"المربع" لروبن اوستلاند: هل لديك الجرأة لتتمتع بالتجربة؟

 

تدور الأحداث في فيلم "المربع" حول متحف ثري في ستوكهولم. وكريستيان (كلايس بانغ)، الرجل المطلق والأب لطفلين، يكون كبير القيمين على هذا المتحف الفني الحديث، ويأخذ عمله بجدية كاملة. هو من أولئك الذين يقودون سيارات كهربائية ويساندون قضايا إنسانية كبرى. ويتولى كريستيان مهمة الاستعداد للمعرض المقبل الذي يحمل عنوان "المربع"، وهدفه تذكير الناس بواجبهم تجاه الآخرين وتحفيزهم على الاهتمام بها. لكن يصعب أحيانا أن يوافق سلوك كريستيان القيم التي يدافع عنها، فحين يُسرقُ هاتفه لم يكن رد فعله مشرفاً. وفي الوقت ذاته، تطلق وكالة التسويق التي تعاقد معها المتحف حملة إعلانية مدهشة لـ"المربع"، نتج عنها ردود فعل غير منتظرة. إذ تبدأ الأحداث الساخرة والمضحكة في حين يغرق كريستيان في أزمة وجودية.

كريستيان ليس شخصية تمثيلية وحسب، بل يعتبر نموذجاً، ينبغي أن يكون مرجعاً في ردود الأفعال، في أوقات الحرج ولحظات العار، بالإضافة الى الإضطرابات النفسية والمزاج المتقلب. أما المشاكل والأزمات فتتصاعد مع زلات لسان كريستيان، ونظرة المجتمع إليه التي تلقيه في الهاوية. وهنا تبرز القيم الأخلاقية في مواجهة الممارسة العملية في المجتمع.

"المربع" فيلم مؤلم، ساخر، غاضب، ومضحك. يسير بين الرغبة في أن تكون شخصا طيبا وبين الواقع المفروض عليك. ويكشف عن القيم الأخلاقية التي يتمتع بها الفرد، والتي لا يأبه أحد بها سوى حاملها.

الفن، الأخلاق والمجتمع.. اجتمعوا في "المربع" الذي يربط قنوات متعددة ببعضها البعض، حول المسؤولية التي تقع على عاتق الفن وما يدور حولنا وبين الفن والإنسان والمجتمع. عدد لا يحصى من الأسئلة تحملها معك عن التنمية الراهنة للمجتمع. فما الرابط بين المجتمع وقيمة الفن الحديث؟ وهل هناك من حدود بين الفن واللا فن؟ هل كل ما يوضع داخل متحف فني يصبح ذي قيمة فنية؟ أتوجد قوانين أو معايير معينة لتحديد إن كان هذا العمل فنيا أم لا؟

في هذا العمل، يريد أوستلاند أن نؤمن بأن الفيلم يبحث عن منظومة من القيم الأخلاقية، وما يحددها في أعمق طبقاتها. يريد إزالة الأقنعة وإثارة المساعدة الذاتية. وبالفعل، تمكن من تحقيق كل ذلك مع الاقتراب من نهاية الفيلم. يضع أوستلاند أمامنا تساؤلات محددة أبرزها تتعلق بالتصرفات الذكورية والعلاقة التي تربط الإنسان بالمجتمع، والتي ممكن أن تُدمر وتزول في أي لحظة. "المربع" فيلم درامي ساخر ومؤثر، يعكس صورة المجتمع، ويطرح، مفهوم الشجاعة الاخلاقية، والأنانية كحاجة أساسية في عالم مليء بالغموض، وكل ما قد يؤدي الى تدمير ذاتي ومجتمعي.

الذهاب بعيدا في الفن ومتاهاته هو ما يهدف اليه اوستلاند في فيلمه. لا يريد أن يروي لنا قصة في إطار فني برجوازي، بل يبغي إثارة فكر المشاهد. وهذا ما هو الفن، بين الضحك والسخرية، يظهر أوستلاند بعضا من الوعظ. وقد يكون ذلك غير مرغوب به من قبل العديد من المشاهدين، وقد يجدونه مملا. إلا أن أوستلاند يتمتع بأسلوب محدد وواضح، ولا يخفي إصراره على تكريس رأيه ووجهة نظره بطريقة مطلقة في الفيلم. فجرأة أوستلاند عبر إطلاق الأحكام والوعظ العلني، تتطلب جرأة موازية لدى المشاهد كي يستمتع بتجربة إجتماعية مهمة، ومؤلمة.