السبت 2016/02/06

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

أوغو مولاس.. التصوير كحادث عرضيّ

السبت 2016/02/06
increase حجم الخط decrease
"على المصور أن يتعرّف على الواقع، وعلى الكاميرا تسجيل كامل تفاصيله" قال الإيطالي أوغو مولاس (1928-1973) Ugo MULAS أشهر وجوه الفوتوغرافيا الإيطالية على الإطلاق في القرن الماضي. أعماله التي لا تزال مجهولة في أوروبا تُعرض اليوم في مؤسسة "هنري كارتييه- بريسون" –باريس، وتضيء على رائد مجدد في إيطاليا وفي الولايات المتحدة في الستينيات. 


60 صورة بالأسود والأبيض، تستعيد، بمقاساتها وطريقة عرضها والنصوص المرافقة لها، الإصدار الإيطالي الأول لكتابه "الفوتوغرافيا"- 1973، اختارها بنفسه للنشر في كتابه هذا (يصدر اليوم بالفرنسية) الذي جمع فيه أفكاره وأهم أعماله، ويُعدّ اليوم "أسطورياً".

بانتقاله إلى ميلانو في العام 1948 اختلط بالوسط الفني والأدبي. صوّر المدينة، ووثّق المشهد الفني الإيطالي والنيويوركي في الستينيات. منذ 1968 بدأ الإهتمام بالمسائل الفكرية فيما خص الفوتوغرافيا وممارساتها.

"الفوتوغرافيا" هذا العنوان البسيط والطموح، شكّل موضوعه الفريد. مع كل سلسلة من الصور أرفق نصاً تناول فيه عصره من خلال بورتريهات لفنانين وأعمال لهم إعتبرها بمثابة علاقتهم الحميمة مع أزمانهم. بنظره "كل اللحظات هي زائلة، لكن قيّمة، أما اللحظة الأقل دلالة فيمكن أن تكون الأكثر إستثنائية. عدا عن قيمتها الوثائقية، تمتلك هذه اللحظات إنطباعات قوية عن السيرة الذاتية". يختتم "الفوتوغرافيا" بفصل مرجعي عنوانه "مراجعات"، يثبت الأهمية النظرية لكتاباته.

اقتصر عمله عن الفنانين (1964 و1967)، على صورة للفنان مع عمل له أو أثناء تنفيذه لعمل، بأسلوب تقليدي، مضفياً نظرة خصوصية، متلاعباً بالإضاءة، أو ملمحاً إلى إزدواج الشخصية، أو محولاً قماشة اللوحة إلى شاشة... هكذا أمام هذا الفعل السري للإبداع، أظهر البعد النقدي للمصوّر، الذي لا يكتفي بالوثائقي، بل يحاول إبداء وجهة نظر، أو سردية نقدية. كأن مولاس إلتقط وعيه لعجز الفعل الفوتوغرافي عن رصد الخلق الفني الذي يفوق الوصف، وحاجته إلى التعبير عبر الأداء لتدرك العين قصد المصور.

في الستينيات أدرك تغير دور المصور الذي لم تعد مهمته توثيقاً محايداً، بل تحولت، مع الفن المفاهيمي، إلى عنصر نقدي: بفعل هذا البعد المستجد، "أصبحت الفوتوغرافيا واسطة يضبطها الفنان المفاهيمي معتبراً المصوّر أداة لخدمة مفاهيمه، لا نظرة خارجية مستقلة". أجبر هذا التحول مولاس على تنقية عمله، بانتقاله إلى تصوير المعارض بدل تصوير الفنانين، ليصون حرية إبداعه، ويتقي سيطرة الفنانين.

أراد مولاس من تصوير الرسامين على مدى سنوات فهم ذاته وفنه. اعتقد أن الشكل هو مفتاح ولغز علاقته بالآخرين والسبيل إلى فهمهم. تلك كانت مناسبة كوّنت شخصيته الفوتوغرافية.

أبدع نموذجاً جديداً لتصوير المسرح استوحاه من أفكار المسرحي الألماني بيرتولد بريشت. «مراجعات»، عمله الذي بدأه في العام 1970 تناول فيه مفهومه لفعل التصوير. قال: "رغبت في تجربة حالات من الواقع، ربما في البورتريه الذاتية، هاجس حضور إنساني، ومشاهدة الذات وتشكيلها جزءاً من المشهد والتورط فيه. الكاميرا ليست جزءاً مني، إنما هي واسطة زائدة، لهذا السبب، أتخلى عنها عندما أشعر بأنني أكثر حضوراً".

تساءل: كيف نحلّل فوتوغرافياً مثل هذه المواضيع؟ كيف نجمع الآنية الجوهرية للفوتوغرافيا، أو المفترضة كذلك، مع الحاجة إلى تسجيل المدة في الواسطة الفوتوغرافية؟ كيف نتجاهل "اللحظة الحاسمة"؟ ربما من هنا بدأ مولاس "مراجعاته" الفكرية والفوتوغرافية، ما اعتبر استمراراً لعمله على صعيد آخر.

نستقرئ من تجربته هذه مفهومه للفوتوغرافيا، "هذه الواسطة التعبيرية العفوية"، وطريقة ترجمتها لفوات الزمن الفوتوغرافي. استمر مطوراً هذا البعد التجريدي للفوتوغرافيا، ومقارباً جوهرها: فعل إلتقاط الصورة، وقت تعريضها، تظهيرها ثم طبعها. اهتمامه بالتصوير «كحادث عرضي» جعل منه المصور الأكثر إشكالية في القرن العشرين.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها