الإثنين 2020/06/08

آخر تحديث: 11:02 (بيروت)

إيران..من الخميني الى خامنئي

الإثنين 2020/06/08
إيران..من الخميني الى خامنئي
© Getty
increase حجم الخط decrease
عندما وقعت المفاجأة وتسلم "حجة الإسلام" الإيراني علي خامنئي كمرشد أعلى للجمهورية خلفاً الخميني، لم يتوقع أحد أن تطول ولايته المطلقة ثلاثين سنة وأكثر. كثيرون اعتقدوا بعد إزاحة آية الله حسين منتظري عن الخلافة، أن خامنئي  سيكون " الجسر" القوي والداعم لعبور هاشمي رفسنجاني إلى الزعامة خصوصاً وأنه كان الأقرب إلى الخميني والأقدر على التعامل مع تعقيدات السلطة وتدوير الزوايا.
طبعاً لم يأتِ خامنئي من الفراغ، كان قد تدرج صعوداً في مواقع السلطة بحيث أن رئاسة الجمهورية شكلت له مفصلاً أساسياً في تكوين خبرته وشخصيته القيادية، لكنه لعب دائماً في مسيرته الاولى بصمتٍ وتواضعٍ ودائما تحت "عباءة " هاشمي رفسنجاني، إلى أن تمكن وإستقوى، فأطاح به عبر أحمدي نجاد المجهول القادم مباشرة من "الحرس الثوري" والذي يوحي في حركته السياسية وخطابه بأنه ما زال ثورياً من رعيل الثورة اللأول، ثم تابع مسار الافتراق الصامت فالتباعد عن رفسنجاني، مُشكلاً " جمهوريته " ليدخل بها تاريخ إيران قامة مرفوعة ومستقلاً دون أن يخرج خطابياً من تحت "عمامة" الخميني.
وصف المرشد خامنئي، سلفه الخميني بأنه "رجل التغيير والتجديد" وهذا صحيح لأنه أطاح بالشاه وأقام الجمهورية الإسلامية. ويعترف مؤيدوه أو معارضوه على حد سواء بأنه أضاف على الفكر الاسلامي وعلى حركة الشيعة بعداً مهماً سيؤكد المستقبل أهميتها وحجمها الفعلي. بدوره، فإن خامنئي وبعد أكثر من ثلاثين سنة من الولاية المطلقة عمل منذ أن تمكن من السلطة على إحداث تغيير واسع يضعه في موقع متقدم من تاريخ إيران وليس فقط الجمهورية الإسلامية، إذ نجح في تغيير الأعمدة السياسية والاجتماعية التي قامت بها وعليها الثورة، فالبازار انكمش دوره ولم يعد مؤثراً ربما إلى حين، والحرس الثوري الذي شُكل لحماية الثورة أمسك بمفاصل الدولة نظاماً واقتصاداً، حتى أن ميزانيته ومداخيله غير محددة وحتى غير معلومة (عندما طلب قاسم سليماني من حسن روحاني المال ولم يحول له بسبب وضع الميزانية السيئ تولى المرشد خامنئي دعمه مباشرة)، وبدلاً من التعددية الحزبية والتنظيمية التي تميز بها النظام أصبح خاضعاً لإدارة الحزب الواحد من المتشددين المحافظين.
الأخطر أن شعار الثورة الأول وهو" تصدير الثورة " تحول إلى استراتيجية للغزو المبرمج لمحيط إيران العربي وصولاً إلى اليمن تحت شعار الدفاع عن المقاومة ومن ثم عن محور المقاومة، وفي صلبه الدفاع عن إيران بعيداً عن حدودها. ولم يكن أمام المرشد سوى رفع منسوب "العسكرة" وبالتالي تضخم الإنفاق العسكري على سلاح الصواريخ بعد أن أثبت فعاليته في حروب اليمن، وسلاح البحرية بعد أن برزت أهميته في مياه الخليج وتوسيع المواجهة به وصولاً إلى فنزويلا، يضاف إلى ذلك الميزانية المفتوحة للحرس الثوري وخصوصاً "فيلق القدس" الذي شكل "السيف القاطع" للاستراتيجية التي وضعها خامنئي مع قاسم سليماني.
بعيداً عن هذا "الورم" الخارجي فإن جمهورية خامنئي "تبدو مريضة" في الوقت الذي هو فيه مريض وغارق في مشكلة خلافته، خصوصاً أنه لن يستطيع تولية ابنه مجتبى الممسك عملياً بالأمن وبمؤسسات والده المالية التي يقال إنها تسيطر على أكثر من مائة مليار دولار. وكان الخميني قد رفض أن يجعل ابنه أحمد خليفة له حتى لا يشكل مبدأ يُحتذى به لتصبح الجمهورية "مملكة بعمامة" يتوارث فيها الأبناء السلطة من آبائهم.
تخوض إيران حالياً معارك عديدة في وقت واحد أبرزها: المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية التي تنتج كما كانت الحالة منذ مطلع الثورة، صياغة وحدة وطنية من جهة ومن جهة آخرى دعماً لجبهة المتشددين في السلطة.. وأصبح الكلام عن الأزمة الاقتصادية معروفاً وعادياً نتيجة للحصار المفروض، رغم التكتم الرسمي عن حقيقة الوضع، علماً أن التضخم وحده قد بلغ 40 في المئة. يكفي أن رفع سعر البنزين 200 في المئة قد أطلق انتفاضة شعبية واسعة جرى التكتم على أرقام ضحاياها وخسائرها حتى الأسبوع الماضي، عندما فجر مجتبى ذو النور الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، في كلمته الوداعية أمام اجتماع لكبار المسؤولين، قنبلة من العيار الثقيل، إذ قال: "لقد قتل في انتفاضة البنزين 230 شخصاً وجرح 2000 شخصاً وقد لحقت أضرار جسيمة ب497 مركزاً حكومياً وحرق ٩٩١ مصرفاً و123 محطة بنزين و230 سيارة حكومية وتضرر 569 سيارة". المضحك المبكي بعد الكشف عن هذه الخسائر أن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية قال: "نأسف بشدة أن نرى الشعب الأميركي الذي يلتمس سلمياً الاحترام ووقف العنف، يقمع بصورة عشوائية ويُقابل بأقصى أشكال العنف". 
فائزة هاشمي رفسنجاني النائبة السابقة والجريئة جداً قالت في 15 كانون الثاني/يناير، بعد قمع انتفاضة البنزين: "هناك حد لحكم أي شخص. لقد حكم السيد خامنئي فترة طويلة وبما فيه الكفاية وسيعمل طيباً إذا قام بالتغيير ونقل السلطة بنفسه". لكن في عز المواجهة وبداية الحملة الانتخابية الأميركية وفتح قنوات التفاوض مع واشنطن، لا يبدو أن المرشد مستعد لسماع نصيحة إبنة صديقه اللدود بالتخلي عن سلطته المطلقة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها