السبت 2015/05/23

آخر تحديث: 11:04 (بيروت)

بقليل من "السحر" تقوم الرواية

السبت 2015/05/23
بقليل من "السحر" تقوم الرواية
السحر الذي لم يعد يؤتى منه بأي جديد لكثرة ما جرى تسويقه واستهلاكه.
increase حجم الخط decrease

الشاب الأفغاني، القارىء، إبن العشرين عاما، مولع بفيودور دوستويفسكي. في لحظة ارتكابه جريمة قتل امرأة مرابية، في أثناء ما كاد يهوي على رأسها بالفأس، خطرت له فعلة راسكولنيكوف بطل "الجريمة والعقاب". في تلك اللحظة الحاسمة سقطت الفأس من يده، لكن لتقع على رأس المرأة العجوز فتششجّها. أمام مشهد الدمّ الذي بدأ بالتدفق، تولاه الخوف، ففرّ هاربا، مقتفيا في الوقت نفسه أثر امرأة سمع وقع خطواتها صاعدة على الدرج في أثناء ما همّ بسرقة المال والمجوهرات. ولم يفلح في تعقّب المرأة الشاهدة، التي لم يرَ منها إلا مشيتها إذ، شأنها شأن الأفغانيات جميعهن، كانت متدثّرة ببرقعها الأزرق. واحد من الإحتمالات أنها ربما كانت خطيبته صوفيا، بحسب ما ظنّ، ولو لفترة لم تطل كثيرا، إذ سرعان ما أقفل على ظنّه ذاك توالي الأحداث.

في المشهد الثاني من الرواية نراه واقعا في أيدي مسلّحيْن اقتحما منزله وانهالا عليه بالضرب. أما سبب ملاحقتهم له، واقتحامهم بيته، فهو احتفاظه بكتب باللغة الروسية، ما قد يعني أنه عميل للسوفيات الذين كانوا قد انسحبوا آنذاك من أفغانستان. حاول إفهام الرجلين المسلحين أن هذه ليست كتبا سياسية بل هي روايات لكاتب روسي. وحين ساقاه إلى المركز الذي يتبعانه، سرعان ما أعجب به قائدهما برويز، بل وصادقه، ثم صار وفيا له، من دون وقائع أو أسباب مقنعة قدّمتها الرواية.

ولا يقتصر غياب الإقناع على تلك الواقعة وحدها، فمعظم الصلات التي تنعقد بين هذا الشاب وشخصيات الرواية الأخرى تبدأ وتنتهي من دون أسباب مقنعة. يشمل ذلك علاقته بخطيبته التي تتراوح بين الحبّ العميق والإلتزام العادي في بعض المواقف. وكذلك علاقته بجريمته التي يبدو وقعها عليه ضئيلا فتطغى عليها أحداث أخرى ثم، في وقت آخر، تستحوذ عليه وتمرضه بالذنب الذي لا يستطيع احتماله. وعلى العموم ظلّ مفتعلا إقحام دوستويفسكي في ما يتعلّق بالجريمة، وأيضا في الرجوع إليه مرة بعد مرة كأنما لإيجاد سبب لجلد النفس وتعذيبها. وقد شاء الكاتب عتيق رحيمي أن يشير إلى أن لعنة دوستويفسكي هذه هي ركيزة روايته فسمى الرواية باسمها.

ولنضف إلى ذلك سطحية الأحداث الجارية. حتى في تصويره للحياة الأفغانية الممزقة بالفوضى وبسيطرة زعماء الأحياء يبدو ما نقرأه كاريكاتوريا سيّىء التأليف. يتصل ذلك بما تسرده الرواية عن الزعيمين المتناحرين، وعن تنازع أحدهما السلطة مع القاضي الذي يعيد الشاب، واسمه رسول، إلى المحاكمة بعد تبرئته؛ وكذلك بوصفه ما هو شائع عن غرق الأفغان بالمخدّرات، ذاك الذي أطنبت صحافة العالم في الكشف عنه.

تقدّم لنا الرواية إذن ما يشبه العناوين لما هي أفغانستان في ظلّ الحرب والفوضى. وهي عناوين شائعة بينها المخدرات وفوضى المتقاتلين واختفاء النساء في البراقع الزرق، وسرعة إطلاق الحكم، من قبل القاضي، وكيل الدين، بقطع اليدين اللتين حاولتا السرقة، وبالشنق بعد قطع اليدين لأنّ الشاب عمد إلى القتل. ثم هناك العنوان الروسي أو ما بقي من الإحتلال الروسي... مجرد عناوين فرعية لا أعرف إن كان هذا الجمع بينها سيدهش فعلا القارىء الفرنسي مثلا، ذاك الذي عبرت صحيفة لو فيغارو عن رأيه بقولها: "أيّ سحر يستعمل المؤلّف ليضحكنا وهو يصف مواقف تراجيدية".

لم يستطع الشاب رسول أن يرتقي الدرجات الأولى من التراجيدية، كما لم يكن مضحكا، بالمعنى الذي شاءته الصحيفة الفرنسية. يبقى من ذلك كلمة "السحر"، ذاك الذي بات يُهدى إلى القارىء الغربي باعتباره الشيء الذي لدينا منه الكثير. الشيء الذي يميّزنا، في الحياة كما في الأدب. السحر الذي لم يعد يؤتى منه بأي جديد لكثرة ما جرى تسويقه واستهلاكه. 


*"ملعون دوستويفسكي" رواية عتيق رحيمي صدرت عن دار الساقي بترجمة صالح الأشمر، 240 صفحة، 2015.   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها