الأربعاء 2016/02/24

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

أيهما يخدش الحياء: أحمد ناجي أم القضاء؟

الأربعاء 2016/02/24
أيهما يخدش الحياء: أحمد ناجي أم القضاء؟
في ديوانه، يتفجّع أبوحكيمة على "عدّة جنس" خذلته في كبره.. هذا تراث عربي (الرسم عن موقع "زائد18")
increase حجم الخط decrease
على هامش الضجيج الذي افتعله القضاء المصري حول رواية "استخدام الحياة" لأحمد ناجي واتهامه بـ"خدش الحياء" ثم محاكمته وسجنه، ربما علينا تذكير القضاء الاستبدادي والاعتباطي ولفت انتباهه إلى أن معظم كتب التراث العربي وحتى بعض النصوص الدينية للأئمة، تتضمن عبارات توصف اليوم بأنها "تخدش الحياء". وكان استعمال الكلمات الجنسية في النصوص القديمة أمراً عابراً ونافلاً، ويشكل جزءً أساسياً من ثقافة الكتب والمدونات والمرويات، لكن منذ "النهضة العربية" وما تلاها في القرن العشرين، بدأ التخلي عن لغة المجون من خلال التجميل والتلطيف، وصار استعمال الألفاظ الجنسية أمراً مستغرباً ومستبعداً، ونادرة هي النصوص الأدبية العربية الحديثة التي تتضمن ألفاظا جنسية، باستثناء بعض النصوص لنجيب سرور وإبراهيم طوقان وغيرهما. ويرجح أن العرب توقفوا عن مثل هذه الكتابة بعدما تأثروا بالثقافة الأوروبية (المسيحانية) والارساليات التي ساهمت في تشذيب النصوص الجديدة. وبمعنى ثانِ، لما بدأت في اوروبا موجة المجون من "أزهار الشر" لبودلير الى "عشيقات الليدي تشاترلي" للورنس و"مدام بوفاري" لفلوبير، بدأ العرب يميلون الى التهذيب والتشذيب ولغة المنفلوطي وجبران وميخائيل نعيمة...

إذا عدنا الى النصوص التراثية العربية (قصص "ألف ليلة وليلة") أو الشعبية الشرق أوسطية (قصص "قول يا طير") والبدوية (خصوصا العتابا) والقروية، سواء الشعرية أو النثرية وحتى الفقهية والدينية والغنائية والاسطورية، نجد أن ما فعله أحمد ناجي نقطة في بحر أو محيط ما يسمى ثقافة "خدش الحياء". فكان الأدب يعيش نوعا من سباق نحو "اللذة الحسية" والزندقة واللعب والهذر وفتوحات في الخيال الأدبي، حتى رجال الدين لم تكن لديهم مشكلة في استعمال كل الألفاظ... سبق أن كتبت عن "لغة الشيوخ الماجنة" باسم مستعار، وتحديدا الكتب الجنسية في التراث العربي (الروض العاطر، زهر الربيع، نزهة الألباب، الأيضاح في اسرار..، رجوع الشيخ...)، وبدا لافتا أن هذه النصوص تسمي الأشياء بأسمائها وتخصص فصولاً لأسماء الأعضاء الجنسية وتقدم مشهديات ومرويات ايروتيكية سبقت أوروبا والغرب بزمن. واللافت أيضاً، أن معظم أصحاب هذه الكتب كانوا من رجال الدين والأئمة أو قضاة الانكحة، وكتبهم إمّا موجهة إلى العوام وإما إلى السلاطين والحكام. عدا الكتب المخصصة لـ"اللذات والمتع". ويندر ان يخلو كتاب تراثي، تاريخي أو أدبي، من مواضيع جنسية عن الجواري والغلمان وحتى الألفاظ الجنسية التي نادراً ما تقال اليوم، من كتاب "الأغاني" للأصفهاني الى قصص "ألف ليلة وليلة" و"العقد الفريد" و"الامتاع والمؤانسة" ومرويات الحاحظ، وكلها كتب دوّنت أخبار الجنس والباه، بطريقة مباشرة وصراحة في الوصف، بل ان القرآن ذاته يروي قصة يوسف التي تنطوي في احد فصولها على ابعاد جنسية...

وصحيح أن هذه الكتب والمؤلفات تحمل تواقيع رجال دين وشيوخ وقضاة أنكحة، وأن بعضها كان موجهاً إلى الحاكم، أو هي وُضعت بطلب منه، إلا أنها تعكس واقع التحولات الثقافية والاجتماعية في المجتمع الاسلامي، وصعود موجة الرقابة والمنع مع صعود موجة الانحطاط والترهل الثقافي. فالكتب التراثية الجنسية، التي كُتبت باللغة العربية، صرنا نكتشف ان مخطوطاتها طُبعت باللغات الأوروبية قبل العربية بسبب التغير في أمزجة السلاطين الاسلاميين أو العرب.  

من يقرأ الكتب التراثية الآن لا بد أنه سيضحك وسيسخر على الحاضر، سيكتشف أن اللغة الماجنة كانت مطبوعة قبل الأوان، وأن كل القصائد الحديثة التي يفتخر بعض الشعراء بأنها ايروتيكية، ليست سوى مزحة خفيفة مقارنة بقصائد التراث... هل قرأتم ديوان ابي حكيمة الذي يرثي "ذكره" من باب التأسّف والتفجّع على "عدّة الجنس" التي خذلته في كبره. لم يستطع أبو حكيمة تحمّل خسارة "رجولته"، فعمد إلى المجاهرة بما أصابه. هل نسيتم مجون النواس وابن الشمقمق وابن الرومي وبشار بن برد وابن سكرة؟! لا ينتهي الكلام عن المجون في الأدب العربي. ويهدف المجون، بحسب الباحث سعيد الغانمي، وما يرافقه من خلاعة لدى شعراء الزنادقة، الى تحقيق اقصى درجات المتعة والبهجة واللذة.

على أن الأغاني المعاصرة أيضا لجأت إلى تهذيب التراث الشعبي ونفي الكلام الإباحي منها، فحتى وقت قريب كانت المواويل فيها من القصص الإباحية ما يكفي، بل إن الطقاطيق الماجنة في التراث المصري أيام سيد درويش ومنيرة المهدية وشفيقة القبطية كان يؤلفها بعض الشيوخ المعممين. وكان للشيخ (المعمَّم) محمد يونس القاضي، النصيب الأكبر من كتابة الطقاطيق، من بينها طقطوقة لمنيرة المهدية بعنوان "إرخي الستارة اللي في ريحنا"، والشيخ نفسه تحول رقيباً حين تم توظيفه في الدولة.

في الختام، أيهما يخدش الحياء: أحمد ناجي أم القضاء المصري؟ هل نشر كلمة ماجنة وهي الاكثر استعمالاً في الشارع خدش للحياء، أم العقل البطريركي للقضاء الذي يصاب بفوبيا من كلمة؟ واذ كان هناك "خدش للحياء" في نص ناجي، ألا يعتبر القضاء مسؤولاً عن توسيع رقعة هذا الخدش، بمعنى أن القضاء أصبح ميديا لنشر النص الذي لم ينتبه له الناس كثيراً في البداية؟ وأكثر من ذلك، الا يتطابق سجن سنتين لكاتب، بسبب كلمة، مع العقل الداعشي الذي يحاربه النظام المصري؟
  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها