الأحد 2014/06/22

آخر تحديث: 13:50 (بيروت)

ريما خشيش: جاهزة أخيراً لتجربتي الخاصة.. وربيع مروة يشبهني

increase حجم الخط decrease
رغم أنها ليست المرة الأولى التي تصعد فيها ريما خشيش إلى المسرح ببنطلون جينز، فإنها قد تكون المرّة التي علقت في أذهان كثيرين من جمهور حفلتها البيروتية الأخيرة في "مسرح المدينة".

الجينز الممزق مجرد علامة استدلّ بها محبو ريما. علامةُ "لشخصيةٍ" جديدة، لم تنحصر سمتها في تخفف الفنانة الشابة من رسميّة خفرة لطالما أملَتها الموشحات والأغاني القديمة، إضافة إلى طبيعة ريما نفسها. فالشخصية الوليدة تبدّت أساساً في البرمجة الغنائية للحفلة، وانعكس مزاجها في حضور ريما خشيش وفي نظرة الحضور إليها، أو بالأحرى هو المزاج الذي.. كسر القالب.

أغانٍ جديدة، بعضها يغلي بسخرية آنية، كالخبز الطارزج. أغان خاصة بريما خشيش، باللهجة اللبنانية العامية، وبمواضيع يومية. الهزء موضوع، والمرارة، والضحك أيضاً، من الذات والوطن والخرافات العادية، وطبعاً الحب.

لم تكن مستغربة تمتمة إحدى الحاضرات في الحفلة: "أيوه رمروم!". إذ أن ريما، بالفعل، تجرأت أخيراً.. على نفسها.

الفنانة التي كادت تُسجن في "رصانتها" المحفوفة بـ"حبي زُرني" و"لاهٍ تيّاه" و"حرّم النوم علينا وغفا" و"سليمى"، و"فلك" عصام الحاج علي، وحتى "لحن الشيطان" و"شدّ الحزام" لسيد درويش، تغرّد اليوم: "هالحلو المحبوب مش ح يثور، ما عندو حيل، ولا فاضي البال، إنو يواجه أعداؤه، ولا زعران الحي الحي الغربي اللي لاطينلو". ها هي ريما التي لطالما مازحها الأصدقاء في شأن اهتمامها المحموم بمخارج الحروف والتي، إن انحرفت عن عربية صحيحة، خدشت أذنها، ها هي تحذّر مستمعيها مسبقاً (ومعهم نفسها ربما)، بأنها لن تقول "يثور" بل "يسور"، قبل أن تشرع في الغناء، ذاهبةً بالعامّية اللبنانية للنهاية، كاسرةً الألف في "البال" لتتواءم مع "حيل". ريما تتجرأ، مع محبّيها، على نفسها، وتبتسم، تبتسم كثيراً، كأنها تلعب.

بدت الحفلة الأخيرة في "المدينة"، والتي قدمت لأغانٍ جديدة سيبدأ تسجيلها قبل إصدارها في "سي دي" خلال عام من الآن، أقرب إلى مفاجأة. سعيدة للبعض، ناثرة فقاعات ملونة في كل الاتجاهات. وصادمة للبعض الآخر الذي وعد نفسه بموشحات ولبنانيات ومصريات قديمة، فلامَ الفنان ربيع مروة باعتباره صاحب الكلمات في معظم الأغاني، والمتصرّف/المقتبِس في البعض الآخر للبننة قصائد الشاعرة إيتيل عدنان.

تبتسم ريما فيما تسمع أصداء الحفلة، وتضارب الآراء. وفي المقهى، حيث التقيناها للدردشة، تشرب كوب مرطّب بارد وتقول: "تعاوني مع ربيع مروة قديم، أشرف فنياً على ألبومات سابقة، وأنجزنا سوية أغنيات عديدة لم نسجّل نصفها، ربيع ليس صديقي فحسب، هو يشبهني ويفهم عليّ، أنا أعشق الموشحات لكني لم أحصر نفسي فيها طوال الوقت، سبق لي أن غنّيت تحيات لزكي ناصيف وصباح، وكنت أمرّر أغاني خاصة في كل ألبوم وحفلة، أردت بشدّة إنجاز ألبوم "هوى" الأخير المخصص للموشحات والذي اشتغلت عليه طويلاً، والآن أنا جاهزة لإنجاز ما هو خاص بي، فكانت هذه الحفلة".

تخبر أن ربيع، المستقر الآن في ألمانيا، اتصل بها يوماً ليخبرها عن مهرجان في ألمانيا سيكرّم الشاعرة إيتيل عدنان، وأنه يريدها معه في هذا العمل الذي لم يقرَّر بعد إن كان سيكتفي بغناء أعمال إيتيل (بتصرّف)، أم أنه سيولّف معه أيضاً أداء مسرحياً ما. وفعلاً، أحيت ريما حفلة غنائية في ألمانيا بكلام إيتيل، وبألحان تشاركت في تأليفها مع ربيع، ووصل بعض من هذه الأغاني إلى حفلة "المدينة".

"وأنا ناطرة تصير كبيرة، فجأة الغرام انفجر ع بلاط الخريف، وصابتني شظايا الحب بالصميم، آه ع الحب شيطان الرصيف، هالحب شو شيطان، كان واختفى" (كلمات: إيتيل عدنان – ألحان: ربيع مروة/ريما خشيش).

"ع بلاط الخريف" يا ريما؟.. أبادرها بامتعاض شخصي، فتضحك بروح حلوة: "ما حبيتيها؟ بس هي هيك قصيدة ايتيل عدنان". وبعد وقفة عند لمعة "الحب الشيطان" الذي كان واختفى، كصورة تتفوق على بالبلاط والخريف، تكمل كلامها: "لا شيء أصعب من تقديم الجديد، أصعب على المستمع المعتاد على نمط بات يتوقعه ويطالب به كل مرة، وأصعب عليّ أنا أيضاً لجهة الاختيار، لكن هذا ما أريده الآن، أن أجدّد ولا أكرّر نفسي.. لذلك لم أذهب إلى الشعراء المكرّسين في سوق الغناء أو حتى في الدوائر الأدبية، فإلى جانب إيتيل عدنان، غنّيت كلام ربيع لأن أفكاره بسيطة وبلا ادّعاء وتخاطبنا جميعاً في الوقت ذاته، الكلام استهواني.. وهو ليس شاعراً بدوام كامل، وليس ملحّناً محترفاً، نتفاعل سوية في تجربة، نقول ما يشبهنا وبطريقتنا الخاصة.. لم نخترع البارود، في رأيي ما عاد لأحد أن يخترع البارود بعد ذاك التراث المكين الذي تربّيت عليه وملأ رأسي ووجداني، وأظن أني من بعده لن أشعر بوزن لأي شيء آخر مهما كان، لذلك قررت أن يكون جديدي بساطة معمّقة، في تجربة أحبها وتعنيني في الأساس".

"وين ما كان في دروب، وين ما كان في هروب، وين ما كان في رصاص في قواص في حروب.. وين ما كان في وعود، وين ما كان في جدود، وين ما كان في حُمْر في بِيض في سُوْد.. وين ما كان في شو ما كان.. وين ما كان في مين ما كان.. إلا وجعي يا حبيبي، وحده بجسمي موجود" (كلمات وألحان ربيع مروة).

والحال، تغنّي ريما أيضاً، إيتيل عدنان، التي صرّفها ربيع بالعامية: "عمر الخيام.. عزمني ع كاس". الصوت الرقراق، المائج بتمكّنه التقني وحنوّه في آن واحد، يرسم الآن صوراً لحنِية ذات خيال مختلف، مطبوع بالمفارقات، والمفارقات بطبيعتها مضحكة ومؤثّرة في الوقت ذاته. تلك التي تلمسك في نقطة بعينها، فتدرك أن صوتك الداخلي مزيج من ضحكة وحرقة. الصوت؟ أم الكلام؟ أم انطباق الإثنين؟ في حفلة "المدينة" ثمة من تذكّر سلمى المصفي التي غنّت ألبوم "ولّعت كتير" لزياد الرحباني، ورُدّت تجربة ربيع/ريما هذه إلى صحوة "زيادية" متأخرة. بل وورد اسم تانيا صالح. سلمى ليست صوتاً، بل أداء من نوع محدد جداً أجاد زياد اختياره وتطويعه في خدمة "لسعته" التي كانت، في ذلك الألبوم، لا تزال لافتة. وتانيا بدورها شيء آخر تماماً. ريما صوت يربّت على القلب، يمسح بكفّه الرائق على الرأس فيطمئن ويستسلم، ويحدث أحياناً أن يلكُم الوعي بطلعات عازمة.

إلا أن استذكار زياد لا يبدو مجانياً تماماً، خصوصاً في ختام الحفلة مع أغنية "وشوِشني" التي تداخلها كلمة "خِدني" بطريقتين، واحدة ممدودة على طريقة فيروز في "نسّم علينا الهوا" والتي تحتار ريما ألا تهوي بها إلى "خدني على بلادي".. وثانية أكثر صراحة، تذهب إلى "خدني ازرعني بأرض بعيدة عن لبنان"، بدلاً من "خِدني ازرعني بأرض لبنان" في أغنية فيروزية شهيرة أخرى.

"كلّمني وشوِشني، خللي هالخط يرنّ.. غنّجني لعبني، خلّيه يبيّن هالسنّ.. رقّصني، حرقصني، بوّسني، قوّصني، قنّصني، آنسني، خلّيني إخوَت جِنّ.. دلّعني، ولّعني، خللي هالقلب يحنّ.. وخِدني...." (كلمات وألحان ربيع مروة).

ثم تتمازج "وشوِشني" بمقطع من نشيد "لبنان" للأخوين فليفل (لبنان سحر ونور ورونق وبهاء.. ومعقل للنسور معلّق في الفضاء)، إضافة إلى مقطع من أغنية "أنا من لبنان" لزكية حمدان (أنا من لبنان، من حصن الجدود، من فم العصفور من خدّ الورود، من دم العنقود، من قطر الندى، من ضلوع الأرز، من وحي الخلود). وهنا، تحضر السامع السخرية اللمّاحة التي لطالما شهرها زياد الرحباني في وجه الإرث الرحباني لأبيه وعمّه، عاصي ومنصور، اللذين كرّس أسطورة لبنانية طوباوية، رغم جمال الإرث هذا وتعلّقنا جميعاً به إذ يرافقنا منذ الولادة. فعلها زياد في أغانٍ على طريقة "يا ريت، انت وأنا بالبيت.. بس كل واحد ببيت"، وفي مسرحيات من نوع "شي فاشل". وفي حفلة ريما الأخيرة، وعلى لحن أغنية "تبسّمي"، المقتبسة عن "بيسّامي موتشو" المكسيكية الشهيرة، رُكّب كلام طريف يطالب امرأة أن "تبسّمي بوجهو" درءاً للنكد، ثم غنّت ريما نسخة ثانية تُطالب فيها المرأة نفسها ألا تتردد وتصفع حبيبها لأنه يستحق ذلك. وهذا أيضاً ما فعله زياد الرحباني في العديد من مقطوعات الجاز والأغاني اللاتينية.

"ممكن جداً أن نكون قد تأثرنا بزياد الرحباني، من دون أن ننتبه، في النهاية جيلنا كله متأثر به، ببساطة الكلام والذي يمكنه أن يذبحك أيضاً لشدة عمقه وصدقه"، تقول ريما بعد شيء من التفكير. "لكن المؤكد أن زياد لم يخطر في بالي وأنا أعمل على الأغاني الجديدة.. ولعل المضحك في الموضوع أنني مثلاً غنيت: ازرعني بعيد من أرض لبنان، في حين اني لم أعش أبداً في الخارج، ولا يمكنني أن أفعل، لكن الحقيقة أن الشعورين موجودان فينا: الرغبة في الرحيل كما الرغبة في البقاء.. نشيد لبنان حفّظني إياه سليم فليفل وهو ابن أحد الأخوين فليفل وكان أستاذي في الكونسرفاتوار، وجدتني أتذكره مع "وشوشوني وخدني بعيد من أرض لبنان".. قد نشعر أن كلام هذا النشيد مضحك، وأننا لا نعرف لبناناً كهذا، وفي الوقت نفسه أغنية الرحابنة نسّم علينا الهوا هي كالنشيد الوطني بالنسبة للبنانيين، حنين لا نفهمه، أردت إظهار هذا الصراع الداخلي الذي أعتقد أننا جميعاً نختبره". 

أما وقد حسم هذا الصراع بالنسبة إلى ريما خشيش، إذ نفّست عنها بطريقتها الخاصة، يبقى التحدي الأهم: إنتاج الألبوم الجديد وإصدار "السي دي". لا تمويل يلوح في الأفق حتى الآن، وهذا محزن، ويجب أن يستنهض الأوساط المعنية. لكن ريما خشيش ستحيي حفلات أخرى في بيروت قريباً، هذا مؤكد ومنعش، تماماً كالحب الشيطان.. وتجرّؤ ريما على نفسها.
increase حجم الخط decrease