الأحد 2017/07/30

آخر تحديث: 17:32 (بيروت)

"الإدارة الذاتية"وتجنيد"المغمورين":تهجير للعرب أم تعريب للمقاتلين؟

الأحد 2017/07/30
"الإدارة الذاتية"وتجنيد"المغمورين":تهجير للعرب أم تعريب للمقاتلين؟
نحو 27 حملة "تجنيد إجباري"، طالت الأخيرة منها شباب قرى الغمر (انترنت)
increase حجم الخط decrease
عادت مسألة "المغمورين" في الجزيرة السورية إلى الواجهة عقب شروع "هيئة الدفاع الذاتي" التابعة لـ"الإدارة الذاتية" (التابعة بدورها لحزب "الإتحاد الديموقراطي" الكردي) بتطبيق قرار تجنيد الشباب من أبناء المحافظات السورية المقيمين في الحسكة.

وشمل هذا القرار، للمرة الأولى "عرب الغمر"، الذين ما زال بعض الأكراد يعتبرونهم من أهالي الرقة وريف حلب، ممن نقلوا إلى الحسكة، مع سجلاتهم المدنية، عقب بناء سد الفرات، ما اعتبر استهدافاً للتركيبة السكانية في الحسكة لصالح العرب. ونُقل عرب الغمر إلى منطقة "الخط العاشر" الممتدة بين مدينتي رأس العين والمالكية شمالي محافظة الحسكة، على شكل شريط بعرض 10 كيلومترات بموازاة الحدود التركية-السورية.

واعتبر سياسيون ونشطاء عرب أن توسيع قرار التجنيد ليشمل شباب قرى الغمر واستمرار حملات الدهم والاعتقالات منذ أسابيع حتى اليوم، في قراهم، محاولة لابعادهم عن المنطقة بطريقة غير مباشرة على يد سلطة الأمر الواقع المتمثلة بـ"وحدات حماية الشعب" الكردية، المدعومة أميركياً. وذلك بعدما بدأ الكثير من العائلات من أهالي المحافظات الأخرى إرسال أولادها إلى منطقة "درع الفرات" الخاضعة لسيطرة قوات الجيش السوري الحر خوفاً من التجنيد للقتال ضد تنظيم "الدولة" في الرقة.

"المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي لشمال سوريا" التابع لـ"الإدارة الذاتية"، أقر إقصاء العرب الغمر من المشاركة في "الانتخابات الفيدرالية" في شمال سوريا، وقرر "المجلس" إدراج مادة ضمن قانون الانتخابات، تنص على منع العرب المغموريين من الترشح والانتخاب لمجالس الإقاليم والمقاطعات في شمال سوريا "حتى تسوية وضعهم سياسياً". وجاء في المادة: "يحق للوافدين إلى مناطق الفيدرالية الديموقراطية لشمال سوريا بقرار سياسي، الانتخاب والترشح إلى الكومينات والمجالس والبلديات فقط لحين تسوية وضعهم في إطار حل سياسي".

الجناح السياسي الكردي الموالي لرئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، والمتمثل بأحزاب "المجلس الوطني الكردي" المنضوي في "الإئتلاف الوطني" والمعارض لسياسات حزب "الاتحاد الديموقراطي"، اعتبر القرار شرعنة لوجود عرب الغمر؛ فبعد "تضحيتهم بالدماء في سبيل الدفاع عن هذه الأرض، سيكون من الصعب ترحيلهم عن المنطقة وإنهاء مشروع الحزام العربي"، على ما يقوله البعض منهم. وبالفعل وصل أول قتيل من شباب الغمر المجندين في "قسد" إلى بلدة القحطانية نهاية حزيران/يونيو. ويأتي هذا بعد سنوات من النقد اللاذع لـ"الإدارة الذاتية" من قبل أحزاب "المجلس الوطني"، بسبب ترك شباب هذه القرى، التي يسمونها "مستوطنات"، في حين يُجنّد الشباب الأكراد ليقتلون في الرقة وأطراف ديرالزور.

"وحدات حماية الشعب" وقوات "الآسايش"، التابعتين لحزب "الاتحاد الديموقراطي"، كانتا قد أطلقتا عمليات تجنيد الشباب للقتال، في تشرين أول/أكتوبر 2014، وتبعها نحو 27 حملة "تجنيد إجباري"، طالت الأخيرة منها شباب قرى الغمر.

وفي التعديل الجديد للقرار الذي صدر في 29 حزيران/يونيو، تملصت "الإدارة الذاتية" من التهمتين؛ أي ترك شباب الغمر في أمان، وشرعنة وجودهم عبر اشراكهم في بذل الدماء من أجل الأرض وكسب حق الإقامة فيها إلى الأبد، وذلك من خلال توسيع تعريف المُكلّف "المطلوب للتجنيد" ليشمل كل سوري يقيم في الحسكة منذ خمس سنوات. وأضاف القرار: "المكلف هو كل من بلغ السن القانونية (18) من سكان حاملي الجنسية السورية والاجانب ومكتومي القيد ومن في حكمهم من المقيمين في المنطقة قبل تاريخ 19 تموز/يوليو 2012"، وهو تاريخ تعتبره "الإدارة" يوم اندلاع ثورة قادها حزب "الاتحاد الديموقراطي" لتحقيق مكاسب لأكراد سوريا.

وعلى خلاف الوسط السياسي والإعلامي، فإن أهالي قرية العزيزية "المثنى"، كبرى التجمعات السكانية للمغمورين في منطقة رأس العين، يقللون من أهمية تطبيق هذا القرار ويضعونه في اطار تطبيق قرار جائر استمرت إدارة حزب "الاتحاد الديموقراطي" في تطبيقه على أبناء المحافظة منذ سنوات، حتى هاجر معظم الشباب العرب والأكراد إلى البلاد المجاورة وأوروبا هرباً من التجنيد للقتال في حرب ليس حربهم.

ويؤكد الأهالي الذين التقتهم "المدن" أن عمليات التجنيد الواسعة والمستمرة في قرى الغمر جاءت بسبب حاجة "قوات سوريا الديموقراطية" لإضفاء صبغة عربية على التشكيلات المقاتلة تحت لوائها، إضافة لحاجتها للعنصر البشري في معركتها الطويلة مع تنظيم "داعش" داخل مدينة الرقة، خاصة بعد سقوط مئات القتلى والجرحى منها في المعارك. ويعتبر المغمورون، أن هذا السبب أكثر واقعية من غيره، خاصة أن الولايات المتحدة مشرفة بشكل كامل على كل ما يحصل في المنطقة من عمليات التجنيد إلى جبهات القتال، ما يرغم "الإدارة الذاتية" على التفكير مليّاً قبل اتخاذ أي خطوة قد تفضي إلى هجرة جماعية لسكان أكثر من 40 قرية يقدر عددهم وسطياً بنحو 120 ألف نسمة.

وتصاعدت هواجس المغمورين من ترحيل جماعي لقرى "الحزام العربي"، كما يصفه الأكراد، باعتبار أن السلطة بيد "الإدارة الذاتية" في بلد تستعر فيه الحرب منذ سنوات ولا وجود لمن يحاسب في حال تكرر تهجير الغمر من مستقرهم الأخير، خاصة مع استحالة الأمر نظرياً لكون قراهم مغمورة حتى الآن بمياه سد الفرات والعودة إليها تستلزم تغيير مسار النهر أو تدمير السد الذي تسيطر عليه حالياً "الإدارة الذاتية" وتسعى للاستفادة منه في انارة المدن والبلدات الخاضعة لسيطرتها.

وتنتشر قرى الغمر المُستحدثة على أراض مستولى عليها، بناء على أحكام قانون "الإصلاح الزراعي" رقم 161 للعام 1958 وتعديلاته، بالقرب من الشريط الحدودي حيث يفترض الوجود الكردي، ومنها ما يقع في منطقة عربية لا وجود لقرى كردية جوارها. وهذا يعني أن ربع هذا الحزام، أو أكثر بقليل، لا يقع ضرره على السكان الأكراد، بل على سكان رأس العين من العرب بالتحديد، والذين كانوا سيحصلون على هذه الأراضي بموجب قانون الاصلاح الزراعي القاضي بتحديد سقف الملكية، والذي كان أوسع تطبيق له في سبعينيات القرن الماضي.

"المغمورون" ليسوا مجرد عنوان لرواية الأديب السوري عبدالسلام العجيلي، بل هي قصة بشر اجتثت جذورهم، بقرار حكومي، ليزرعوا في تربة جديدة، يظنها "البعث" أشد خصوبة في الجزيرة العليا، فيما يظنها المُبعدون إليها غربة وشراكة لبشر آخرين في أرضهم واقتحام لعاداتهم وتقاليدهم وهدوء مجتمعاتهم من دون مبرر. وهؤلاء نقلوا من أراضيهم إلى أراض تملكها الدولة، فـ"انتقلوا من ظلم الطبيعة على ضفاف الفرات إلى ظلم الدولة"، كما يقول العجيلي في روايته.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها