الأربعاء 2014/12/03

آخر تحديث: 08:36 (بيروت)

ميليشيات عراقية للشيعة فقط

الأربعاء 2014/12/03
ميليشيات عراقية للشيعة فقط
برز اثيل النجيفي كمعارض لإعادة تجربة "الصحوات" وقدم بدلا من ذلك حلا يتوافق ورؤية العبادي وطهران لمواجهة داعش
increase حجم الخط decrease

على الرغم من التباهي الأميركي بتحقيق انتصار سياسي في بغداد، الصيف الماضي، بتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة برئاسة حيدر العبادي، إلا أن العراق لا يزال أمام معضلة رئيسية تتمثل بإصرار إيران على تكريس الأفضلية للشيعة على حساب السنّة، لا في الحكومة والمناصب السياسية فحسب، بل في الميليشيات المسموح تشكيلها على شكل الباسيدج الإيراني، والتي يصر العبادي وإيران على حصرها بالشيعة او ميليشياتهم المعروفة بـ"الحشد الشعبي"، ومنعها عن العشائر السنية.

وسياسة منع السنّة من تشكيل قوة ذاتية مسلحة لم تبدأ مع العبادي، بل سبقته مع سلفه نوري المالكي، الذي تسلم من الأميركيين "قوات الصحوات" السنية التي ساهمت في دحر "تنظيم القاعدة العراق" من المناطق السنية، فحرم المالكي الصحوات من الرواتب، وغض الطرف عن الحملة المنظمة التي استهدفت تصفية قادتهم.


صحيح أن المالكي أظهر حزماً في مواجهة بعض الميليشيات الشيعية، خصوصاً إبان إلحاق قواته الحكومية الهزيمة بميليشيا جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في العام 2008، الا انه تغاضى عن قيام الميليشيات الشيعية بإعادة تشكيل نفسها إبان انهيار القوات الحكومية في الموصل في حزيران الماضي وتسليمها المدينة، ومحافظة نينوى عموماً، لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية".


العبادي، بدوره، التزم الخطة الإيرانية القاضية بتشجيع حكومي للميليشيات الشيعية ومعارضة تسليح مثيلاتها السنية لتشارك في الحرب ضد داعش.


وكان العبادي، في أيامه الأولى رئيساً للحكومة، أبدى لوزير الخارجية الأميركية، جون كيري، موافقته حول فكرة تشكيل "حرس وطني" من مقاتلي العشائر السنية لمواجهة داعش. لكن ما لم يقله العبادي في حينه انه وطهران لن يسمحا أبداً لهذه الكتائب بأي استقلالية ذاتية، على غرار البيشمركة الكردية، إذ أصرت الحكومة العراقية، ومازالت تصر اليوم، على إلحاق هذه القوات السنية بوزارة الدفاع في بغداد، وهو ما يلقى معارضة العشائر السنية، التي لا يبدو انها تنوي تكرار تجربة دحر الإرهابيين ثم الانتحار امام مسؤولي العراق من الشيعة.


أمام هذه المعضلة، رأت واشنطن ضالتها في محافظ نينوى، أثيل النجيفي، شقيق نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي. والأخَوَان النجيفي يتمتعان بشعبية انتخابية واسعة لدى السنة، وهما من وجهاء المدن، ما يعني ان بروز العشائر السنية من شأنه ان يهدد زعامتيهما الى حد ما.


هكذا، برز اثيل النجيفي كمعارض لإعادة تجربة "الصحوات"، أي تسليح قوات العشائر لإلحاق الهزيمة بداعش، وقدم بدلا من ذلك حلا يتوافق ورؤية العبادي وطهران لمواجهة داعش، أي تطويع المقاتلين السنة في صفوف القوات الأمنية العراقية، ما يحرم سنة العراق قوى ذاتية على غرار ميليشيات "الحشد الشعبي" الشيعية.


ولأن واشنطن وجدت السيناريو الذي تقدمت به لتشكيل قوات "حرس وطني" سنية عراقية في مأزق بعد ان اصطدم بمعارضة إيران، ولأن إدارة الرئيس باراك أوباما حريصة على تفادي أي مواجهة، سياسية ام عسكرية مباشرة ام غير مباشرة مع طهران، فهي عدلت من خطة تشكيل قوة سنية شبه مستقلة الى أخرى تقضي بتطويع السنة في القوات الأمنية التابعة للحكومة المركزية الشيعية.


وهكذا، تمت دعوة النجيفي الى الولايات المتحدة، ومدت له الإدارة الأميركية السجاد الأحمر واحتفت باستقباله، ونظمت له لقاءات مع مسؤولين وخبراء في مراكز الأبحاث، وأوعزت للمقربين منها بالكتابة إيجاباً عن الرجل وزيارته ودوره مستقبلاً.


وقام أقرب المقربين من فريق أوباما، الصحافي المخضرم في صحيفة "واشنطن بوست" دايفيد اغناتيوس، بإجراء مقابلة مع النجيفي، وقدم رؤية الرجل لكيفية مواجهة داعش ورؤية الإدارة الأميركية لذلك. لكن اغناتيوس لم يتمالك نفسه حينما كتب انتقاداً: "لقد ارتكب الاميركيون على مدى العقد الماضي خطأ الاعتقاد ان الجيدين المؤيدين لأميركا، مثل النجيفي، سيفوزون في السياسة العراقية في المنطقة البعيدة عن النار (الخضراء)". وأضاف اغناتيوس: "لو كان ذلك الأمل ممكنا، لكان تاريخ العقد الماضي مختلفا".


إذاً، حتى اغناتيوس شكك بجدوى الاعتقاد انه يمكن للنجيفي لعب دور البديل للصحوات او لمقاتلي العشائر السنية الضرورية لدحر داعش. وقد يكون اغناتيوس على صواب، فالنجيفي، على الرغم من شعبيته، كان اول الهاربين من مكتبه في مقر محافظة نينوى إبان استيلاء داعش على الموصل. ولو كان للنجيفي قوة لاستعادة المحافظة، او أي أجزاء منها، والحفاظ عليها بعد استعادتها من داعش، لما كان خسرها أساساً.


لن يزول الظلم اللاحق بسنة العراق ما لم تعدل إيران والحكومة العراقية الموالية لها من موقفها الذي يسلح الشيعة ويحرم السنة من السلاح، وطالما الحال كذلك، سيستمر السنة بترددهم في مواجهة داعش، وطالما يتردد السنة، ستبقى مواجهة داعش مستندة الى قوات طائفية شيعية وشخصيات سنية من الدرجة الثانية مستندة إليها، وهذا نموذج فشل مراراً، ولا سبب للاعتقاد انه قد ينجح اليوم أو مستقبلاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها