الأربعاء 2017/02/01

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

"نردستان" في بلاد المنفى، الموسيقى، والشعر

الأربعاء 2017/02/01
"نردستان" في بلاد المنفى، الموسيقى، والشعر
يرى وليد بنسليم أن اختياره للغة العربية بديهي لأنها لغته الأم
increase حجم الخط decrease
يطمح وليد بنسليم قائد فرقة "نردستان" إلى خلق عالم يشبهنا، حر ومتمرد من دون قيود وحدود. والحرية تؤخذ، لكن بنسليم ومواطنته وداد بروكو، لم يحظيا بالحرية الكافية أثناء بدايتهما في موسيقى الراب، مطلع الألفية الثالثة، فقد كانت نصوصهم تزعج السلطات التي منعتهما من الاستمرار في الغناء، لكن رحلتهما الجديدة ستبدأ عند هجرتهما إلى فرنسا في عام 2002، تكون نتيجتها مزيداً من الانفتاح موسيقياً، ويتوجان "نردستان" بعد سنوات من البحث في مختلف أنواع الموسيقى ليصلا إلى النتيجة التي نسمعها اليوم.


"نغني كما نحلم" يقول وليد بنسليم، وهو يحلم ببلد خال من الحروب والعنف، وعالم حقيقي يعمه السلام والتعايش، بعيدا من الهويات والماديات والحدود والأحكام المسبقة، أو كما يدل اسم الفرقة وكما يشرحه "أرض منفى رقمية"، لكل الذين يتطلعون إلى عالم حقيقي عبر كل ما هو رقمي.

شعر عربي، راب وموسيقى إلكترونية
أسس فرقة "نردستان" وليد بنسليم ووداد بروكو، وهذه الأخيرة تعد من أقدم مغنيات الراب المغاربي والعربي، وهي اليوم، بالإضافة إلى الغناء، تنتج موسيقى الكترونية للفرقة، ولا يتوقف عند ذلك، فالموسيقى، كما يصفها بنسليم، "تذبذبات نحسها"، ويفضل الابتعاد عن التسميات والقوالب، لاستكشاف واستخدام كل الأساليب والأنواع الموجودة مثل الداب ستب، الروك، الراب، الموسيقى الشرقية وغيرها.


يرافق وليد ووداد العازفين، نظيم مولاي "Nazim Moulay و"بناجمن كوسيارا Benjamin "Cucchiara، ويضيفان لونا ساحرا بمختلف آلاتهم الافريقية والفارسية، ما يساهم في إثراء النصوص المختارة أو تلك التي يؤلفها وليد ووداد، لكن الاعتماد الكبير على قصائد شعراء عرب من العصر الحديث أو القديم ابتداء من المتنبي ومرورا بـ نزار قباني، وأحمد مطر ومحمود درويش.

يرى وليد بنسليم أن اختياره للغة العربية بديهي لأنها لغته الأم، بالإضافة إلى الدارجة المغربية، رغم دراسته وإقامته في فرنسا، "العواطف تصل بشكل أفضل عندما أغني بلغتي، لأنه لا يوجد حاجز بين القلب واللسان"، يقول بنسليم، الجديد في الأمر، فهو اختيار القصائد العربية، كدعوة منه للشباب لاكتشاف النصوص القديمة، وتكريم للجيل القديم في إعادة النصوص التي درسها في زمن مضى.

المنفى، حياة شعراء، واختيار نردستان
كما أشار وليد، نردستان هي أرض المنفى الاختياري، موسيقيا وروحيا، لكن المنفى أيضا هو قصة الكثير من المبدعين، من ضمنهم شعراء أجبروا على ترك أوطانهم، أمثال الشاعر العراقي أحمد مطر، صاحب قصيدة "طفح الكيل"، التي مزجها أعضاء "نردستان" مع موسيقى الكترونية وعزف ناي، لإيصال رسالة القصيدة القوية والمؤثرة، والتي أثرت بشكل كبير في جمهور مغربي شاب طلب إعادتها، أثناء تواجد الفرقة لأول مرة في المغرب منذ ما يزيد عن سنتين في مهرجان "موسيقى بدون تأشيرة". وما حمس الجمهور في القصيدة، بالإضافة إلى قوة النص طبعا، هي عبارة "ارحلوا" التي تتكرر على غرار الشعارات المرددة في ثورات الربيع العربي.


وربما لم تكتمل الثورة في المغرب أو لم تتم من الأساس، لكنه شهد حراكاً واسعاً، وهذا ساهم في نضوج الساحة الموسيقية عموما، رغم قمع السلطات، أما فرقة نردستان، فكانت هي "النرد" الرابح، وتجاوزت القمع والمنع، وأخذت حريتها الكاملة في غناء كل ما كان ممنوعا.

اختار بنسليم أيضا أن يعيد مرثية الأندلس المعروفة باسم "لكل شيء إذا ما تم" لـأبو البقاء الرندي، ورغم ما تحمله القصيدة من رثاء وبكاء على سقوط الأندلس، فهو يؤديها بلحن بطيء كأنه خاشع في صلاته، ثم يتسارع مع تصاعد الأحداث.  


وفي محاولة أخرى لاستكشاف الشعر العربي، فهناك قصيدة المتنبي "على قدر أهل العزم"، التي مزجت مع خليط من موسيقى الغناوة (نوع موسيقي منتشر في بلدان المغرب ومرتبط بمعاناة العبيد القادمين من بلدان افريقية أخرى) والموسيقى الحسانية (جنس موسيقي تتميز به موريتانيا والأقاليم الصحراوية المغربية)، كلها ألحان افريقية بحتة تغير مجرى القصيدة لكن تحتفظ بجماليتها.  

والجمالية هي سمة أساسية في موسيقى "نردستان"، وجمالية التجريب في ما تقوم به الفرقة، فحتى إن حددت هوية أو نوع الموسيقى من قبل الصحفيين مثلا، فإن وليد بنسليم، يفضل أن لا يضع قالبا أو يعطي لكل شيء اسما، كطريقة منه للتشديد على مبدأ تحرير الحدود الموسيقية والثقافية.


وإن سمعنا بتركيز وتمعن كل ما غنته ولحنته الفرقة، فإننا سنجد موسيقى من كل أنحاء العالم، موسيقى جذبت أنواعا مختلفة من المستمعين، وخاصة الفرنسيين المستفيدين من تواجد "نردستان" في أغلب المهرجانات الموسيقية في فرنسا، حيث لم تشكل اللغة العربية عائقا، لكن الموسيقى هي اللغة الموحدة لهؤلاء. الموسيقي الفرنسي اندريه مانوكيان وصف نردستان بخليط من "حكمة صوفيين، جمال الشرق وإيقاعات شديدة الحداثة، ما يصيب بالدوار والنشوة الكهربائية ويهدئ الأعصاب في آن واحد".

التنوع الموسيقي الضخم لنردستان بالإضافة إلى النصوص المختارة، يسبب أكثر من النشوة، ويحرض على ثورة المشاعر والأفكار، ويجعلنا كمستمعين نفكر فيما يحصل حولنا، رغم عوالمنا الخاصة والمختلفة، فنكتشف ونعترض ونرفض ونحب ونكره ونتعايش ونعيش ونتحرر عبر الموسيقى، وربما ننجح في خلق دولة أو أرض كنردستان، كما حلم بها وليد، أو نعيش فيها كما هو صورها لنا، ونكمل ما بدأه جيل الشعراء القديم والثورات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها