الأحد 2017/03/26

آخر تحديث: 13:44 (بيروت)

في لبنان أكثر من ثمانين حزباً، ولكن!!

الأحد 2017/03/26
في لبنان أكثر من ثمانين حزباً، ولكن!!
أحزاب وشعارات(غيتي)
increase حجم الخط decrease
لفتتني لائحة منشورة في "فايسبوك"، تتضمن أسماء الأحزاب والتيارات والجمعيات السياسية اللبنانية المرخصة، وعددها ما يقارب الثمانين حزباً في هذا البلد الصغير، الذي لا يتجاوز عدد سكانه حياً في الصين، وربما لا تتجاوز مساحته ولاية من الولايات الاميركية... وإذا كانت الصين محكومة بحزب واحد وطبقة بيروقراطية "شيوعية" آفلة ورأسمالية موجهة، فسياسة أميركا "أم الدنيا" تتأرجح بين الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، مع هامش محدود لجماعة البيئة والمجتمع المدني. حتى في فرنسا، المنافسة السياسية تجري بين حزبين أو ثلاثة مع بعض الأحزاب الصغيرة، والأمر نفسه في بريطانيا وألمانيا. إلا في لبنان فلدينا "عجائب الدنيا" من الأحزاب والتيارات والألوان والبيارق والشعارات والأحلام، وما زالت التراخيص تؤخذ استناداً الى قانون أقر في الزمن العثماني... قد يقول قائل إن تعدد الأحزاب في لبنان مقارنة بأميركا، يشكل دليلاً على الحرية التي يتميز بها هذا البلد، بالطبع هذا الاستنتاج فيه شيء من الخفة، إذا ما نظرنا الى جدوى كثرة الأحزاب وفعاليتها على أرض الواقع، وحتى أطر عملها وطرق "انتخاب" قادتها.

وإذا أردنا ان نراقب عمل الأحزاب في لبنان، فالفاعل منها، يسيطر على السلطة مثل "المستقبل" و"أمل" و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"التقدمي الاشتراكي" و"تيار المردة" و"السوري القومي الاجتماعي"... بمعنى آخر، تعتاش الأحزاب من جودها شبه المافيوي في السلطة... في الجوهر معظم الأحزاب اللبنانية يشبه كل شيء إلا الأحزاب، هي أحزاب ترتبط بطوائف (سنة، شيعة، دروز، موارنة، أرمن) وبمناطق (زغرتا، زحلة، برج حمود، الشوف، صيدا..) وقبل كل شيء هي أحزاب شخصانية. لنتخيل "التيار الوطني الحر" من دون الجنرال عون، مع الانتباه إلى أن الرئاسة آلت الى الصهر جبران باسيل. ولنتخيل الحزب التقدمي الاشتراكي من دون وليد جنبلاط، أو تيار المستقبل من دون سعد الحريري، او حزب الكتائب من دون آل الجميل، أو تيار المردة من دون سليمان فرنجية، أو حركة أمل من دون نبيه بري، او الكتلة الشعبية من دون آل سكاف، وحتى "حزب الله" بات يرتبط بحسن نصرالله، وان كان جزءاً من منظومة ولاية الفقيه الخمينية الايرانية. وفي جوهر الأحوال، الركن الأساسي للعمل الحزبي في لبناني، هو الطوائف، فكل طائفة (وتحديدا الطوائف الكبرى) يسيطر عليها حزب او حزبان، وهناك معضلة في أنه يصعب على حزب ما تجاوز محوره الطائفي. حتى الأحزاب "العلمانية" بقيت في إطارها الضيق، أو هي طائفية بقناع علماني أقلوي...

هناك أحزاب مرخصة في الجمهورية اللبنانية، ولا تعترف بلبنان وتعتبره ولاية مثل "حزب التحرير" (مع التذكير ان مكنون حزب الله يطمح الى جمهورية اسلامية)، وهناك أحزاب "انتيكا" مثل حزب النجادة، الذي نشأ في زمن الاستقلال وبقي منه مقره في أحد الأحياء البيروتية، وربما يذكر اسمه في كتاب التاريخ المدرسي في مقابل حزب الكتائب ومن بوابة 6 و6 مكرر في "النضال الوطني"... في لبنان كم من الاحزاب البيئية التي لا نعرفها الا بالاسم وربما اللافتات، وكم من الأحزاب التي تحمل توصيفاً للبنان مثل "لبنان غداً"، "لبنان الكيان"، "الوحدة" وهي أسماء للاستهلاك فحسب، وأحزاب ترفع شعارات مثل "الكفاءات، التجدد، والديموقراطية والمواطن"، من دون أن ننسى الأحزاب العروبية (البعث السوري، والعراقي، والمرابطون، والاتحاد)، والقومية (حراس الأرز)، والأقلوية التي ترفع شعارات السريان، والأرمن، والآشوريين، وأحزاب ربما لا تتضمن في كنفها سوى بعض الأفراد مثل حزب "التضامن" التابع للنائب اميل رحمة، وحزب "السلام" لصاحبه رجل الأعمال روجيه اده، وهناك أحزاب أشبه بالدينية مثل "الجماعة الإسلامية" و"حزب الله"...  

وحصيلة مشهد الأحزاب اللبنانية المرخصة ورافعة الرايات وموزعة المناشير، أن الكثير منها، خصوصاً المؤدلجة، كانت تريد لبنان على هواها وأحلامها، أو كل حزب يحلم بتحقيق مشروعه السياسي في هذا البلد الصغير... فمَن كان عروبياً كان يريد لبنان عروبياً، ومن كان شيوعياً يريده شيوعياً ضد الامبريالية العالمية، ومن كان قومياً سورياً يريده جزءاً من "سوريا الكبرى"، ومَن كان إسلامياً يعتبر أن "الإسلام هو الحل"، ومن كان قومياً لبنانياً، نجده يربط لبنان بفينيقيا وتاريخها، وكلها فشلت... والأحزاب، وإن كانت مرخصة من الدوائر اللبنانية، فالكثير منها لديه ازدواجية في الولاء والهوى والدور، نجد هذا يتبع لإيران، وذاك للسعودية، وذلك لمصر وكذا لسوريا أو حتى الدول الغربية... وهذه معضلة ما يسمى "لبنان الرسالة" الذي يصبح في لحظة مجرد "صندوق بريد".                     
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها