الأحد 2013/07/14

آخر تحديث: 00:32 (بيروت)

نذير جسد

الأحد 2013/07/14
نذير جسد
الفنان ماهر قريطم
increase حجم الخط decrease
 في عالم تسيطر عليه الفوضى، قرّر الرسام ماهر قريطم أن يهرب إلى عالم آخر من صنعه، يحدّد بريشته حدوده وتفاصيله، على أن يتمحور حول شيء رئيسي يؤمّن له الطمأنينة وراحة البال. من هنا كان اختياره لعنوان "stripped" (متعرٍّ)، الموضوع الأقرب إلى قلبه، ليس اهتماماً منه بالجسد الأنثوي فحسب، بل أكثر من ذلك، هو شغفه، كما يقول لـ"المدن". الموضوع ليس جديداً، فقد سبق لكثير من الفنانين العالميين معالجته، ولعل أبرز الأعمال هي "أصل العالم" لغوستاف كورييه الموجودة في متحف "أورسي"، وتعرض اللوحة فرج وبطن امرأة مستلقية، منفرجة الساقين.
 
أربعة وعشرون لوحة استقبلها غاليري "آرت لاب"، تجسّد في غالبيتها نساء بأجسادهن العاريّة، أحياناً يبدو عُريهم جميلاً، وفي أحيان أخرى يبدو قبيح الشكل. الإصرار على رسم كل جسد بشكل منفرد يبدو واضحاً، لكل جسد صوت خاص به. والطرح هنا لا يقتصر على الجسد فقط، بل أيضاً على علاقته بالحركة. وهذا ما يلاحظه المُشاهد في اختلاف أشكال الأجساد ووضعياته. الجسد ليس كاملاً في كل اللوحات، بل يبدو ناقصاً، بحيث يمتد من الرقبة إلى الساقين، وأحياناً تبدو الأعضاء معكوسة، وفي غير أمكنتها الطبيعية. وفي أحيان أخرى تُبتر فتظهر وكأنها مشوهة. إلا أن الغاية من عدم رسم الجسد كاملاً، بحسب قريطم، هو حث خيال المشاهد على مشاركته الرسم، وإكماله كما يريد هو أن يراه.
 
اللوحات بدت وكأنها سلسلة متكاملة للحالات والمشاعر المتناقضة التي يمرّ بها المرء من "تبصر وصفاء وهذيان وخداع وشجن واختباء وراحة...". والجسد لم يكن فيها إلا الوسيلة التي فضّل قريطم التعبير بها. لوحة تحمل عنوان "yoga" تظهر الجسد في وضعية التأمل: الظهر مستقيم، الساقان متربعتان، لا وجود للرأس، الجسد بالأبيض والأسود مع استعمال دائري للون الأصفر وسط النهدين، وكأن الضوء يصدر من هناك. في لوحة أخرى تظهر امرأة بجسدها المستلقي، وقد التفّت حوله تعبيراً عن حالة من الانطوائية. أما في باقي اللوحات يبدو الجسد فظاً في وضعياته، وصادماً في تفاصيله، لكنه رغماً عن ذلك بقي بعيداً عن الابتذال، وخالياً من أي غايات أو إيحاءات جنسية، وفي الوقت نفسه لم يدخل في إطار الاستعراض التشكيلي.

"جسد المرأة لا يفوق وجهها أهمية"، يقول قريطم، والدليل على ذلك هو تركيزه، في لوحات أخرى، على الوجوه دون الجسد. فما يجذب الاهتمام هي الإمكانات التعبيرية للوجوه أيضاً، إذ تتنوع بين الفرح والذهول والحزن والضياع. لا أفضلية هنا لشيء على آخر، فالاثنان يشكلان حالة من التكامل إلا أن التيمة الأساسية للمعرض هي الجسد.
    
اللوحات بأحجامها المتنوعة أنجزت في معظمها خلال العام الحالي، البعض نقلاً عن موديل فعلي، والبعض الآخر من ذاكرة قريطم. وقد استعمل فيها الفحم والإكليريك على القماش كي يبرز الخطوط بوضوح في الرسومات، التي، رغم بساطتها، تتميز بقوة مركزة وبتماسك بارز.
 
يشار إلى أن عملين من أعمال المعرض يخرجان عن الموضوع الأساسي. لوحتان لبومتين، تتشابهان في طريقة الرسم والشكل إلا أن لونهما مختلف، وهما عملان لا يتنافران مع إيقاع المعرض، إلا أن وجودهما يدفع إلى الدهشة في بادئ الأمر. ويؤكد قريطم في هذا الإطار على أن معظم الرسومات في الحضارات القديمة كانت تُظهر الآلهة وهي تحمل بومة، فالأخيرة كانت رمزاً للحكمة والخصوبة والسلام، وليست نذير شؤم كما يصورها البعض.

قريطم لم يدرس الفنون، بل تخصص في المحاسبة إلا أنه هجر تلك المهنة ليتفرغ لشغفه الأساسي الذي رافقه منذ الصغر، وهو الرسم. لم يشارك في أي دورات تدريبيّة ليتعلم تقنيات الرسم. كل ما فعله هو متابعة المعارض والإطلاع على ما أمكنه من أعمال الفنانين. 
 "stripped" هو المعرض الفردي الثاني لماهر قريطم الذي شارك في معارض جماعية عديدة في لبنان وخارجه.
 
4.jpg

2.jpg

7.jpg
increase حجم الخط decrease