الأحد 2017/06/04

آخر تحديث: 18:48 (بيروت)

رحيل خوان غويتيسولو.. "المراكشي" الذي رفض جائزة القذافي

الأحد 2017/06/04
رحيل خوان غويتيسولو.. "المراكشي" الذي رفض جائزة القذافي
أطفال من أبناء الحي العتيق للمدينة، ينادونه "عمي خوان"
increase حجم الخط decrease
توفي الكاتب والروائي الاسباني خوان غويتيسولو عن عمر ناهز 86 عاما في مراكش. وقد إرتبط اسمه بالمغرب ومراكش تحديداً، حيث أقام في المدينة منذ أكثر من ثلاثين سنة.


ويعتبر غويتيسولو من أبرز الكتاب الإسبان. أثارت كتاباته جدلا ليس في إسبانيا وحسب، بل في مختلف الأوساط الأوروبية والأميركية، والقضية بدأت منذ طفولته، فقد قتلت والدته -وهو في سن السابعة- في قصف استهدفت به قوات الجنرال فرانكو مدينة برشلونة، ومن هنا سيكون طريقه التمرد من خلال الكتابة على نظام فرانكو، الذي حظر اعماله منذ عام 1963، نظرا لانتقاده واقع إسبانيا الاجتماعي ودعوته إلى حرية الفكر. ولم يستطع العودة إلى إسبانيا إلا بعد وفاة فرانكو وزوال نظامه، نظرا للحكم عليه غيابيا بالسجن. ولم يقتصر رفض الطغيان على اسبانيا، ففي العام 2009 رفض جائزة القذافي العالمية للأدب" (قيمتها 200 ألف دولار) لأن مصدرها المالي -وفقا لما كتبه هو- كان الجماهيرية الليبية، وقال: لا يمكن أن أحمل جائزة تحمل اسم ديكتاتور، القذافي ليس ديكتاتوراً، إنه وحش"، بينما قبلها الناقد المصري جابر عصفور في حفل بهيج حضرته جمهرة من الكتاب... عدا ذلك ناصر غويتيسولو الثورة الجزائرية في مقاومتها للاستعمار الفرنسي، وكان من المنددين بحرب الإبادة التي شنها الصرب ضد مسلمي البوسنة، وبصمت الغرب على الجرائم المرتكبة في عدة مناطق بالجنوب وبالعالم العربي الإسلامي خصوصا... وكان حليف القضية الفلسطينية، زار فلسطين أول مرة عام 1988 في ذروة اندلاع الانتفاضة الأولى مع فريق تلفزيوني إسباني، وتعرض لمضايقات سلطات الاحتلال، وعاد إليها في عام 2005، ليقف على حال ما بعد اتفاقات أوسلو التي شاطر حينئذ موقف إدوارد سعيد منها: "لقد كانت استسلاما"، وكان من مؤيدي الربيع العربي.


المغرب
عاش غويتيسولو متنقلا بين فرنسا والمغرب بعد وفاة زوجته عام 1996، ثم قرر نقل مقر إقامته نهائيا إلى مراكش. ويبدو اهتمام غويتيسولو بالمغرب وبالحضارة العربية والإسلامية واضحا في كتب أبرزها "مشكلة الصحراء" (1979)، و"إسطنبول العثمانية" (1989)، ورواية "مقبرة" (1999)، و"من دار السكة إلى مكة" (1997) الذي أبدى فيه اهتمامه وقلقه بشأن العلاقة بين الغرب والإسلام. يُعتبر غويتيسولو أبرز كاتب اهتم بمدينة مراكش وعاش في كنفها وأهداها مخطوط "مقبرة"، وهو استلهم عالمها من فضاء جامع الفنا، بإيقاعاته وأصواته ومتخيلاته...  وحينما أراد سماسرة عقاريون أن يحوّلوا ساحة جامع الفنا إلى عمارات وبنايات شاهقة بدعوى بناء حي سياحي عصري يجلب كثيراً من الاستثمار، ناضل غويتيسولو ضد ذلك بمساعدة المثقفين المغاربة حتى جعل من ساحة جامع الفنا تراثاً إنسانياً شفوياً. وقد منحته اليونيسكو سنة 2001 شرف كتابة نص إعلان الساحة ضمن التراث الشفوي الإنساني. وحين تسلم جائزة سيرفانتيس، في حفل ترأسه عاهل إسبانيا، قال، إنه يهدي تتويجه إلى ساكنة المدينة العتيقة في مراكش، المدينة التي زارها بداية السبعينيات من القرن الماضي... قال إنه يخص أهل المدينة الحمراء بتلك الجائزة، "لأنهم احتضنوني بحنان في مرحلة حرجة من حياتي، في شيخوختي". ومن المشاهد التي كانت معتادة أن يصادف المرء خوان، وهو يتناول كأس الشاي بطيب النعناع الأخضر، على طاولة مقهى متاخم للساحة العجيبة، ولا يتبرم، بل يبدو سعيدا وقد تحلق حوله أطفال من أبناء الحي العتيق للمدينة، ينادونه "عمي خوان"، الذي يحادثهم بعامية مغربية لانت له بعد طول مقام. 


الحضارة العربية الإسلامية
أينما حل، يبشر خوان بإسهامات العرب والمسلمين في إثراء التجربة الحضارية الكونية. في كتاب بعنوان "إسبانيا في مواجهة التاريخ" يرى أن طرد العرب من إسبانيا كارثة حضارية كبيرة، أفضت إلى فقر ثقافي وحضاري لإسبانيا، وتشويه صورتها بالتعصب وكراهية الآخر.  وانتقد غويتيسولو مرارا من لا يسعون إلى معرفة الثقافة العربية، ومن ذلك تصريحه "قال لي أحد الأصدقاء العرب المختصين بالدراسات الإسبانية: هل تعلم بأنك أول كاتب إسباني يعرف التحدث بلهجة عربية منذ "راهب هيتا" في القرن الرابع عشر؟ فتخيلوا ذلك، إنه لأمر يحز في نفسي". في السياق نفسه، ودون أن يتقن خوان اللغة العربية الفصحى، اطلع على جانب كبير من التراث الأدبي والفكري والصوفي العربي الإسلامي في تصانيف بالفرنسية والإسبانية والإنكليزية. وفي ذلك، لا يخفي إعجابه بتراث ابن عربي، وخصوصا مؤلفه "الفتوحات المكية" كذلك اهتم بابن الفارض، وفريد الدين العطار، لاسيما في "منطق الطير". يقول  في معرض إعجابه بالمسلمين وتراثهم وحضارتهم ولغتهم: "لا ينحصر عشقي وإعجابي وولهي بكيبيدو، أو غونغورا، أو ستيرن، أو فولتير، أو مالارميه، أو جويس، بل يتعداه كذلك إلى ابن عربي وأبي نواس، وابن حزم، وإلى التركي جلال الدين الرومي مولانا"، يضيف في موضع آخر "أعتقد أنه يستحيل فهم الثقافة الإسبانية وهضمها بشكل شامل ودقيق من دون استيعاب التراث الإسلامي، ومعرفة الثقافة العربية، وكلما دخلت في هذه الثقافة، تأكد لي بشكل جلي قيمة وأهمية ما ورثناه عن تلك القرون للوجود الاسلامي في شبه الجزيرة الايبيرية".


ولد غويتيسولو في برشلونة عام 1931، وبدأ يكتب القصص والروايات منذ كان عمره 23 سنة (عام 1954). ومن أعماله الأخرى: "الإشارات"، و"صراع في الجنة"، و"السيرك" و"الجزيرة" و"نهاية الحفل" و"عناوين هوية" و"دون خوليان"و"خوان بلا أرض" و"فضائل الطائر المنعزل" و"أسابيع الحديقة" و"ستارة الفم" و"في ممالك الطوائف" (مذكرات) و"لمحة بعد المعركة"، و"ملحمة ماركس"...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها