الأحد 2015/10/04

آخر تحديث: 15:16 (بيروت)

في بيعة الجيش القوقازي لـ"جبهة النصرة": الأسباب والدلالات

الأحد 2015/10/04
في بيعة الجيش القوقازي لـ"جبهة النصرة": الأسباب والدلالات
وصف البيان تنظيم "الدولة" بـ"الطرف الباغي" (انترنت)
increase حجم الخط decrease
ربما بدا للكثيرين، أن انضمام "جيش المهاجرين والأنصار" إلى صفوف "جبهة النصرة"، مؤخراً، خبراً عادياَ لحدث تأخر وكان مجرد تحصيل حاصل، خاصة وأن ما بين الفصيلين من قواسم مشتركة، يجعل من تأخر اندماجهما هو المستغرب، وليس العكس.

من حيث المبدأ، فإن هذه الرؤية صحيحة إلى حد كبير، إذ ينبت الفصيلان من أرضية فكرية وإيديولوجية واحدة، ناهيك عن اعتماد كليهما على العنصر البشري غير السوري كمكون رئيسي فيهما، بالإضافة إلى تطابق الأهداف والرؤية السياسية.

لكن معرفة التفاصيل التي منعت هذا التوحد على مدار أكثر من ثلاثة أعوام، والتقديرات التي تفسر الأسباب المباشرة لهذه الخطوة، ربما يساعد في فهم استثنائية هذا الحدث.

تتبع "جبهة النصرة" لتنظيم "قاعدة الجهاد العالمي"، بينما يتبع "جيش المهاجرين والأنصار" لـ"إمارة القوقاز الإسلامية" التي تأسست في العام 2007. لكن الفصيلين ينتميان إيديولوجياً إلى السلفية الجهادية، ويصدران فكرياً عن مرجعية فكرية واحدة، هي قيادات التيار السلفي الجهادي ومنظريه حول العالم.

وفي الوقت الذي لم تنتج "إمارة القوقاز" مُنظّراً شهيراً في التيار السلفي الجهادي، تبدي هذه الإمارة، ومركزها في جمهورية داغستان، الدولة السوفياتية السابقة، في جميع بياناتها السياسية ومطبوعاتها الفكرية والدينية، احتراماً كبيراً لتنظيم القاعدة وقادته، وكذلك لمنظري الحركة السلفية الجهادية بشكل عام، مثل أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وطارق عبدالحليم وهاني السباعي وغيرهم.

ورغم أن "جيش المهاجرين والأنصار"، يقوم بالأساس على العناصر غير السوريين، إلا أنه لم يعتبر في أي يوم، فصيلاً منافساً لـ"جبهة النصرة"، التي كان أحد أسباب وأهداف وجودها المبكر في سوريا، استقطاب المقاتلين الأجانب "المهاجرين". وهذا يعود إلى وضوح هوية "جيش المهاجرين" الذي كان الهدف من الإعلان عنه في سوريا مطلع العام  2012 كما يبدو، الحفاظ على المقاتلين القوقازيين في فصيل واحد مستقل يتبع مباشرة للإمارة التي تموله وتمده بالمقاتلين.

لكن إعلان أبو بكر البغدادي لقيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ولاحقاً "دولة الخلافة" عام 2013، وجه ضربة قوية، ليس لـ"جبهة النصرة" وحسب، بل وحتى لـ"جيش المهاجرين والأنصار" الذي انشقق نصف مقاتليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وانضموا بقيادة أبو عمر الشيشاني إلى تنظيم "الدولة الإسلامية".

وليس سبب المفاجأة هنا، إلا في خروج هذا العدد الكبير من العناصر، بحدود 800 مقاتل، من عباءة الإمارة القوقازية، التي لطالما عرفت بتماسكها البنيوي، ومحافظتها على استقلاليتها السياسية والمالية في جميع الأماكن التي ينشط فيها مقاتلوها، وخاصة دول الاتحاد السوفياتي السابق.

وكما أجبر هذا التطور "جبهة النصرة" أن تعتمد في عملية إعادة البناء على العنصر السوري، ما دفع قيادة "جيش المهاجرين والأنصار" إلى فتح الباب أمام المقاتلين المحليين، والمهاجرين من جنسيات غير قوقازية، الذين ظل عددهم محدوداً فيه إلى ما قبل ذلك التاريخ، للانضمام إليه على نطاق أوسع، لكن كل ذلك لم يكن كافياً لتوقع اندماج الفصيلين، اللذين تمكنا من إعادة ترميم نفسيهما، وتسجيل حضور قوي في الساحة العسكرية. وإن كان "جيش المهاجرين والأنصار" قد حافظ على موقفه المحايد من الاقتتال بين تنظيم "الدولة" وبقية الفصائل.

لكن التطور الأبرز على هذا الصعيد، كان بعد إصدار "جيش المهاجرين" ولأول مرة، بياناً شديد اللهجة ضد تنظيم "الدولة"، في حزيران/يونيو 2015، عقب هجوم الأخير على ريف حلب الشمالي، وسيطرته على بلدة صوران ومناطق أخرى. ووصف البيان تنظيم "الدولة" بـ"الطرف الباغي".

ويسود اعتقاد أن هذا الموقف من تنظيم "الدولة"، كان السبب في ثاني أكبر انقسام في "جيش المهاجرين والأنصار"، حيث قام "مجلس شورى الجيش" بعزل قائده صلاح الدين الشيشاني، بعد خلافات داخلية حول الموقف من تنظيم "الدولة". حينها رفض الشيشاني إعلان الحرب ضد التنظيم، على عكس رغبة "مجلس الشورى" فيه، ما أدى الى خلافات كبيرة تدخلت كل من "جبهة النصرة" و"دار القضاء" لحلها.

ولعل إعادة صلاح الدين الشيشاني، تشكيل جيش مستقل عن "جبهة النصرة" باسم "جيش أمارة القوقاز الإسلامية لنصرة أهل الشام"، عقب إعلان اندماج "جيش المهاجرين والأنصار" مع "جبهة النصرة"، يؤكد وجود تيار في الإمارة يريد النأي بها عن الخلاف مع تنظيم "الدولة"، الذي أثبت قدرته على الوصول إلى جميع المناطق التي تنشط فيها الجماعات الجهادية. وذلك كما حدث مع حركة طالبان في أفغانستان وباكستان، حيث انشق قسم من مقاتليها وأعلنوا بيعتهم لـ"دولة الخلافة".

كما يقول البعض، إن الإعلان عن مقتل زعيم "إمارة القوقاز" محمد سليمانوف، المعروف باسم أبو عثمان الغيمراوي، مع ذراعه اليمنى كميل سعيدوف، في آب/أغسطس 2015، على يد القوات الروسية في داغستان، أدى الى خلل أثر على تماسك الجماعة بشكل عام.

لكن ما يعتبره العديدون، سبباً مباشراً لإعلان "جيش المهاجرين والأنصار" الانضمام إلى "جبهة النصرة"، هو التخوف من أي عملية سياسية قادمة في سوريا، تفرض على الطرفين؛ المعارضة والنظام، إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد.

ويعتبر الكثيرون خطوة الاندماج هذه، بمثابة التأسيس لتكتل كبير، يجعل من المقاتلين غير السوريين في صفوف المعارضة، رقماً صعباً في الحسابات السياسية، وقطعاً للطريق على أي محاولة لتكرار تجربة المقاتلين الأجانب في البوسنة، الذين وجدوا أنفسهم في موقف صعب بعد اتفاقية دايتون، التي أنهت الحرب في تلك الدولة عام 1995، وأجبرت الغالبية العظمى منهم على مغادرة البوسنة، والالتحاق بالجماعات الجهادية في بلدان أخرى، بسبب عدم إمكانية عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.

ويقول أصحاب هذا التحليل، إن الأيام القادمة ستشهد اندماج المزيد من التشكيلات المقاتلة، التي تقوم في بنيتها الأساسية على المقاتلين غير السوريين في صفوف المعارضة، تحت الهاجس نفسه، حتى بالنسبة لبعض التشكيلات الصغيرة منها، والتي طالما سعت لكي تنأى بنفسها عن اسم "القاعدة". وأنه ربما يكون "لواء جند الأقصى" هو الجهة التي سيحتضنها. وإن كان البعض يرشحها جميعاً، بما فيها "جند الأقصى"، للاندماج مع "جبهة النصرة" خاصة وأن جميع هذه القوى تقريباً، تتواجد في الشمال.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها