أثناء توقيع اتفاق "المصالحة" في ريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي، سعى النظام إلى إبقاء الشبان مقدماً وعوداً بعدم فرض التجنيد الإلزامي والاحتياطي على طلاب الجامعات والموظفين.
وبعد مرور أكثر من 200 يوم على الاتفاق، اكتشف الشبان أنهم وقعوا ضحية الوعود الوهمية، إذ بدأ مخاتير القرى ورؤساء البلديات إبلاغهم بضرورة الالتحاق بالخدمة العسكرية، أو مواجهة الاعتقال.
الشاب خالد، كان قدّ فضّل البقاء في مناطق سيطرة النظام بعد خروج فصائل المعارضة نحو الشمال السوري، قال لـ"المدن": "كنت ضحية وعود كاذبة أطلقها النظام، ولكن الندم لم يعد ينفع بعد مرور 6 شهور". خالد طالب جامعي، وقد انقضت الشهور الستة ولم يصدر أي قرار بتأجيل خدمته العسكرية حتى اللحظة. يتابع: "في الوقت الحالي أنا معرض للطلب للخدمة العسكرية، نتيجة عدم حصولي على أي إثبات بأني أدرس في الجامعة، كما أن الجامعة ترفض إعطائي أي ورقة لتأجيل الخدمة العسكرية، لأنني بحكم المفصول من الجامعة، بعد سبع سنوات على الانقطاع عن الدراسة".
ويبدو أن خالد كان محظوظاً، لعدم اعتقاله خلال الشهور الماضية. قوات النظام كانت قد باشرت، منذ دخول اتفاق "المصالحة" حيز التنفيذ، بعمليات الاعتقال بقصد الإبتزاز المالي، وأجبرت ذوي المعتقلين على دفع الفدية المالية لإطلاق سراحهم، وفي حال تعذر ذلك ساقتهم للخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية.
صالح، 27 عاماً من ريف حماة الجنوبي، قال لـ"المدن": "ابن عمي في مثل عمري، وهو طالب سنة أولى في جامعة البعث، وقد فضل البقاء في المنطقة. ولكن التسوية التي أجراها لم تشفع له، وبعد شهرين من الاتفاق اعتقله الأمن العسكري من بيته، ومورست بحقه أنواع من التعذيب دخل على إثرها إلى المشفى الوطني بحماة". تدخّل ضابط من أقارب صالح، لينهي معاناة ابن عمه مع "الأمن العسكري"، لكن ذلك لم يمنع من "سوقه" مباشرة لأداء "الخدمة العسكرية".
موظفو القطاع العام المطلوبين للاحتياط، الذين بقوا في المنطقة بعد وعود بإعادتهم للعمل وتأجيل خدمتهم العسكرية، خضعوا لأسوأ عمليات الإبتزاز. ورود اسمائهم في قوائم الاحتياط، دفعهم إلى أحضان "وسطاء" مع النظام، لشطب اسمائهم مقابل مبالغ تراوحت بين 200 ألف وبين مليوني ليرة سورية. في كثير من الأحيان، يدرس "الوسيط" الوضع المالي للموظف المطلوب للاحتياط، ليفرض عليه أتاوة تتناسب مع إمكانياته. كثيرون اضطروا لدفع الأتاوات لأكثر من مرة، إذ كانت اسماؤهم تعاد إلى القوائم بعد شطبها.
خضر، 32 عاماً، كان قد خرج من ريف حمص الشمالي إلى لبنان، هرباً من الخدمة الاحتياطية. يقول خضر لـ"المدن": "جاء طلبي للاحتياط في العام 2015، حين كنت أقيم في الزعفراني بريف حمص الشمالي، فلم أكترث، إذ لا يمكن للنظام الوصول إلى مكان إقامتي". ولكن، بعد اتفاق "المصالحة"، يتابع خضر: "تواصلت مع أحد العاملين في شعبة التجنيد في حمص، وطلب مني 500 ألف ليرة سورية لشطب اسمي من قوائم الاحتياط، ففعلت". وبعد أربعة أشهر، "أخبرني الشخص ذاته أن اسمي قد ورد في قائمة جديدة للاحتياط، وطلب مني 300 ألف ليرة ليشطب اسمي مجدداً"، وعندها "قررت السفر إلى لبنان عن طريق التهريب".
ورغم اصدار "مرسوم العفو"، وشطب اسماء أكثر من 800 ألف مطلوب للاحتياط، عاد النظام لفرض قوائم احتياط جديدة، وكان نصيب ريف حماة الجنوبي منها 1500 مطلوب توزعوا على بلدات عقرب وحربنفسه وطلف وديرفرديس وجرجيسه. ووردت أسماء 15 ألف مطلوب للاحتياط في ريف حمص الشمالي توزعوا على الحولة والرستن وتلبيسة. قوائم الاحتياط الجديدة ضمّت اسماء موتى ونازحين ومُهجّرين قسرياً، بالإضافة إلى اسماء أشخاص ينفّذون خدمتهم العسكرية حالياً مع قوات النظام، وكذلك أسماء متطوعين في مليشيات موالية.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها