الخميس 2014/08/07

آخر تحديث: 13:37 (بيروت)

قناة السويس.. مشروع 'كفتة' جديد قوامه التجنيد الإجباري

قناة السويس.. مشروع 'كفتة' جديد قوامه التجنيد الإجباري
السيسي ينوي تطوير القناة معتمداً على التجنيد الإجباري، ما ينتمي لعهد الخديوي إسماعيل أكثر من عبد الناصر (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
في الذكرى الثانية والستين لانقلاب تموز/يوليو 1952، والذكرى الأولى لدعوة وزير الدفاع حينها، لحشد الجماهير من أجل تفويضه فيما أسماه "مواجهة العنف والإرهاب المحتمل"، ألقى عبد الفتاح السيسي خطاباً مُبْهماً، لم يره المصريون غريباً، لما اعتادوه من الرئيس الجديد. وفي ثنايا الخطاب، وعد الرئيس شعبه بمفاجأة سارّة بعد عيد الفطر. انقضى العيد وانكشف الستار عن المفاجأة، فكان الإعلان عن تدشين مشروع تطوير قناة السويس، وتنمية ضفتيها بمشروعات صناعية ولوجيستية بحرية. تمخض الوعد الضخم فولد مشروعاً إلتصق ذكره برئاسة المعزول محمد مرسي، لكن المفاجأة لم تنته عند هذا الحد، فالتفاصيل كانت مليئة بالمفاجآت.
كان هذا المشروع من أكثر أسباب التهجم على محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين، بدعوى أنهم سيؤجرون مشروع تنمية القناة لشركات غير مصرية ويهددون الأمن القومي. وعلى الرغم من الإعلان عن وجود شركة عربية "سعودية" في النسخة الجديدة من المشروع، إلا أن الذين هاجموا الإخوان من قبل هم أنفسهم الذين يهللون الآن لمشروع القناة واصفين إياه بالهرم المصري الرابع. والمشروع القومي الذي سيحتشد المصريون خلفه كما احتشدوا وراء بناء السد العالي في عهد عبد الناصر. وإذا كان من بين ما تمت مهاجمة الإخوان به، هو ما جاء في مسودة القانون الذي تقدموا به من أجل رسم تشريع خاص بهذا المشروع الكبير، فإن دولة السيسي لم تفصح عن نواياها التشريعية بخصوص استئناف المشروع، بينما تنشر الصحافة المحلية عن إرسال مسودة لمجلس قضايا الدولة، من دون بيانات رقمية أو تفصيلية.

لا يبتعد كثيراً عن ذلك إعلان رسو المناقصة على الإدارة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، وهي الهيئة نفسها التي كانت راعيةً لمشروع جهاز علاج المصابين بفيروس "سي" ومرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز". اشتهر المشروع السابق-الحالي باسم "جهاز الكفتة"، بعد أن وصف مخترعه آلية عمله التي تحوّل الفيروس إلى "ساندوتش كفتة يعطى للمريض يتغذى عليه". وتسبب الإعلان عن مشروع جهاز الكفتة في فضيحة علمية عالمية، وبعد أن أخلف الجيش وعده بعلاج مرضى الالتهاب الكبدي الوبائي وفيروس الإيدز، بدءاً من 30 حزيران/يونيو الماضي، تتقدم الهيئة الهندسية، بعد تغيير مديرها، لتكون في صدارة مشروع "الهرم الرابع"، وأمل نظام السيسي في ترسيخ حكمه بإنجاز ملموس. ولا تزال الغرائب تتوالى.

وقف قائد القوات البحرية السابق، الفريق مهاب مميش، الرئيس الحالي لهيئة قناة السويس، يعرض أهداف المشروع وخطته الزمنية أمام الرئيس والحفل، فقاطعه السيسي معترضاً على خطة ازدواج الممر الملاحي للقناة بالحفر والتوسعة في 3 سنوات. ارتبك مميش متلعثماً بعبارات يؤكد فيها تلقيه الأمر من الرئيس باختصار المدة إلى سنة واحدة، ووعد بالتنفيذ. ضجت القاعة بالتصفيق بينما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية والضجر. تهكم الشباب على المشروع الموصوف حالياً بأنه "فنكوش" السيسي، نسبة إلى المنتج الوهمي الذي يدور حوله فيلم عادل إمام "واحدة بواحدة"، المقتبس عن الفيلم الأميركي  VIP. واتجه البعض إلى البحث عن مواصفات أكبر حفّارات العالم ودراسة مواصفاتها وقدراتها التنفيذية. خلاصة ما وصل إليه بحث المهندسين الشباب على شبكة الإنترنت، أن إنجاز الحفر والتوسعة في سنة واحدة يتطلب عدداً كبيراً من الشركات التي يجب أن تعمل بطاقتها الكاملة دون عطلات، مستعينة بقدر هائل من المعدات الضخمة، وهو ما يستحيل عملياً واقتصادياً.

أما عن ثقة السيسي المفرطة في إنجاز الجيش في أوقات قياسية، فإن المصريين يستدعون من ذاكرتهم التاريخية مآسي حفر قناة السويس في القرن التاسع عشر بالسخرة والعمالة الإجبارية شبه المجانية. وعلى الرغم من أن تضخيم مآسي تلك الحقبة، قد يكون راجعاً لدعاية الفترة الناصرية نكاية في الخديوي إسماعيل خصوصاً، وأسرة محمد علي باشا عموماً، إلا أنه من المفارقات العبثية أن تكون صورة عبد الناصر هي الأكثر حضوراً في دعاية السيسي كـ"خليفة للزعيم". فقد أمّم الزعيم الراحل قناة السويس بعد أن أغرق منفذها مصر بالديون، فاستولت بريطانيا وفرنسا على أسهمها، أما "خليفة الزعيم" فينوي تطويرها معتمداً على العمالة المجانية المسخرة بالتجنيد الإجباري، وهو ما ينتمي لعهد الخديوي إسماعيل أكثر من انتمائه لعبد الناصر. 

تفاصيل كثيرة في مضمون المشروع مليئة بالغرائب والعجائب، منها استقالة رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف، وفريقه من عملهم الحكومي، كمستشارين في مشروع تنمية إقليم القناة في العام الماضي. وبحسب الصحافة المحلية، فإن نص استقالة شرف، في عهد محمد مرسي، قد اختتم بعبارة "إن المشروع (تنمية إقليم قناة السويس)، هو أفضل مشروعات المستقبل لجمهورية مصر العربية، وإن تجريده من خصوصيته هذه لن يفضي إلى مصلحة مصر، بل يصب حتماً في صالح بلاد أخرى، من ذوات المشاريع الملاحية واللوجستية المنافسة". ومن المعلوم أن المقصود بالإشارة الأخيرة هي إمارة دبي، إحد كبار داعمي السيسي مالياً وسياسياً وأمنياً.
increase حجم الخط decrease