الخميس 2019/07/25

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

مذبحة 25 تموز.. وتقويض الدور الوطنيّ لدروز السويداء

الخميس 2019/07/25
مذبحة 25 تموز.. وتقويض الدور الوطنيّ لدروز السويداء
(السويداء 24)
increase حجم الخط decrease
استحضار مذبحة تموز المشؤومة في ذكراها الأولى، لا يعني فقط التذكير بوحشية تنظيم "داعش" الإرهابي وهول ما فعله، بل أيضاً للتذكير بشجاعة أبناء السويداء، وتواطؤ النظام. وأكثر؛ كي لا يزوّرَ التاريخ ويُكتب بعيداً عن حقيقته وأسبابه وأهدافه، فلا يعمينا خطرٌ عن خطرٍ آخر لا يقل سوءاً وسواداً.

النظام يحاول اليوم تزوير مفاصل مهمة سبقت ورافقت المذبحة، للتنصل من مسؤوليته عنها، بل وتجييرها لصالحه، لسرقة نصر لم ينله. وما دعوة "حزب البعث" للاحتفال "بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمعركة الشجاعة والبطولة التي خاضها جيشنا الباسل، بالتعاون مع أهالي المحافظة"، إلا محاولة لطمس الحقائق. فعدا عن عدم مشاركتها في المعركة ضد "داعش" أثناء مجزرة 25 تموز 2018، كانت قوات النظام ترتكب مجازر لا تقل بشاعة في مناطق أخرى من البلاد.

كيف صُنعت المذبحة؟

صبيحة 25 تموز 2018 شنّ التنظيم الإرهابي، وبشكل متزامن، هجمات دموية على قرى الريف الشمالي والشرقي لمحافظة السويداء، وسلسلة تفجيرات انتحارية طالت وسط المدينة. وكانت حصيلة الهجوم 221 قتيلاً وأكثر من 180 جريحاً، جلهم من المدنيين، بالإضافة إلى خطف 30 رهينة تم تحريرهم لاحقاً بعدما أعدم التنظيم رهينتين منهم، للضغط على الأهالي أثناء المفاوضات.

استطاع التنظيم في حينه السيطرة لوقت قصير على بعض القرى الشرقية، بعدما ذبح سكانها، قبل أن يعم الخبر ويتوافد أهالي السويداء من كل القرى والبلدات، لدحر التنظيم بعتادهم المتواضع وشجاعتهم.

قبل ذلك، وتحديداً في أيار/مايو 2018، قام النظام، بوساطة روسية، بعقد إتفاق مع "داعش" في مخيم اليرموك قرب دمشق، لإخلاء 800 داعشي إلى بادية السويداء. وقام النظام بتوفير ممر آمن لهم، إلى مناطق لا تبعد سوى 10 كيلومترات عن مدينة السويداء.

في حزيران/يونيو، سحب النظام جزءاً كبيراً من قواته من بادية السويداء إلى محيط ريف درعا الشرقي من جهة مدينة بصرى الشام، بهدف المشاركة في الحملة العسكرية على درعا. هذا الفراغ والغياب العسكري لقوات النظام كان واضحاً يوم المذبحة، حيث لم يسجل أي حضور لجيش النظام على عكس ما يحاول أزلام السلطة تصويره اليوم بأنه نصر لجيش النظام.

قبل المذبحة بأسابيع زار الضباط الروس العديد من الفعاليات الإجتماعية والدينية في المحافظة بهدف إقناعهم بتسليم المطلوبين للخدمة العسكرية، والإلتحاق بـ"الفيلق الخامس". النظام حاول الضغط أيضاً باتجاه الحاق المتخلفين عن الخدمة بقطعاتهم العسكرية. محاولة النظام استمرت بعد المذبحة، وحتى اللحظة. بعد إعدام الرهينة الثانية ثريا أبو عمَّار، أوفد النظام ضبَّاطاً من "الفرقة الرابعة" إلى السويداء لبحث مسألة المتخلفين عن العسكرية، مع وعود بأن يتم فرز الملتحقين إلى المناطق الجنوبية القريبة من السويداء. ولاحقاً طالب بشار الأسد أهالي المخطوفين المحررين، أثناء زيارتهم للقصر الجمهوري، بضرورة إلتحاق شباب السويداء بالجيش لـ"تجنب مذابح جديدة".

التواطؤ يوم المذبحة، تدعمه العلاقة الإقتصادية المفضوحة بين النظام و"الدولة الإسلامية"، وشراكتهما في تهريب المحروقات والسلاح، والخطف والفدية، طيلة فترة وجود "داعش" شرقي السويداء. "مازوت داعش"  كان يوزّع في السويداء، لا أمام نظر  "الدولة السورية" بل برعايتها.

مصالح التنظيم والنظام تلاقت على المجزرة. فكلاهما يعرفان أن "داعش" بلا حاضنة شعبية في السويداء، ولا يمكن له السيطرة والحفاظ على منطقة متمايزة طائفياً، معروف عن أهلها تاريخياً شدتهم في القتال، ومقاومتهم للغزاة، ومن الصعب أن يستكينوا ليذبحوا أو يُهجّروا كما حصل في مناطق الأيزيديين في العراق. لذا، كانت المذبحة. "داعش" حاول الهروب للأمام بفتح جبهة جديدة تخفف الضغط عن عناصره المتواجدين في وادي اليرموك في درعا، والنظام سهل وساهم بالهجوم للضغط على الدروز من أجل تسليم أبنائهم للإلتحاق بالجيش.

يضاف إلى ذلك، ما أسس له النظام طيلة السنوات الماضية من فصل دروز السويداء عن الهمّ الوطني، في استراتيجية قديمة جديدة سعت لتصوير الصراع السوري على أنه مذهبي-طائفي لا سياسياً، والنظام وحده حامي وضامن الأقليات.

همجية وخطورة معتقدات "داعش"، وهول المجازر التي إرتكبها في السويداء، وفي عموم سوريا ليست موضع نقاش. إلا أن هجوم 25 تموز، يفضح تواطؤ النظام أكثر من بربرية "داعش"، ويعكس المدى الذي يمكن أن يذهب إليه هذا النظام في تحقيق أهدافه على حساب حياة السوريين.

الدروز ومحاولات عزلهم

انقسم مجتمع السويداء على نفسه بين موالِ ومعارض، حاله حال كل المجتمع السوري، لكن النظام تعامل مع الحدث في السويداء ومع الأقليات عموماً بطريقة أقل وحشية من تعامله مع مناطق أخرى. كان عنوان إستراتيجيته عزل هموم ومطالب الشعب السوري عن بعضها البعض، وتحييد الأقليات عن الحراك الثوري عبر تحويله إلى صراع طائفي ومذهبي، وصبغ الثورة بـ"الإرهاب".

النظام لم يذهب في قمع الحراك الثوري في مناطق الأقليات كما فعل مع معارضيه السُنّة. كان المطلوب قمع حراك الأقليات الثوري لا تفجير الأوضاع في مناطقها. ومع صعوبة تمرير حجة الإرهاب في مناطق الأقليات، اعتمد النظام بشكل أساسي على شبيحته المحليين لقمع المظاهرات، لا الجيش مباشرة.

استراتيجية لا تأتي في إطار التسامح ومنطق الدولة، بل في إطار خبرته القمعية في إخضاع الشعب. فالنظام عوّم السلاح في السويداء، ومعه الرعاع. كما عمل على تغذية الحساسيات العائلية، والتغاضي عن جرائم موصوفة، وغيّب القانون بالكامل. السويداء اليوم غارقة بهمومها المحلية المصطنعة، من نقص المحروقات، وفوضى السلاح، والخطف والقتل "مجهول الهوية". فالسويداء معزولة معنوياً، عما يجري في سوريا، ومحكومة بسلطة أزلام النظام.

الخطر الأكبر الذي يواجه الدروز اليوم ليس داعش، وهذا لا يقلل من خطره، بل هو ممارسات السلطة في تغييب الدور الوطني للدروز وإغراقهم بمشاكل محلية مصطنعة على حساب مساهمتهم التاريخية في صنع السياسة الوطنية، والعمل على تحجيمهم ليكونوا أقلية بدلاً من أن يكونوا حقيقة جزءاً من الأكثرية الوطنية الساعية إلى التغيير.

لقد لعب الدروز في سوريا، تاريخياً، دوراً أكبر من حجمهم العددي، وإن حملوا هواجس الفناء مثلهم مثل غيرهم من الأقليات في منطقة لم تنجز دولة المواطنة بعد؛ إلا أنهم لم يكونوا يوماً معزولين ومنعزلين عن دورهم الوطني والعربي كما هم اليوم. وإذا كان التاريخ يقول إن الأقليات عموماً تتخذ خطوات متقدمة في مواجهة الأخطار الخارجية فيما تنكمش في الصراعات الداخلية، فإن التاريخ يشير أيضاً إلى أن الإنعزال له أثمان سياسية باهضة في تقرير موقع الجماعة ومصيرها في المستقبل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب