قبل سنوات، كتب الصحافي الاميركي توماس فريدمان، إنه عندما تصبح لكل شخص مدونة، او صفحة في موقع "ماي سبيس" او "فايسبوك"، فإن الجميع يصيرون ناشرين. وعندما يصبح لكل شخص هاتف جوال مع كاميرا، فإن كل شخص يصير مصوراً فوتوغرافياً. وعندما يصبح لكل شخص القدرة على تحميل فيديو في "يوتيوب"، يصبح الجميع صانعي افلام. وعندما يصبح الجميع ناشرين ومصورين وصانعي افلام، يصبح كل شخص شخصية عامة.. المدونات جعلت المناقشات الكونية أكثر ثراء وجعلتنا أكثر شفافية.
الأرجح أن النشاط الثقافي الجديد الذي ستقدمه "الجمعيّة اللبنانيّة للفنون التشكيليّة -
أشكال ألوان" لثلاثة ايام بين 26 و28 شباط/فبراير 2015 لا ينفصل عن هذا الواقع الذي تحدث عنه فريدمان. فالجمعية اختارت، هذا الموسم، ان تتطرق الى موضوع إشكالي شديد الوطأة والانتشار ويخص الناس جميعاً قبل الاكاديميين وهو "
اللغة العربية وشبكات التواصل"، وتحت سقف هذا العنوان ستكون ورشة عمل تناقش تأثير العالم الافتراضي في العربية الفصحى والعامّيات، وفي العلاقة بينهما. وتتوّج الورشة بكتاب يصدر في خريف 2015، يضمّ نسخاً مطوّرة لمجموع أوراق الورشة.
الفكرة من المشروع هي محاولة للرد على سؤال يتردد في أوساط المعنيين باللغة العربية: "هل باتت لغتنا العربية بالية وآيلة إلى الانحسار في ظل عالم سريع التغير والتقدم، لا سيما فيما هي آخذة للتعرض له في فضاء العالم الافتراضي ووسائل التواصل الاجتماعي؟". تقول مؤسِّسة "أشكال ألوان"، كريستين طعمة، أنه لم يعد هناك مجال للهروب من هذا الموضوع الذي فرض نفسه في مختلف المجالات، من الفنون البصرية الى الرواية وحتى لغة الحب، لأن اللغة العربية لم تواكب ما يحصل ولم تستطع أن تعبر عنه. من جهّة ثانية، تناقش ورشة العمل "العلاقة بين العربية الفصحى والعاميات. فاللغة العربية الفصحى، التي كانت الأرضية المشتركة بين أقاليم العالم العربي متعدد اللهجات، ما عادت اليوم تستأثر بهذا الدور". فبفعل المحطات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، الناطقة بالعاميات، تبدو هذه الأخيرة آخذة بالتقارب أو بالتعارف على حساب الفصحى. فقد ساعدت هذه الوسائط في جعل العامّيات المختلفة مفهومة من غير أهلها، وفي التوجّه نحو "عامية افتراضية" أو "لغة بيضاء".
المساهمون في المؤتمر ممارسون للغة العربية في حقول مختلفة، من الفكر والبحث الاجتماعي والرواية، إلى المسرح والكتابة الصحافية. يقدمون شهادات شخصية عن تجاربهم مع اللغة العربية وتحولاتها.
المشرف العام على الورشة هو اللغوي والمؤرخ اللبناني أحمد بيضون، تشاركه في الإشراف منال خضر. المفارقة أن أحمد بيضون من أبرز اللغويين اللبنانيين والعرب، حتى أنه ما زال يكتب مقالاته بـ"لغة جاحظية". ومع ذلك لم يتردد في إصدار كتاب "دفتر الفسبكة"، ما اعتبره عشاق مقالاته ولغته نوعاً من "الاستسلام" لمرحلة جديدة فرضت نفسها وواقعها وتحولاتها. بيضون صاحب كتاب "كلمن: من مفردات اللغة الى مركبات الثقافة، 1997)، سيقدم كلمة في المنتدى بعنوان "عامّياتٌ يُكْتَب بها وفصحى حواريّة؟: تأمّلٌ في عربيّة الفايسبوك"، مختصرها أنه "مضى زمن على انسحاب الفصحى شبه التامّ من مناطق للمشافهة كانت تحتلّها (كالتدريس والخطابة وغيرها..) وها هي اليوم تعود إلى نوع من الاستعمال المباشر يشبه المشافهة، في فايسبوك. لكن الأثر اللغوي الأبرز للشبكات الاجتماعية إنما هو منح العامّيات صفة اللغة المكتوبة في أوسع نطاق. سنحاول وصفاً لهاتين الظاهرتين في تَقابُلهما، واستكشافاً لوَقْعهما على العربية المعاصرة ومستقبلها".
وكان سبق لأحمد بيضون مع منال خضر، ان نشرا نصوصاً بالعامية في مجلة "كلمن"، الى جانب نشرهما مقابلة مهمة مع عالم النفس المصري
مصطفى صفوان يقول فيها إن "احتقار الشعب للسانه هو أداة من أدوات السلطة لكسره. وهذا ليس له مثيل في العالم. ففي فرنسا مثلاً قواعد اللغة الفرنسية هي قواعد تلك اللغة التي يتكلمها الناس في الشارع، وهي استمرار وتبلور لانفصال العاميات في لغات تفرعت عن اللاتينية"...
ورشة "أشكال ألوان" متعددة ومتنوعة. الباحث المصري عماد عبد اللطيف، الذي أصدر "بلاغة الحرية: معارك الخطاب السياسي في زمن الحرية"، سيقدم "لغة الجمهور في الفضاء الإلكتروني - مدخل لساني بلاغي"، وتحاول ورقته استكشاف بعض الخصائص اللسانية والبلاغية لنوع بعينه من أنواع خطاب الجمهور في وسائط التواصل التفاعلية، وهو التعليق على البث الإلكتروني للأحداث السياسية. وسيتخذ البحث، من تعليقات الجمهور على المناظرة الشهيرة بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح في المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 2012، مادة للبحث".
الباحث حسن ابو هنية سيتحدث عن "اللغة والعنف في الخطاب الإلكتروني لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، اذ تعتبر الجهادية العالمية عمومًا وتنظيم الدولة الإسلامية خصوصًا، إحدى أهمّ الحركات والتنظيمات الراديكالية التي استثمرت الثورة الاتصالية في بثّ رسالتها الدعوية الدينية.
اللغة الروائية
اللغة الروائية لها حضورها في برنامج المنتدى، خصوصاً بعد رواج استعمال العامية في الحوارات الروائية، وإن كان البعض يعتبر استعمال العامية في الحوارات الروائية خرقاً و"تابو". لكن هذا الأمر بدا من الأمور العادية، حتى أن روائياً اشتهر بالفصحى مثل حسن داوود، كتب في روايته الأخيرة "نقل فؤادك"، حوارات بالعامية، فكيف الحال بالجيل الجديد، ومع زمن "فايسبوك". إذ أن هناك من يكتب رواية فايسبوكية، أو رواية أونلاين، كما تشير كريستين طعمة، أو رواية من خلال الرسائل القصيرة..
الروائية المصرية منصورة عز الدين، ستقدم في المنتدى كلمة بعنوان "العامية المصرية: بديل للفصحى أم "غيتو" لغوي؟"، وهي تطرح سلسلة أسئلة: "كيف يمكنني كروائية أن أكون مرتاحة في لغتي في وقتٍ أفكر فيه بـ"لغة" وأكتب بأخرى؟! وإلى أي حد يؤثر اختياري لمستوى ما من مستويات اللغة العربية، في رؤيتي لشخصياتي ورؤية شخصياتي للعالم؟ وإلى أي درجة اختلفت تحديات تطويع العامية المصرية لمتطلبات الرواية الآن عنها في ما مضى؟ (...) وكيف تحولت العامية المصرية المستخدمة في فايسبوك إلى غابة من الشيفرات والكودات والإحالات الضمنية التي يصعب على غير المصريين فهمها؟"..
الروائي اللبناني هلال شومان صاحب رواية "ليمبو بيروت" التي تخالطها رسوم لخمسة فنانين شباب في مشهد يدل على تقارب اللغة المكتوبة مع اللغة البصرية، سيقرأ كلمته "في تلاقي وافتراق العربيّة الفصحى والمحكيّة اللبنانية: رحلة بين وسائط تقنيّة وفنيّة"، منطلقاً من بعض التجارب الشخصيّة والعامة، طارحاً أسئلة من نوع: "كيف بدأ الوعي اللغوي عند الكاتب؟ كيف أثّرت تعرّضاته في المنزل والمجتمع والمدرسة في حساسيّته اتجاهلا اللغة؟ ماذا عن المفارقات بين ما يُكتَب وما يُحكى، واختلاف الأحرف بين اللغات؟ كيف تفترق وتلتقي الفصحى والعاميّة؟(...) ما هي المآزق اللغوية التي تعرّض لها الكاتب في خضمّ الكتابة والنشر؟ وما صعوبة أن يعبَّر عن اللهجات وصوتيّاتها بالأحرف العربية؟".. أسئلة كثيرة يطرحها شومان الذي عرف بحبه للغرافيتي وعالم الرسم...
تراجيديا الكرد
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها