الأربعاء 2017/04/05

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

سمير فريد.. نبوءة تكتمل

الأربعاء 2017/04/05
سمير فريد.. نبوءة تكتمل
لسمير فريد بالغ الأثر على أهم مهرجانات السينما العربية(غيتي)
increase حجم الخط decrease
1
تبدو علاقة الكاتب، السينمائي، التشكيلي، بالأجيال التالية عليه، دلالة مهمة على أثره الحقيقي، استطاعته من عدمها في التواصل مع مجريات عصر جديد، قدرة تطوير النفس يومًا بعد يوم، مرونة تلقي الجديد والتعامل معه وإن اختلفت المعطيات والنتائج. الاستقبال الحميم ممن يصغرونك بكثير فيه شيء من المجد. وبالأمس، راحت صفحات المهتمين بالكتابة والسينما من الشباب في "فايسبوك"، تنعي الكاتب والناقد السينمائي المصري سمير فريد. الجميع حزين، باختلاف توجهاتهم الفكرية، أو السياسية، هو المحظوظ بانتمائه لعائلة المحبوبين من الجميع. التوجهات بالطبع وليس الأفراد.

الخبر انتشر بينما كثيرون لم يخرجوا بعد من عزاء المترجم المصري المعروف طلعت الشايب في مسجد "عمر مكرم"، أشهر أماكن العزاءات في القاهرة. 2017 قاسية منذ بدايتها. أخذت كثيرين.

2
يعرف نُقّاد وصحافيو السينما، أن المُسافر منهم إلى فرنسا لمتابعة فعاليات مهرجان "كان"، وهُم قليلون بطبيعة الحال، سيحصل على واحدة من البطاقات التي تُصرّح بدخول قاعات عرض الأفلام. بطاقات لها ألوان، لكل لون درجة من التعامل. أرفع هذه البطاقات يتيح لك الذهاب إلى قاعة العرض قبل بدء الفيلم مباشرة، فلا تضطر إلى الوقوف ساعات في طابور طويل ربما تمتلئ القاعة قبل أن يأتي دورك فيه.

نوع البطاقة التي ستحصل عليها يُحدَدّ عبر أهميتك لدى إدارة المهرجان. وسمير فريد كان المصري الوحيد المسموح له بحمل أرفع هذه البطاقات، رغم ذلك، كان حريصًا على الحضور مبكرًا، والانتقال من قاعة عرض إلى أخرى، حتى ينتهي اليوم. يحكي صديقي الناقد خالد محمود، الذي كان مقربًا من فريد في السنوات الأخيرة: "كان دؤوبًا على المشاهدة، وعلى الكتابة عمّا يراه، وإن كانت كتاباته في السنوات الأخيرة، لم تكن أهم ما كتب في السينما". كان تأثر بشكل ما بالمناخ المُشوّش المُنعطف على الأوضاع السياسية من ناحية، وبالتطور السلبي لأجواء الخلافات الفكرية من ناحية أخرى. نعم، الرجل كان معروفًا ببُعده من فجور الخصومة. من هنا، لن تجد في الذين دخل معهم في معارك فكرية من لا يحترمه.

3
لسمير فريد بالغ الأثر في أهم مهرجانات السينما العربية. ساهم في تأسيس بعضها ودعم البعض الآخر، غير أن بُعداً مهماً في علاقته بالنقد السينمائي جاء من كونه امتد كجسر لعدد من السينمائيين المصريين والعرب في المهرجانات الدولية التي اعتبرته محلّ ثقة، عبر علاقة امتدت بينه وبين أشهرها لعشرات السنين.

"آراؤه يؤخذ بها في أنحاء العالم، كما إنه من نقاد السينما البارزين في العالم العربي"، يقول بيان مهرجان برلين السينمائي الدولي، في حيثيات تكريم سمير فريد بجائزة "كاميرا البرلينالي"، وكانت المرة الأولى التي تذهب فيها هذه الجائزة إلى ناقد عربي. يومها قال فريد كلامًا عن علاقة الأنظمة العربية بالفنون، وبالسينما تحديدًا: "الأنظمة العربية تخشاها لأنها أكثر تأثيرًا في فئات الجمهور المختلفة"، وأنا لا أعرف إن كان الناقد الكبير محقًا في وجود هذا الوعي لدى أنظمة الحكم العربية التي تعيش مع بني الإنسان على هذا الكوكب.

من المناطق التي تحدث عنها سمير فريد، يوم تكريمه في برلين، والتي أتصورها تُشكّل ملامحه الثقافية، وأسباب كونه مغايراً للسائد، كانت إشارته، وفق "بي بي سي"، إلى أنه "بسبب التغيير والثورة التكنولوجية الحالية، هناك طرح يشكك في جدوى وجود النقد السينمائي، حيث أن المعلومات عن الأفلام متوافرة عبر الإنترنت للجميع". لا أعرف إن كان يقصد العبارة حرفيًا. المعلومات التي يحتاجها المتلقي ليست دور الناقد بالتأكيد. المسألة تحتاج إلى مناقشة، لكن تظل العبارة دالة على معنى للرحابة، شكل للتواضع، بالأحرى، عدم محاولة تفخيم الشأن وإعطاء الأمور أكبر من حجمها. الأهم، هو وضع المتلقي وطبيعته الجديدة في الاعتبار، وإن كُنّا نقول دائمًا إن راحة هذا المتلقي، العادي، ليست من الوظائف المباشرة للناقد، السينمائي أو غيره.

4
منذ سنوات قليلة، في الفترة بين رحيل مبارك ومجيء الإخوان إلى الحكم، نقل لي صديق، ما دار بينه وبين سمير فريد عبر الهاتف. قال إن الرجل يتحدث بجدية وتأكيد عن أن هناك ما يدور لعودة بيت السلطة إلى ما كان عليه قبل الثورة، وأن كل هؤلاء الذين تراهم خلف القضبان سيخرجون، بل إن رجالاً من النظام القديم سيعودون إلى أمكنتهم مجددًا. صديقي اعتبر أن الرجل مهجوس، أصابه الوهم حد المبالغة إلى هذه الدرجة.

مرت الأيام سريعًا، ورحل بعدما رأى نبوءته رؤى العين، وقد اقتربت من الاكتمال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها