الإثنين 2017/02/13

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

كأنهم يقولون إن منع الكتاب.. جائزة!

الإثنين 2017/02/13
كأنهم يقولون إن منع الكتاب.. جائزة!
الكثير من الاراء تماهت مع قرار المنع بشكل مباشر او غير مباشرة،
increase حجم الخط decrease
من يقرأ بيان النائب العام الفلسطيني المستشار احمد براك، القاضي بضبط نسخ رواية "جريمة في رام الله"(*) لعبّاد يحيى ومنع تداولها، سينتابه شعور بالمرارة من الرثاثة السائدة في إدارة القوانين والنظرة الى الحريات العامة وحقوق الأفراد... ربما سيضحك، فالمنع بمقياس أحمد براك حصل بتهمة ورود "نصوص ومصطلحات مخلة بالحياة والاخلاق والاداب العامة"، وهي بزعمه من شأنها "المساس بالمواطن"، "لا سيما القُصّر والاطفال"، وما يفعله (أي النائب العام) "حماية لهم ووقاية من الانحراف"، وبالغ معتبراً ان مضمون الرواية "يتنافى مع الاتفاقيات الدولية"، ولم يذكر فحوى هذه الاتفاقات وأردف بأن الكتاب يتنافى مع "منظمة القوانين الفلسطينية ذات العلاقة، سيما قانون المطبوعات والنشر، وقانون حماية الاحداث، وقانون الطفل..." والأغرب أن النائب العام اعتبر ان هذا القرار (أي المصادرة والمنع) "لا يتنافى مع حرية التعبير المكفولة بموجب القانون" والتي توجب "الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية في إطار ممارسة حرية الرأي والتعبير". وسطرت النيابة العامة مذكرات إحضار لكل من المؤلف والناشر الموزع، لاستكمال ما سمي "إجراءات التحقيق". وكلام النيابة العامة الفلسطينية يبدو شبيهاً ومتماثلاً مع كلام النياب العامة المصرية التي زجت أحمد ناجي في السجن بتهمة خدش الحياء في رواية "استخدام الحياة"، ويشبه ايضا كلام النظام الاسدي في تعاطيه مع معارضيه بتهمة مس الشعور القومي وهيبة الدولة... 

واللافت ان الكثير من الآراء الفايسبوكية، من روائيين وروائيات وكتّاب، تماهت مع قرار المنع بشكل مباشر او غير مباشر، وبدت بعض الكتابات كأنها تقول أن الرواية لا تستحق المنع والحظر، ليس من باب التضامن ورفض المساس بحرية التعبير، بل لأن المنع في الواقع أشبه بجائزة، ويستفيد منه الكاتب، لناحية الشهرة والقراءة، أكثر مما يستفيد بعض من "يربحون" الجوائز، وهي كثيرة ومتشعبة وملتبسة ومترهلة وباهتة، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فوجّهت سلسلة من الاتهامات والتوصيفات الى صاحب "جريمة في رام الله"، فكتب الناقد الفلسطيني عادل الأسطة في "خربشاته" الفايسبوكية "إن قلت إن رواية عباد يحيى -جريمة في رام الله- مكتوبة وعين مؤلفها على الغرب، فهل ستستغربون؟ يا عمي هذا ليس هذياناً. هذا (هيرمينيطوقا):"تفسير النصوص بأدلة. نعم "hermeneutic.

وفي "خربشة" أخرى يقول: "ترى لو تركت الرواية في المكتبات من دون منع، كم نسخة كانت ستبيع؟ وكم قارئاً كان سيسعى إليها؟". سؤال يطرح في كل مرة تصادر الكتب وتمنع، سؤال يتكرر باستمرار لكنه يحمل الكثير من السذاجة. فليس بالضرورة أن يكون منع الكتاب طريقاً الى القراءة والشهرة، هناك مئات الكتب الممنوعة وبقيت في المستودعات، وهناك مئات الكتب المسموحة التي اخترقت اللغات والقراء في بقاع الارض، ولا أحسب أن ثقافة "لو" تفيد الآن. الافتراض أولاً، إدانة المنع وقراءة الرواية والإدلاء بالرأي النقدي. ويفاخر الاسطة بأمور ولم ينتبه أنها من البديهيات في ما يخص قضية رواية عباد يحيى، إذ يقول: "أنا شخصياً ضد التعرض له (يقصد عبّاد يحيى) بسوء وأذى وضد إيقافه ومع عودته من قطر إلى رام الله، وآمل ألا يحدث معه ما حدث مع نجيب محفوظ وسلمان رشدي"... يا للهول!!

نادي القلم
وتقول الروائية ايمان حميدان، رئيسة "نادي القلم" في بيروت، الذي يفترض أنه يدافع عن الحريات وخصص قراءات لرواية أحمد ناجي الممنوعة: "ليس كل كتاب يمنع هو كتاب جيد والا فعلينا الاعتراض على منع كتاب الكره لهتلر (كفاحي) الذي عبّر فيه عن ايديولوجيته العنصرية كي يدمر أوروبا، وما اكتبه ليس دفاعاً عن المنع بل تماماً ما أريد قوله: المنع لا يجب أن يعطي اشارة مرور مجانية الى وصف الكتاب بالجيد". لا أحسب ان كتاب "كفاحي" يشكل معياراً للحديث عن الكتب الممنوعة، فالمنع له أقنعة تدل على سياسات واجتماعيات وأحوال، بغض النظر إن أعجبنا عباد يحيى أم لم يعجبنا، بغض النظر إن كان من "شلّتنا" أو من غير "شلّتنا". والرقابة حين تمنع كتاباً، أو النيابة حين تصادر كتباً، لا يكون تفكيرها في جعل الكتاب جيداً، فهي أولاً وأخيراً تريد فرض سلطانها ولغتها، وتزعم أنها أكثر وعياً من الناس العاديين، وتمثل دور "الحارس الأخلاقي" على الأمة... وما فعلته إيمان حميدان أنها حيّدت النائب العام وركزت هواجسها على ما نتج عن قراره، وعلّقت على كلام رئيسة نادي القلم، الروائية ليانة بدر، بكلام يشبه كلام عادل الأسطة: "طبعاً هناك تعاطف مجاني مع كل كتاب يمنع مهما كانت درجة رداءته". والسؤال هنا، مَن هو الرديء؟ وهل ممنوع التعاطف مع الكتاب الرديء إذا مُنع؟ هل هناك معايير مزدوجة في التعاطف والتعاطي مع الكتب الممنوعة؟ تقول ليانة بدر: "نحن ضد المنع بالمطلق لأنه يحقق الشهرة للكتبة الرديئيين أيضاً. كم من كاتب وكاتبة أفنى سنوات من حياته أو حياتها لينتج كتاباً جيداً من دون أن يقرأه أحد، فيما يبدو المنع مثل زمّارة للإشهار والشهرة". وهنا خلط للحابل بالنابل، كان يمكن للروائية أن تقرأ الرواية الممنوعة وتقدم استنتاجها بانها رديئة، والقضية ليست في الرداءة أو الشهرة، فيستطيع أي مدوّن عابر أن يكتب عبارة فايسبوكية تصل شهرتها الى أصقاع الارض... ولا ندري ما الذي تريده ليانة في مكنون لطشتها، هل تريد القول بأنها تعبت في كتابة رواية ولم تحظ بالاهتمام؟! ربما. ليانة بدر ضد المنع لأنه "يحقق الشهرة لكتبة رديئين"، هل تدرك ليانة بدر أن معظم الكتب الكلاسيكية تعرض للمنع، من "مدام بوفاري" لفلوبير الى "أزهار الشر" لبودلير و"أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ و"نساء عشيقات" لمؤلفه ت. اتش. لورانس.

ولا يتوقف الامر هنا، فإيمان حميدان صاحبة "توت بري" تستدرك في الرد على تعليق ليانة قائلة: "معك حق تماماً ليانة هناك "كتبة" يجعلونك حين قراءة ما يكتبون تشعرين بالشفقة على تلك الأشجار التي يضحون بها لصناعة الورق كي يكتب عليها نصوص اقل ما يمكن وصفها بنصوص الكره والتحريض وازدراء القيم الانسانية ومعاني الحياة وعدم احترام اي معنى لذاكرة الناس وتاريخهم ومقاومتهم. هذا مرفوض ومخالف لشرعة حقوق الانسان في احترام تاريخ الجماعات وفي احترام حقهم في الاختلاف"... لم توضح أيمان حميدان علاقة كلامها بالرواية الممنوعة وقضيتها، ورد عليها جهاد رنتيسي قائلاً "رواية عُبَّاد يحي خدشت المسكوت عنه ايمان، وكان هذا السبب في منعها وادانتها من قبل سلطتي رام الله وغزة، السلطة السياسية لم تدنها استنادا الى معيار فني او اخلاقي، والاحتجاجات ترتبت على قرار المنع، والبعد السياسي المتمثل بإجراء المنع حال دون التقييم الفني، في جميع الاحوال تحسب للرواية شجاعتها في تسليط الضوء على البقع الداكنة"، وبإزاء هذا الكلام وضعت ايمان جميدان قاعدة تخصها للذين تحترمهم: "أدباء العالم الذين احترم هم تحديدا من قارب الوضع السياسي في بلدانهم التي تُمارس فيها السلطات الديكتاتورية وتمنع الحريات وتكم الأفواه. كتبوا ليعترضوا من موقع البديل الأفضل. في كتابتهم يدفعونك الى تبني رأيهم في احترام حق الانسان في العيش بكرامة، في احترام حق الفرد في الاختلاف، في تبني القيم الانسانية وتأكيدها عبر الكتابة رواية كانت ام قصة ام شعر. في كيفية مقاربة موضوع حرية الفرد والمرأة والديمقراطية والمساواة. هذا هو المهم: موقف الكاتب والأبعاد الانسانية التي يطرحها. والا يغدو تسليط الضوء من موقع أسوأ من الواقع وللاسف امعانا في نكران الشروط الانسانية لحياة البشر ولتجاربهم". وابعد من كتابة ايمان حميدان رأيها، فهي تنشر(شير) رأي د.عماد سعيد ابو حطب ومضمونة "اتخن "رواية يطبع منها هذه الأيام في الطبعة الأولى 500 -1000 نسخة وهذا حسب شهرة الكاتب، بفضل القرار الذكي للنائب العام الفلسطيني، أصبح الطلب على رواية "جريمة في رام الله" يفوق الطلب على روايات ماركيز... الناس تبحث عنها بالسراج والفتيلة... وسلم لي على الحياء العام"... وتعليق آخر للشخص نفسه تصفه حميدان بـ"الجميل جدا" ويقول" خبث روائي/  أبلغته دار النشر بصدور روايته، ابتسم وسارع في اللحظة ذاتها إلى تقديم بلاغ من مجهول إلى النائب العام ضد الرواية لخدشها للحياء العام"...

ضد المنع
كثيرون لم "يفهموا" موقف ايمان حميدان من رواية عباد يحيى، والأمر نفسه موقف في حسن خضر، الذي كان يطمح لاعادة اصدار مجلة "الكرمل" بعد رحيل الشاعر محمود درويش، فهو يقول "انتهيت من قراءة "جريمة في رام الله" النص ليس رواية، ولا يساوي ثلاثة شواكل في سوق الأدب. هناك مشاكل بنيوية عويصة ، وتحيزات مسبقة استدعت قدرا كبيرا من الافتعال، وراء الشطحات الجنسية ثمة نزعة محافظة وكراهية عضوية للمدينة نفسها. الحكاية الأزلية الخوف من المدينة، وميلودراما الخصيتين، ورثاء زمن طهارة اول كاذب ومفتعل. ومع ذلك لست مع قرار المصادرة والمنع". ورد عليه الروائي أسامة العيسة(وعلى اخرين) "قبل أيام، قلت في حديث صحافي عن جريمة رام الله، بأنه لا تروقني الأصوات التي تدافع عن حرية الرأي ولكنها تسبق ذلك بعبارات مثل: رغم ان الرواية، أو انه رغم أن المؤلف... إلا أنني ضد المنع!

اليوم قرأت رأياً لناقد على صفحة زميل، وفوجئت بأنه يزن الأدب بالشواكل (الأصح الشواقل)، وأن رواية جريمة في رام الله حسب رأيه "النقدي" لا تساوي ثلاثة شواقل في سوق الأدب..!، ولا أعرف كم شيقل تساوي الرواية المتوسطة أو الجيدة أو الممتازة في ميزانه "النقدي"، وسوقه الأدبية..!
ولا أعرف عن أية مدينة يتحدث الناقد، إلا إذا قصد فقاعة أوسلو!
أقر بأنني أخطأت عندما اعتقدت بان سوق الأدب الرسمية في فلسطين المحتلة، لم يعد لها زبائن! 

هذا غيض من فيض من المعمعة الفايسبوكية حول رواية "جريمة في رام الله" بغض النظر عن قيمتها الأدبية وتقنيتها وغاية صاحبها منها، مع التذكير أن منع الكتب ليس جديد في فلسطين فكتب المفكر إدوارد سعيد حُظِرَت في الأراضي المحتلّة العام 1967 بعد توقيع اتّفاقيّة أوسلو، وذلك لموقف سعيد النقدي من الأخيرة. بالإضافة إلى كتاب "قول يا طير"، لمؤلّفيه إبراهيم مهوّي وشريف كناعنة، والذي تضمّن حكايات من التراث الشعبيّ الفلسطينيّ، وقد صدر في حقّه قرار بإتلاف نسخ منه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها