 عاماً، متأثراً بمصورين مثل ديان آربوس، هلموت نيوتن، إيرفنغ بن، وربما سينمائيين منهم: لينش، هيتشكوك، أنطونيوني، كيوبريك. يغرف ألغاز صوره من إبداعات أولئك العظماء. "النظر إلى الضوء بموضوعية، لا كما نتخيله، تلك هي العملية الأصعب. من دونها لا يمكننا أن نكون ذاتيين" قال. حريته المنتزعة من إجبار الأشخاص الذين يصورهم هي التي تهمه، هو المصور الذي يميل إلى الإقتراب من الوجوه، أو ما يسمى في الفوتوغرافيا المعاصرة "نماذج الروك" و"الوجوه الجامدة"، تحوّل صوره إلى أعمال استثنائية.

"بدأتُ تصوير الشخصيات التي أحبها،  لكنني لم ألتزم بذلك فقط. يرضيني أسلوبي طالما هو يعجب الآخرين."قلّد طريقة والده، هاوي التصوير. وجد تساؤلاته الشخصية في الموسيقى والتصوير، بعيداً عن معادلات الرياضيات التي تخصص بها. صوّر كواليس حفلات زميل دراسته إتيان داهو وفرقته في 1979. كان دوماس في تلك الفترة قد انقطع عن الدراسة، متأسفاً لكون أكثرية الأصدقاء قد تخلوا عن آرائهم لحساب أهواء شتى.

في 1990، انتقل إلى باريس حيث قابل كريستيان كوجول، مدير قسم التصوير في "ليبراسيون"، والذي أحدث ثورة في مهنة التصوير الصحفي، مردّداً أمام المصورين: "لا تأتمروا من كاتب صحافي يحلّل ما عليكم تصويره، أو يحرّم". دوما كان مؤمناً بقول للأميركي ريتشارد أفدون "الصورة هي موقف أيضاً".

يكره العمل المؤسساتي: لا مساعدين ولا معدات زائدة، ولا حتى استوديو ثابت. أغلب لقطاته يأخذها وجهاً لوجه مع من يختار من المشاهير وفي الأماكن التي يحددونها. لا يبق أمامه هو المتفلت من كثير من القيود سوى الدوران حول الشخص، حاملاً كاميرا متوسطة الحجم، مدركاً تساقطات الإضاءة على الوجوه وخلفياتها. يوجّه شخصياته كسينمائي. مبكراً، تخلى عما يحلم به كل مصور قبل يوم من موعد التصوير. لا شيء يقلقه. في الوقت المحدّد، سيكمن للصدفة وللمفاجئات غير المرضية.

في صوره كيث ريتشارد الذي طلب منه إعادة التصوير بعدما لمح أحد كاميراته؛ يدا الزوجة تسندان بحنان رأس السينمائي الإيطالي أنطونيوني المفلوج؛ دموع كايت موس؛ مايلز ديفيس الذي طالبه بخمسة آلاف دولار ثمناً لجلسة التصوير... إلى بورتريهات لا تحصى إنتهت على أغلفة إسطوانات مثيرة الفضائح.

"مقارباته وجدانية، حدسية، لا تهدف إلى تصوير بورتريه تسجّل أثراً بعد لقاء. المرحلة الأولى تجعل من هذا اللقاء ممكناً وغنياً."قال كريستيان كوجول. يفرض دوماس معدّل إيقاعه من دون علم الشخص الآخر، يطيل الوقت بصرامة ناعمة. للوقت قيمته عند دوماس، ما يفسّر قوة صوره المكونة من مساحات كبيرة من الظلال الحالكة واللحظات المعلّقة".

نتقبّل صوره دون أن نفتتن بها، وربما نتعرف فيها على جزء منا. "لا تظهر شخصية المصور في بورتريهات اليوم باستثناء صور دوماس" يقول الكاتب والمصور غيوم دو سارد. يرفض بعض معجبيه اختصار أعماله في خانة البورتريه الضيقة.

في زمن الرقمي، يصرّ دوماس على تقديم أعماله مطبوعة بالطريقة التقليدية ولو حملت بصمات الأصابع أو أثر القهوة. لكنها تبقى صوراً حيّة، يصر على لمسها كل من يود الحصول على صورة بتوقيعه. يستخدم الفيلم الأسود والأبيض، يطبع صوره بنفسه "المصور مؤلف موسيقي، ومن يطبع صوره هو عازف يؤدي نوطاته". يعترف بأنه طابع صور قبل أن يكون مصوراً: "ما يهمني هو تأليف موسيقاي، أي أفلامي، ومن ثم إعطائها إلى من يتولى عزفها، أي طبعها، وهو ما أفعله بنفسي".

يتساءل: "هل أنا مصوّر؟ في اليوم الذي أصبح فيه مصوراً أتوقف عن التصوير!". أمام كل وجه جديد يصوره، يتذكّر صورته الأولى التي أدركتها عينه.

غابت الكثير من الشخصيات التي صورها، ومن الأحياء من تقاعد بصمت. وجوه لم يترك دوماس العابث بالأيقونات من عظمتها سوى الأسماء فقط.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها