الجمعة 2017/09/29

آخر تحديث: 12:32 (بيروت)

"بلاي بوي" ماركيز ونابوكوف وجنبلاط وعرفات..

الجمعة 2017/09/29
"بلاي بوي" ماركيز ونابوكوف وجنبلاط وعرفات..
أسطورة العدد الأول
increase حجم الخط decrease
رحل هيو مارستون هيفنر، عن عمر يناهز 91 عامًا، وهو مؤسس مجلة "بلاي بوي" (أو الفتى اللعوب)، الأميركية الإباحية التي كان ينتظرها 7 ملايين شخص شهريًا في السبعينات، وشكلت ظاهرة من ظواهر القرن العشرين الميديائية والثقافية والاجتماعية الى جانب مارلين مونرو، بريجيت باردو، غيفارا، أيار 68، موسيقى الروك أند رول، الهيبيين وجيل "beat".

و"بلاي بوي" بدأ هيفنر نشرها من غرفة نومه أو مطبخه في ديسمبر 1953. رهن أثاثه كضمان للحصول على قرض، واقترض من العائلة والأصدقاء، لنشر العدد الأول، الذي تضمن صورًا لمارلين مونرو، وهي ترتدي فستاناً أسود لا يكشف سوى عن زوايا نهديها النافرين (اي الملابس التي ترتديها النساء اليوم حتى في الأماكن العامة). أثار ضجة كبرى آنذاك، ثم عُرض الغلاف الأصلي للبيع فحقق أرقاماً خيالية في المزاد. وصورُ مونرو "العارية" التقطت أصلاً لروزنامة العام 1949، وتقاضت عنها مارلين، خمسين دولاراً واشتراها هيفنر بـ200 دولار... هكذا كانت بدايات ظاهرة مجلة العاريات التي يتذكرها الملايين وقد تحلّقوا حول، ولهم ذكريات مضحكة مع تناولها في السر والعلن وفي المدرسة والبيت، كانت "رمزاً" للبصبصة إذا جاز التعبير... وفي 4 حزيران/يونيو1963، قُبض على هيفنز بتهمة للترويج للفحش، بعد مقال نشر في "بلاي بوي" يظهر فيه لقطات عارية للنجمة جين مانسفيلد، وتحولت القضية إلى المحكمة. وانتشرت المجلة في زمن ثقافة الجنس والتمرد والمخدرات والروك أند رول، حيث عدّها القراء نمطاً من أنماط الحياة الحديثة الحرة. وتحول لاحقاً رسم الأرنب وشعار المجلة، إلى علامة تجارية شهيرة للملابس والعطور والأحذية. وأكد هيفنر في مقابلة له العام 1992 مع مجلة "نيويورك تايمز" على افتخاره بعمله لأنه استطاع أن يغير مواقف المجتمع تجاه الجنس. وفي العام 2009، اشترى ضريحاً في مقبرة في لوس أنجلس إلى جانب قبر مارلين مونرو التي ظهرت على أول غلاف للمجلة. وظل هيفنر حتى وفاته محلاً لجدل لا ينتهي، بين من يعتبرونه "أباً للثورة الجنسية"، ومن يعتبرونه "مجرد قذر"، وآخرين يعدونه "ناشراً تنويرياً، جعل من العري قضية جمالية"، ومنهم من يعتقد أنه "رسخ قضية استخدام المرأة كسلعة جنسية في الإعلام"... ولطالما تعرضت المجلة لانتقاد الحركات النسوية، لناحية تحويلها المرأة إلى كائن للمتعة الجنسية، وأيضاً أحدثت مشاكل بسبب صورها في بعض البلدان مثل المغرب وأندونيسيا...

وفي حصيلة "بلاي بوي" أنها نشرت في غلافها، صوراً لأشهر نجمات هوليوود والسينما العالمية والمجتمع المخملي والمشاهير، مثل درو باريمور ومادونا، وتعدّ نقطة انطلاق للكثيرات نحو عالم الشهرة، مثل جيني مكارثي وآنا نيكول سميث، وظهرت باميلا أندرسون في 13 عدداً مختلفاً من أعدادها. ولمن يظن بأن المجلة كانت مجرد مطبوعة إباحية، ولا أهمية لها من حيث إثراء الثقافة في العالم، فهذه بعض الأسماء المعروفة التي كتبت في صفحات تلك المجلة "الماجنة": هنتر طومسون، جون أبدايك، إيان فليمينغ، جوزيف هيلر، غابرييل غارسيا ماركيز، مارغريت أتوود، جاك كيرواك، كورت فونيجوت، وراي برادبري...

وإلى جانب صور النساء شبه العاريات تماماً، فإن "بلاي بوي" أجرت حوارات مع العديد من الشخصيات المؤثرة، سواء على الصعيد السياسي أو الفني أو الثقافي أو الاقتصادي حول العالم، منهم مارتن لوثر كينغ الذي تحدث عن دعاوى التطرف، وسرد قصصاً مثيرة من طفولته، إضافة إلى مؤسس شركة "آبل"، ستيف جوبز، في العام 1985، حينما تحدث عن الإنترنت، ذاك الاختراع المبهر في ذلك الوقت، وعن آماله المستقبلية. وقبله، في العام 1984، تحدث الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط للمجلة عن الحرب الأهلية اللبنانية. وقال: "والدي وجدّي قُتلا، إنه تقليد عائلي، كما قُتل جدّ جدّي أيضاً، إن القليل من عائلة جنبلاط ماتوا ميتة عادية خلال 300 سنة. أنا مهتم بعشيرتي وأولادي، فحتى لو كانت الحياة لا تعني لي شيئاً، فإنها تعني لهم، إنهم ينتظرون شيئاً مني، لهذا التفاوض ليس عبثياً، بل نكسب وقتاً من خلاله". وظلّت مقابلة وليد جنبلاط "أيقونة" في ذهن الكثير من الإعلاميين اللبنانيين، فحين يتحدثون عن جنبلاط وثقافته وتحولاته السياسية، لا بدّ أن يذكروا مقابلته الشهيرة مع "بلاي بوي"، على اعتبار أن وليد جنبلاط السياسي والتقدمي الاشتراكي، خرق ذلك العالم الذي يتسم بالعريّ والإثارة..
وأجرت "بلاي بوي" أيضاً مقابلة مع الرئيس الأميركي جيمي كارتر العام 1976، فتحدث عن حياته الشخصية والسياسية، كما شرح منظوره الخاص للثقافة والدين. واعترف: "لقد نظرت إلى العديد من النساء بشهوة". ولفلسطين حصتها، إذ قال الزعيم ياسر عرفات للمجلة في حوار أجري العام 1988: "قد لا تعرف أنه في بعض الدوائر، أُعَدّ أنا أكثر من مناضل، وفي نظر آخرين أُعدّ رمزاً للمقاومة، لكن فقط في بعض الدوائر يقولون عني إرهابي.. ولعلمك فإني الرئيس الدائم لمنظمة التعاون الإسلامي، كما أني نائب رئيس دول عدم الانحياز، هذا لمعلوماتك فقط".

أيضاً في رصيد "بلاي بوي"، مقابلات مع عازف الجاز مايلز ديفيس العام 1962، والروائي الروسي فلاديمير نابوكوف في 1964، وأسطورة البيتلز مع جون لينون وزوجته يوكو أونو في 1980، والمغني العالمي بوب ديلان والزعيم الشيوعي الكوبي فيدل كاسترو والداعية الاسلامي مالكوم إكس. وأقامت ""بلاي بوي" في 1959 حفلها الجاز الأول في استاد شيكاغو، وضمّ عروضاً لعدد من أساطير الجاز مثل لويس آرمسترونغ، ديوك إلينغتون، وإيلا فيتزجيرالد.

وأثارت مجلة "بلاي بوي"، الجدل، باستضافة أول محجبة على صفحاتها، هي الصحافية الأميركية نور تاجوري، وذلك بعدما تخلت المجلة عن طبيعتها الإباحية. وفي حوارها مع المجلة، ترى تاجوري نفسها صحافية أفضل لكونها مسلمة، وتؤمن بأن حجابها يمنحها الثقة بالنفس. وتقدم تاجوري قصصاً مصورة على إحدى شبكات الإنتاج الأميركية، وتحاول تغيير الصورة السلبية عن المرأة المسلمة والمحجبة في الإعلام. وبدت الاعلامية المحجبة علامة من علامات الإثارة والاكزوتيك.

ولم تستمر طويلاً تجربة تخلي "بلاي بوي" عن العريّ، إذ تراجعت عن قرارها اولاً بسبب تراجع عدد القراء، وثانياً لأن "بلاي بوي" بلا عاريات فيها الكثير من التناقض، وينتفي مبرر وجودها. واليوم باتت "بلاي بوي" ظاهرة من الماضي، قتلها زمن الانترنت كما قتل الكثير من المطبوعات المؤسسة في الإعلام العالمي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها