الخميس 2016/06/23

آخر تحديث: 13:03 (بيروت)

كيارا فيراغني ومونيكا لوينسكي.. للحياة أسلوب

الخميس 2016/06/23
increase حجم الخط decrease
في الأيام الأخيرة، لفتني تعليق فايسبوكي للكاتب العراقي خالد مطلك بعنوان "الثقافة في صورتها ما بعد بعد الحداثية"، عن المدونة والمهتمة بالازياء والجمال كيرا فيراغني، ومقال ثقافيّ بعنوان "أغنية حبي لـ ت س إليوت" للمتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي...


لا شيء يجمع بين التعليق الفايسبوكي والمقال "اللوينسكاوي" سوى أنهما يشكلان مفتاحاً للكتابة عن وجه آخر من الثقافة غير التقليدية والنقاش في مسارها وآفاقها وحتى ماضيها، فخالد مطلك الآتي من الشعر الحديث من دون اللجوء الى اصدار دواوين شعرية والعارف في الشعر الكلاسيكي، وحتى كاتب الرواية و"المنشق" عن الثقافة التلقيدية من خلال الاهتمام بثقافة الحقائب النسائية، أو التركيز على انثروبولوجيا السجادة الحمراء في مهرجان "كان" وغيره، وعاشق الكتابة عن اللوحات التشكيلية مثل كتابه "مدينة كاووش" عن الرسام العراقي ستار كاووش، يبدو كأنه يعلن هجرانه للثقافة التقليدية كلها، أو يكسر النمطية السائدة في تعريف الثقافة (العراقية تحديداً)، فيروي أنه في عام 2014، حضر في روما عرضا للأزياء، وبعد انتهاء العرض، شاهد عددا كبيرا من الناس يتجمهر حول صبية حسناء لم تكن مساهمة في العرض، وعندما سأل عنها قيل له إنها: كيرا فيراغني... خجل ان يسألهم: من هي كيارا فيراغني؟ يضيف "بحثت عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، وعرفت انها شابة تهتم للأزياء والريجيم وأسلوب الحياة وأصبحت مشهورة، وصارت دور الأزياء العالمية تدعوها في كل مناسبة. كما أصبحت تزور الجامعات وتلقي محاضرات عن فهمها لمعنى الحياة والحب والجنس وكيف تحافظ على بشرتها في الوقت نفسه...".

ويصل مطلك إلى بيت القصيد قائلاً "الغريب ان امبرتو ايكو وبعض كتاب العالم وصحافييه يتابعونها كـ(فاشنستا) ويعدونها "صانعة توجه ثقافي"، ويستنتج أن "الثقافة في عالمنا هذا، لا تصنعها الكتب ولا النظريات، لقد طغى عليها المعنى الانثروبولوجي واكتسحها... ونحن ما زلنا مصرين على نعت الذي يقرا كثيراً ويؤلف كتباً أو ينشر مقالات بأنه (المثقف العراقي) ثم نشتمه بمناسبة أو بدونها"... من دون شك ان كلمة مثقف مثيرة  للاحباط واليأس، وتحاك حولها "جعدنات" كثيرة وأوهام لا تعد ولا تحصى.

في المقابل، وان كانت كيارا فيراغني حاضرة بقوة كناشطة ومدونة وصانعة "توجه ثقافي"، فهناك العشرات مثلها في العالم يؤثرن على أنماط حياة النساء واجسادهن وتفكيرهن، ومن لا شيء يجمعن الثروات، وأحسب أن هذا الأمر ليس بجديد، وان أخذ في هذه المرحلة بعدا مختلفاً، مثل ان تتحول مؤخرة كيم كارداشيان الشغل الشاغل للناس وعشاق الصورة... والحال انه منذ الخمسينات كان للمشاهير تأثيرهم، ومنذ عقود أصبحت السينما "تخترع الحياة" والقبلة وتسريحة الشعر والازياء والسيجارة، وصار جون لينون وألفيس بريلسي وجيم موريسون من "أنبياء" العصر، يقلدهم الشبان الى درجة الهذيان. وكذلك مارلين مونرو وصوفيا لورين وبريجت باردو وجيمس دين وجوني هوليداي وعبد الحليم وسعاد حسني ولاحقا مادونا ومايكل جاكسون وحتى الأميرة ديانا والليدي غاغا ونيكول كيدمان وشارون ستون وشاكيرا وتوم كروز...

وحين أصدر الباحث ادغار موران كتابه "نجوم السينما" كان يدرك قوة حضوره السينمائيين في النسيج الاجتماعي والميديائي، وبرأيه لم يعد نجوم السينما، مجرد أشخاص عاديين، بل إن هؤلاء النجوم قد أصبحوا بمثابة أنصاف آلهة. مخلوقات تدفعنا إلى الحلم عن طريق الاستعراض السينمائي كأساطير حديثة. فهم كائنات تنتسب إلى البشري والإلهي في آن، وتشبه بعض سماتها أبطال الأساطير أو آلهة الأولمب. عندما ينتهي موران من تحليل أسطورية النجم، فإنه يعود ليبحث في شروط تكون هذا الإله، والطريقة التي يصنع بها. وما يقال عن نجوم السينما يشمل نجمات الأزياء والموضة والحياة الشخصية ولاعبي كرة القدم، بل زوجات المشاهير... ليس ادغار موران وحده من كتب عن المشاهير، رولان بارت كتب عن وجه غريتا غاربو، وهناك عشرات الروايات والسير عن ماريلين مونرو وبريجيت باردو، واخر الكتابات الشهيرة عن المشاهير مقال ماركيز عن شاكيرا، واللائحة تطول...

مع تعليق خالد مطلك هناك اتجاه نحو الثقافة تفرزها الحياة ووسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي والميديائي في الحياة والوجدان الشعبي والجماهيري، مع مقال مونيكا وان كانت ليست ببعيدة عن كيار فراغني، هناك أمر اخر، فمونيكا الفتاة المشهورة، التي قالت إن كلينتون دمر حياتها، إلى جانب أن إدارة البيت الابيض الأميركي "شرشحت" حياتها، ودونت بالمكتوب والمرئي علاقتها برئيس بلاد العم سام كما لو أنها فيلم بورنو، ولا ندري ان كانت ضحية او متواطئة، المهم أنها في الوجدان كانت على علاقة "فضائحية" مع كلينتون، وفي مقالها يبدو أنها تمتلك موهبة الكتابة. فلقارئ المقال ان يحسب أن كاتبه أو كاتبته محترفة في تاريخ الشعر الاميركي، وهي تكتب ليس عن أي شاعر بل احد أهم الأسماء في اميركا، وان كانت تدون بعض وجدانياتها في علاقتها بقصيدة محددة، لكن الوجدانيات تظهر احترافا في حياكة المقال حول قصيدة لاليوت وحضورها، لدرجة تجعلنا نسأل، ولو على سبيل المزاح: هل هذه مونيكا؟ فهي لا تكتفي في رواية الأسباب التي جعلتها تحب قصيدة "أغنية حبّ ج. ألفرد بروفروك" وقد كانت أولى القصائد الكبرى التي ينشرها إليوت، بعدما قام صديقه إزرا باوند بمراجعتها وتنقيحها. بل تدرس القصيدة وحضورها في الثقافة والسينما والغناء، بدءا من رواية "الوداع الطويل" لريموند تشاندلر مرورا في فيلم "القيامة الآن" لفرانسز فورد كوبولا في فيلمه “القيامة الآن”...

وتظهر تجلّيات أخرى لـ“بروفروك” في الأغاني الحديثة، فالمغني الأميركي تشاك دي لديه أغنية بعنوان: “هل أجرؤ على خلخلة الكون؟”، وهي من الأبيات الأشهر في القصيدة. كما قام المؤلف الموسيقي جون كارتون بتلحين القصيدة كاملةً، وإعدادها للغناء. والاهم من رصد تأثير القصيدة، ما تستنجه مونيكا قائلة في يومنا هذا، في عالمٍ يزخر بتغريدات تويتر والرسائل الصوتية الإلكترونية، في زمن الرسائل النصّية الـقصيرة الواضحةِ المعاني، ربما نحن بأمسّ الحاجة إلى النباهة والحيوية والتكثيف البليغ الموجود في الشِعر... ربما يجب علينا أن نستعيد الدافع المحفّز على القراءة، فلا نكتفي بقراءة عناوين الصحف " وتختم قائلة "ليس المهمُّ لماذا أحبُّ قصيدةً ما، أو ما تعنيه بالنسبة لي، أو لماذا تتغيّر دلالاتها مع مرور السنوات. ما يهمُّ حقاً؛ هو إلى أيّ مكانٍ قصيّ يمكن للقصيدة أنْ تحملكَ إليه؟ هناك… ما وراء المعاني". ماذا لو قرأ بعض الشعراء العرب هذا المقال، وقارنوه بكتاباتهم؟! هذا مجرد سؤال...

ومونيكا ليست ببعيدة عن كيرا فيراغني، نشر موقع "نيكي سويفت"، تقريرا رصد فيه تطور شخصية مونيكا منذ التسعينيات وحتى الآن، واصفا إياها أنها لم تعد مونيكا التي نعرفها. في عام 1999 طرحت مونيكا مجموعة حقائب من تصميمها،  تركت مونيكا عالم الموضة واتجهت إلى الصحافة وبدأت تكتب في مجال القضايا الاجتماعية، أصبحت مونيكا لاحقا سفيرة لحركة الثورة على الإذلال الاجتماعي، المعنية بتوعية الناس بعدم توجيه العار واللوم للغير بسبب تصرفاتهم.

هذا من دون أن ننسى ان الاخبار كان تهتم بموضة مونيكا ووزنها ولوكها الجديد... كأن الحياة بالنسبة لهم صورة قبل كل شيء...

وشتان بين اسلوب حياة مونيكا وكيارا واسلوب حياة المثقفين والشعراء...

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها