الثلاثاء 2014/12/16

آخر تحديث: 12:52 (بيروت)

محمد ربيع: "عطارد" هو فشل الثورة وليس الثورة

الثلاثاء 2014/12/16
increase حجم الخط decrease
محمد ربيع روائي مصري شاب، برز اسمه بقوة في السنوات القليلة الماضية، في روايته الجديدة "عطارد" (دار التنوير)، لغة جديدة ومشهدية مختلفة، يوقعها يوم الخميس 18 كانون الأول/ديسمبر، الساعة السابعة مساءً، وكان لـ"المدن" معه هذا الحوار.

- ما سر حضور الزمن والكون في معظم عناوين رواياتك؟

* ربما هذه محاولة لفهم تيار الزمن، الذي تؤكد العلوم على أنه يمتد في اتجاه واحد وبسرعة ثابتة، لكننا دائمًا نفكر في مسار الماضي ونحاول التنبؤ ما سيحدث. ونشعر طوال الوقت أن الزمن يتسارع كلما تقدمنا في العمر.

- ما مدى تأثير الثورة المصرية على كتابة روايتك على نصها وفكرتها؟

* الثورة فشلت. وأظن أن دافع كتابة "عطارد" هو فشل الثورة وليس الثورة ذاتها. "عطارد" تُسجل الخسائر التي مُنينا بها خلال الثورة وبعدها، والرواية ليست تأريخًا للثورة بأي شكل، فهذه مهمَّة كتَّاب التاريخ.

- هل يمكن القول ان هناك جيلاً جديداً من الروائيين في مصر بعد الثورة و"الثورة المضادة" والتحولات التي حصلت بعد سقوط مبارك؟

* هذا الجيل موجود قبل الثورة، وربما شغلته الثورة عن مساره الأدبي المتوقَّع، وأجبرته على السير في طريق آخر. كذلك هناك جيل صاعد لا تمثِّل الثورة بالنسبة له إلا ما كان يُحكى في الصحف والتلفزيون، وهو بالتأكيد يرى ما حدث فوضى أو ثورة مجهضة، وأظن أن الجيل القادم سيتجه إلى ما يُسمَّى "الكتابة التجارية"، وربما سيحاول التوفيق بين ما هو أدبي وتجاري.

- إلى أي حد تشكل روايتك الكابوسية انعاكساً للواقع المصري؟

* هي رؤية مبالغ فيها بالطبع، لكنها قد تتحقَّق بعد سنوات. الكثير من الأحداث استقيتها من التاريخ المصري، مدخل الرواية - على سبيل المثال - مقتبس من حادثة حقيقية سمعنا بها منذ سنوات وظلت تؤرِّقني لمدة طويلة. كذلك الكثير من مشاهد القتل، هذه مشاهد نقلتها لنا الصور وتسجيلات الفيديو من خلال الانترنت. أما الحديث عن الاحتلال فسمعته كثيرًا خلال فترة حكم الإخوان، كنت أتعجَّب حينما يعلن أحد الأصدقاء رأيه بصراحة ويقول إن أيام الاحتلال الانكليزي كانت أفضل. مع أنه لم يكن قد وُلد في تلك الأيام!

- هل تكتب بلغة تحاول القطيعة مع الرواية التقليدية في مصر؟

* لا، فقط أحاول أن أكتب أفضل ما عندي. وأظن أن الرواية التقليدية أو الكلاسيكية ستعيش إلى الأبد، وكل صور التجريب مؤقتة ومرتبطة بزمنها.

- يحضر العنف في كل شيء في روايتك، من عنف العنف ومشهدية الجثث الى العنف الميتولوجي والديني والعنف الجنسي، هل هذا الافراط في الحديث عن العنف مجرد وظيفة روائية أم ادانة للعنف نفسه؟

* أنا شخص ضعيف جداً، ولا أستطيع قتل صرصار. لكني أرى العنف كامنًا داخل الناس، ولا يحتاج إلا لكلمة أو نظرة أو حركة حتى ينطلق من دون حدود. ولا أتكلَّم هنا عن المصريين بل عن البشر عمومًا، ثمَّة حادث قتل عنيف يحدث في كل لحظة في العالم. وإذا نظرتَ لتاريخ البشر نظرة واسعة، لوجدت أنه ليس تاريخًا للحكَّام والرؤساء والمنتصرين كما قِيل لنا من قبل، بل هو تاريخ للعنف.
كذلك سترى العنف في الأساطير، وفي التوراة والإنجيل والقرآن. وربما كان القرن العشرين بما فيه من اعتراضات سلمية وابتعاد عن العنف قرنًا شاذًا في تاريخنا. أمَّا اليوم فقد تخلَّى الجميع عن مبدأ السلمية هذا. ولم يسُد إلا من استخدم أقصى درجات العنف مع أعداءه. واليوم أنا شخصيًا أقرب إلى انتقاد السلمية التي تمسَّكنا بها في ثورة يناير. وربما كان المنتصر الوحيد في ثورتنا هذه المتظاهرون الذين قاموا بحرق أقسام الشرطة.
وقد يكون من الأفضل - إذا كنَّا نريد النجاح حقًا - أن نعيد التفكير في ما يتعلَّق بالتظاهر السلمي. بالطبع لا أطالب الناس بما أعجز عن فعله شخصيًا، خصوصًا أنه قد يتعارض مع اعتقاداتهم الراسخة. لكن لا مفر من تقليب ما نؤمن به من حين لآخر.

- في كلمة شكرك في خاتمة الرواية، هناك مزيج غرائبي من المصادر بين الاصدقاء الى الشرطة والانترنت وكتاب "من عاش بعد الموت" وأشعار بوكوفسكي وفؤاد حداد، هل هذا صدفة أم خيار أم مشروع؟

* كل ما تم ذكره في المصادر يتصل ببعضه بعضًا بخيط رفيع جدًا. بوكوفسكي شُغل بنهاية العالم، ورأى في إحدى القصائد أن كل شيء سينتهي لتبدأ دورة جديدة. وفؤاد حداد رأى في قصيدة جثمان شهدي عطية الشافعي وهو يومئ له ويطلب منه الكتابة. وقبلهما بزمن طويل كتب الحافظ ابن أبي الدنيا كتاب "من عاش بعد الموت" لا كي يؤكِّد الرؤية الإسلامية لما بعد الموت كما قد يُستشف من الكتاب، لكن كي يعبِّر عن قلقه العميق من المستقبل الغامض للناس كافة.

- "يبني محمد ربيع جحيمه الخاص، وهو هنا انعكاس للمصائب والهزائم والاحباطات السياسية، لكن نكتشف ان السياسية ليست سياسية والعملية الثورية ليست عملية بل هو تكرار للعذاب الأبدي الذي تعيشه شخصيات ربيع"... هذا ما كتبه الزميل احمد ناجي، ما رأيك بهذا التوصيف؟

* هذا وصف مختصر ودقيق للرواية فعلًا.

- هل تستفيد من مهنة الهندسة في الكتابة الروائية؟

* يقولون ذلك كثيرًا، وربما كان البناء حسب التقاليد الهندسية أكثر وضوحًا في "عطارد". لكن ما لا يراه القارئ هو التخطيط المسبق للرواية، هناك الكثير من الخرائط واللوحات التي ترسم مسارات الشخصيات وتوضح مدى أهمية الأحداث ومواضعها في النص. أعتمد على كل هذا لا على كتابة الملاحظات فقط. وحين تكتمل الخرائط أبدأ الكتابة.

- هل طبعت روايتك في لبنان هرباً من الرقابة المصرية؟

* لا، الرقابة في مصر تنظر في ما يأتي من الخارج فقط، ولا شأن لها بما يُطبع داخلها، وربما هي استمرار للرأي المتخلف الذي يرى أن كل ما يأتي من الخارج شر لا بد من النظر إليه بحذر. وعلى هذا الحال فرواية "عطارد" معرضة للمنع إذا ما التفت الرقيب إليها.
لكن هناك الأسوأ من رقابة الدولة. كنتُ قد ظننتُ أني قتلت الرقيب الداخلي تماما أثناء كتابة "عطارد"، لكن يبدو أنه بُعث قبل الطباعة، واستجبت لنصائح صديق عزيز وحذفت القليل مما كتبت. على أي حال ربما يكون فعل المنع في مصلحة الكتاب بشكل ما.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها