الخميس 2017/08/31

آخر تحديث: 12:12 (بيروت)

إليس ريجينا تستحق فيلماً أفضل

الخميس 2017/08/31
إليس ريجينا تستحق فيلماً أفضل
شهدت حياتها انقلابات درامية قبل رحيلها في سن مبكرة
increase حجم الخط decrease
إذا كنت من محبي الموسيقى البرازيلية الشعبية فأغلب الظن أنك وقعت على اسم إليس ريجينا (1945 - 1982) من قبل. وإذا كنت من محبي إليس ريجينا فبالتأكيد تعرف صوتها وتاريخها جيدًا. صارت مغنية منذ طفولتها، ومع دخولها مرحلة الشباب تركت مدينتها الصغيرة ورحلت إلى العاصمة ريو بحثاً عن فرصة للظهور وإيصال صوتها للجمهور. في صعود سريع ولافت، استطاعت حشد معجبين وجماهير وداعمين متحمسين لها، من بينهم الملحن والمنتج الموسيقي الشهير رونالدو بوسكولي، الذي سيكون زوجها لاحقاً. نجمة تلفزيونية، شخصية مثيرة للجدل، انفعالية ومزاجية؛ الفلفلة أو "بيمنتينا" كما يطلقون عليها في بلدها، سرعان ما اكتسبت الاعتراف بكونها أعظم صوت في البرازيل، في مسيرة مهنية وحياتية شهدت تقلبات تصلح لدراما غنية بالحكايات.


عاشت حياتها بشجاعة، منذ اللحظة التي قررت فيها أن تصبح مغنية ليسمعها الناس، وتسلّحت بكثير من الإرادة للقتال من أجل مكانها في هذا العالم، ومع علمها بما تملكه من إمكانات (بالمقارنة مع المطربات البارزات في ذلك الوقت) لم يكن الوصول سهلاً، فقد كافحت واختبرت كسر القواعد والتغلب على محاولات فرض الإرادة.

"إليس" (*)، للمخرج هوغو براتا، فيلم اختار عدم الاعتماد بدقة كبيرة على الجانب "المفلفل" من حياة المغنية. ففي مروره على مراحل حياتها المختلفة، يفشل الفيلم في تلبية رغبته الأساسية المفترضة بتقديم بيوغرافيا موثوقة وأمينة لحياة حافلة، حين يخفي الجانب الأقوى من شخصية إليس، وفي الأثناء يكشف غياب التواريخ عن الشاشة نزوعاً من صناع العمل إلى إهمال التعريف بحياة المغنية وتحولات الموسيقى البرازيلية، لتصبح النتيجة معلومات قليلة ومعرفة محدودة سيكون على المشاهدين الأجانب المعاناة في تفسيرها.

يبدأ الفيلم بوصول إيليس ريجينا (أندريه هوردا) إلى ريو دي جانيرو برفقة والدها (غوستافو ماتشادو)، تزامنًا مع اندلاع الانقلاب العسكري في البرازيل 1964. وصولهما المتأخر إلى الاستديو سيحرمهما من إجراء اختبار التسجيل الموعود، لكن الشابة ستجرّب اللعب بطريقتها على غير رغبة والدها، ليكون مصيرها فشلاً سريعاً واستياء داخلياً. مع ذلك، لن يمرّ وقت كثير حتى يسطع نجمها في نادٍ ليلي يديره الملحن رونالدو بوسكوهوغو براتالي (غوستافو ماتشادو)، حيث تؤدي النجمة المتوّجة في ذلك الحين مغنية البوسا نوفا نارا ليو.

مستعينة بابتسامتها الحاضرة دوماً، وغنائها الذي يبدو رقراقاً بلا جهد، استطاعت إليس ريجينا إحداث ثورة في عالم الموسيقى البرازيلية بإطلاقها مجموعة من الملحنين الشباب وزيادة انتشار الموسيقى البرازيلية الشعبية (MPB). غنّتْ كل شيء، سامبا وجاز وبوسا نوفا وديسكو وشعبي، وكانت امرأة ثورية في حياتها كما في الموسيقى. تركت إليس ريجينا إرثاً أبدياً ومحبة وافرة في قلوب محبيها. هذ ما يمكن أن يُقال عنها بعد كل تلك السنوات على رحيلها المبكر في سن السادسة والثلاثين. في الفيلم، تمكنت الممثلة أندريا هورتا من الاقتراب من صورة المغنية الأيقونية، شكلاً وحديثاً وغناء، فحضر الوجه المبتسم أثناء أداء الأغاني وطرّز التوفيق إظهارها خجل أولئك الذين لا يعرفون كيفية الرقص ولكن يعرفون جيداً كيف يغنون، وربما يكون أداء هورتا هو أصدق ما في الفيلم بشكل عام.
 


لم يكن التناغم مثاليًا مع بوسكولي، البوهيمي زير النساء وصاحب السوابق المتعددة مع المغنيات الصغار والراقص متعدد المواهب ليني ديل (خوليو أندرادي)، لكنه سيؤمن بموهبتها وسرعان ما ستصبح إليس ظاهرة تلفزيونية جنباً إلى جنب مع المغني الشهير جير رودريغز (أدء مميز من إيكارو سيلفا). وكما هي العادة، تأتي الشهرة بقائمة متكاملة من المميزات والعيوب، لهذا ستشهد حياة النجمة إليس ريجينا صعوبات مختلفة على المستوى الشخصي والمهني. واحد من السلبيات التي يذكرها التاريخ عنها تقديمها حفلة للجيش في بث تلفزيوني، ولكن ذلك، كما يعرضه الفيلم، جاء بعد تعرضها لضغوط وتهديدات من جانب قوات الأمن.

انفصلت عن بوسكولي، بعد خيانات عديدة، وتزوجت من عازف البيانو سيزار ماريانو، ووضعت نفسها في الجانب الخطر بمواقفها النقدية في ما يتعلق بالديكتاتورية ونوع الموسيقى التي تقدمها وزياراتها لليني ديل في السجن (بعدما اعتبرته السلطة العسكرية الحاكمة رمزاً للثقافة المضادة)، لكن شعورها بأنها تعيش داخل سجن الحياة المهنية سيلازمها، وستقودها الاحتكاكات المستمرة مع زوجها الحسّاس إلى الانفصال مجدداً. بعد ذلك بفترة وجيزة ستموت مكتئبة في غرفتها بعد شرب الكثير من الويسكي والأمفيتامينات.

هذه البيوغرافيا السينمائية لا تخجل من اتباع الوصفة القديمة نفسها للعديد من الأفلام السابقة لظهورها، خصوصًا في العقدين السابقين، في موازاة حصيلة أكثر كثافة من الأفلام الوثائقية عن نجوم العالم الثقافي والفني، وخصوصاً الموسيقيون البرازيليون، حيث ينصب الاهتمام على تصميم الانتاج والأزياء وحضور القائمة التقليدية لمن عاصروا الشخص المحتفى به وتوفير سيناريو يحفل بالمعلومات التعليمية حول البطل. "إليس" يجافي التوفيق، حين يحاول جعل التاريخ أكثر رومانسية وأقل سياسية، من دون التركيز في موضوعه الأصلي، لكنه يستحق الثناء حين يتعلّق الأمر بمشاهد غناء إليس في المسرح التي ستجعل الجمهور راغبًا في مصاحبتها الغناء. أجواء عاطفية ودافئة ستغلّف الصورة في تلك المشاهد، لكن الفيلم لن يقترب من معارك المغنية مع الرقابة وحيتان صناعة الموسيقى، بل لن يستطيع الحفاظ على توتر درامي يجعله قادراً على تجاوز النموذج المعتاد والبالي في مثل هذه السير السينمائية، التي تستدين فضولاً مصطنعاً يكاد يكون مَرَضياً حين يتعلّق الأمر بتقديم سيرة حياة شخصية شهيرة شهدت حياتها انقلابات درامية قبل رحيلها في سن مبكرة.

(*)عُرض الفيلم في سينما متروبوليس آمبير صوفيل - الأشرفية ضمن فعاليات النسخة الثانية من مهرجان الفيلم البرازيلي في بيروت (30 آب – 3 أيلول 2017)

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها