السبت 2016/12/17

آخر تحديث: 11:36 (بيروت)

أحمد راتب.. رحيل "على الضَيّق"

السبت 2016/12/17
أحمد راتب.. رحيل "على الضَيّق"
بتلقٍ متوسط للخبر.. رحل أحمد راتب
increase حجم الخط decrease
1
الرصانة والملامح الصالحة لتعبيرات درامية جادة، تتناقض كثيرًا مع ملامحه أيام الشباب. أهّلته هذه الملامح وقتها لكوميديا تتكئ على أداء الممثل أكثر مما تتكئ على الموقف. ربما ليست مسألة ملامح، هل كانت فقط ظروف الأدوار التي جاءته مبكرًا؟ لا أعرف. الأكيد أنه برع في كل ما قدمه، وإن لم يكن له مقعد في عربة نجوم الدرجة الأولى. الجميع يقدر موهبته، ويتفهم أنه لن يحمل عملًا بمفرده.

2
أحب أحمد راتب ثورة يناير، حتى إسقاط مبارك. قال إن أول 10 سنوات في حكمه ليس فيها مشاكل، بعدها أصابته العنجهية مع ولديه. بينما شعر أن السيسي "حبيبي وحبيب كل المصريين، بيضحي من أجل هذا البلد وهيوصل مصر لبر الأمان"، قالها في أحد اللقاءات، وبكى. لا أعرف إن كان غيّر رأيه في الأداء العام بعدما ترهل هذا الأداء إلى ما نراه. تبهرني عادة فكرة الفنان الذي يُحب السلطة، أي سلطة. الفنان الذي يفترض أن معركته مع الواقع لا تنتهي، هي معركة مع أسئلة الإنسان. ولكن لا بأس. نعيش مرحلة لا يليق التعامل معها بالمنطق، أي منطق.

3
"يا واش يا واش يا مرجيحة.. ماتخضهاش يا مرجيحة".
في عزاء والدة أحدهم، تجمع الأصدقاء الثلاثة بعدما فرقتهم الأيديولوجيا السياسية. انتظروا حتى انتهى العزاء، وجلسوا إلى جانب بعضهم البعض، يختلسون لحظة إنسانية، ويدندنون بالأغنية.

بين "الدولجي" بمفهومه في عصر مبارك، وبين ممثل الإسلام السياسي، جلس راتب مُجسدًا شخصية المحامي محدود الدخل، المتأمل في صديقه ابن السلطة، شاعرًا تجاهه بقلق مختلط بمحبة وشيء من احتياج يمنع فضحه بعض الكبرياء ومحاولة بائسة في الحفاظ على المبدأ. ذلك المواطن الذي استسلم لخفوت اليسار بشكل ما، خفوت يحب عادل إمام إظهاره بين حين وآخر، بتفاوت في العمق.

في فيلم "طيور الظلام"، جاءت الرسالة إلى اليسار غير مباشرة، لم يحوّله إلى "أراجوز"، بل إلى المستسلم لمساعدة "الدولجي" في إيجاد وظيفة براتب جيد. برع أحمد راتب في تجسيد اليساري القديم الذي قبل المساعدة بشرط الإجابة عن سؤال: "الشغلانة دي شريفة يا فتحي؟". رد فتحي: "لو مالقيتهاش شريفة ابقى سيبقها.. الشغلانة دي كان ممكن أي حد غيرك ياخدها لمجرد إن عنده واسطة". اليساري القديم ابتلع فكرة الوساطة طالما أنه كفؤ، وطالما أن "الدنيا ماشية كده". أنا، طبعًا، لا أتحدث عن أحمد راتب، ولكن عن محسن المحامي.

4
على كثرة الأدوار المميزة التي قدمها أحمد راتب، توقف عدد من المواقع الإخبارية في تغطية رحيله، عند كونه اشتغل كثيرًا مع عادل إمام. عن نفسي لا أتذكر له أدواراً كثيرة مهمة مع "الزعيم". أدواره الكبيرة خارج هذه المنطقة.

رحلة صعود "السُحت بيه" من الصعلكة إلى التحكم في خلق الله، "المال والبنون". الأداء الاستثنائي للقصبجي في "أم كلثوم". سامح الذي "يتعركل" ويقع أرضًا بسماع صوت أنثوي في "سُكّ على بناتك"، وغيرها كثير. غير أن الذين توقفوا عند مشواره مع عادل إمام ليسوا مخطئين تمامًا. هو نفسه كان يعتبرها منطقة تميز. قال مرة ما يعني إن العمل مع صاحب "الحريف" يفتح طاقة القدر، وضرب أمثلة بعضها لم يكن منطقيًا بصراحة: "فاروق الفيشاوي اشتغل مع عادل إمام، تاني يوم بقى نجم"!

5
بتلقٍ متوسط للخبر، رحل أحمد راتب، قبل يومين أو ثلاثة. ذهب بلا صور كثيرة في السوشال ميديا. الرثاءات الإعلامية "على الضيق"، وجدل خفيف حول أحقيته بالحزن بسبب الموقفه السياسي.

ليس كل موهوب صاحب جدل. الموهوبون ليسوا جميعًا جذّابين لكتابة "بوست في فايسبوك"، وإن كان الرجل لم يخلُ من حضور وكاريزما معقولة، وربما يندهش البعض لو قلت: شيء من وسامة الشيب. لكن المدهش حقًا، كانت تلك الجنازة التي كانت أيضًا "على الضيّق"، رغم طول سنوات "العِشرة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها